لعبٌ على وتر الطفولة .. وبرامج تلفزيونية كرتونية قلبت الموازيين
أطفال رسمت ابتسامة على وجوههم ، كانت عيونهم ترقص بالبراءة و الطفولة ، غمزات وجنتيهم تمنح الأمل و أصوات لعبهم تصدح في شوارع الياسمين ، شوارعٌ ملأى بالحب و العطاء ، بالوفاء .
لكن اليوم و مع انتشار البرامج الكرتونية بشكل مكثف لدرجة السيطرة غير المباشرة على العقول بات الطفل رهينة تلك البرامج و مقيد بها ، يتتبعها لا إرادياً و بشكل ملحوظ ،
و بذلك أضحت العيون البريئة الضاحكة مليئة بالحزن و المفاجأة .
إلا أننا و بالمقارنة بين البرامج الكرتونية القديمة من عصر السندريلا و سنان رمز الوفاء و السيدة ملعقة أسطورة العطاء و تقديم العون و البرامج الحديثة التي اتخذت من الأسلحة و الدمار عنواناً لها .
و بذلك نسأل هل امتدت الأزمة السورية في جذورها لتطال طفولة و ضحكات و بسمات ، لتطال مفاهيم و قيم طالما نشأ عليها الطفل في مجتمعه .
برامج جاءت فحوّلت و قلبت الألوان و الموازيين ، لعبت على وتر الطفولة ، برامج جاءت لتمسح الحب لتضع بدلا منه الكراهية و البغض للآخر .
و بهذا الخصوص و لتوضيح مدى تأثير تلك البرامج و الرسوم المتحركة و ما تفعله بنفس الطفل
أوضحت د. رافات أحمد أخصائية في العلاج النفسي بأن أفلام الكرتون تشكل مادة غنية جداً في برامج التلفزيون و التي بدورها تشكيل القيم لدى الأطفال لذلك قد يسأل البعض ما هي القيم التي يمكن أن تتشكل ؟ ليأتي الرد بأن كافة القيم المراد لها أن تشكل لدى الأطفال يمكن أن تحملها الأفلام الكرتونية و التي يكتسب الطفل من خلالها قيم الجمال و الحق و الخير كما سيكتسب قيم العدائية و العنف و السلوكيات الخاطئة .
كما أضافت بأن الطفل في عمر السنة و نصف عادة ما يبدأ بمتابعة برامج الأطفال يشدّه بذلك التمازج بين اللون و الحركة و الموسيقا بعد ذلك في عمر السنتين والثلاث سنوات يبدأ بإدراك ما يعرض من محتوى وقد يتمثل أبطال الأفلام باللباس أو السلوك أو حتى طريقة نطق الكلام مشيرة إلى أخطر مرحلة في عمر الأربع سنوات حيث يمر الطفل بمرحلة ما يسمى اللعب الخيالي او الإبداع الخيالي فيقوم يتمثل الشخصيات
التي رآها في برامج التلفاز محاولا تقليدها في سلوكها
و تابعت : أهم ما يمكن التحدث به في عصرنا الحالي هو صناعة العنف من خلال الأفلام الكرتونية والبرامج الموجهة للطفل فعندما أعرض للطفل صور الدم و القتل و الجثث بطريقة مضحكة و ملونة و جاذبة بذلك نشرعن له حالة العنف و نقدّمها له بطريقة مرغوبة لتصل بطريقة غير مباشرة رسالةً تربويةً توحي بأن السلوك العنفي مقبول .
إذاً تشكل برامج الاطفال زاوية جد مهمة لا يمكن إغفالها في بناء أجيال اليوم وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار محاولة العدو توجيه أفلام ومحطات لقولبة الوعي والقيم والأخلاق لدى أجيالنا أدركنا أهمية وخطر هذه الأفلام وضرورة التصدي لها ببرامج مدروسة وموجهة تخدم طبيعة مجتمعاتنا وحضارتنا .
و من جانبه الأخصائي في الطب النفسي ماجد اسطنبولي يرى أن اكتمال العقل بحاجة إلى ثلاث سنوات حتى تكتمل مرحلة بنائه و التي تحتاج إلى اهتمام غذائي كبير وعملية استكشاف ، فالطفل عندما يلعب و يمارس هواياته يمارس الاستكشاف للحياة ، و بهذا تتكون طبيعة الإنسان الطبيعي .
لكن عندما يجلس أمام التلقاز
لن يلعب أبداً ، و لن يبدأ مرحلة الاستكشاف ، و هذا مؤشر بداية قصر النمو الطبيعي للإنسان .
كما لفت إلى أبحاث و دراسات تثبت أن الأطفال الذين يجلسون و يشاهدون التلفاز هم أقل ذكاءً من نظرائهم الذين يمارسون حياتهم بشكل طبيعي ، كما أن أمراض البدانة عند الأطفال و زيادة الوزن و مما يسببه من خطر على الصحة العامة للطفل تقلل بالمقابل من نسبة ذكائهم .
و أشار إلى الأفلام الكرتونية القديمة التي اعتمدت أفكار بسيطة و قصص و روايات جميلة بينما البرامج الحالية أصبحت موجّهة لدول و عادات و ثقافات قد لا تكون صحيحة بالنسبة لمجتمعنا مما يؤثر على تعاملهم مع المحيط الأسري و المجتمعي .
فالأفلام الكرتونية الحديثة تدل على العدوانية و التصرفات الهمجية مما تجعله أيضا و خلال ممارسته للرسم يختار رسومات للوحوش و الأسلحة و الدمار .
مشددا على أهمية وجود نظام يراقب
هذه الأفلام و ربما يمنعها عن طريق حملات توعية أهلية لتعريفهم بمخاطر التلفاز ، كذلك وضع برامج تمنع بث البرامج المضرة بالعقل و النفس .
و بدورها رفاه حمزة دبلوم إرشاد نفسي قال أن للتلفاز مضار تتجلى بإبعاد الأطفال عن التواصل الجسدي و اللعب مع الأقران مع مرحلة هم بأمسّ الحاجة للعناية و الانتباه لما يشاهده ، فالبرامج التي تحتوي على مشاهد عنيفة و إيحاءات مضرّة لها تأثيرات على دماغ الأطفال و نفسيتهم حيث أن تلك المشاهد تتخزّن في العقل الباطني لدى الأطفال التي تؤدي إلى مشاعر و سلوكيات قد تكون مضرّة عليهم و هذه نقطة الاختلاف بينها و بين البرامج الكرتونية التي كانت تبث قديما من حيث إيحاءات العنف و الإيحاءات الجنسية .
فالبرامج القديمة بما تحمله من معانٍ و قيم و عِبر تشير إلى أنها ليست كافية لتقييم الطفل ، لذلك أكدت على حملات توعوية عالمية مشددة على دور الأهل في التربية و اختيار البرامج التي تحمل في مضامينها ما هو مناسب ، و الأهم من هذا أيضا يكمن في تخصيص أوقات معينة لمتابعة برامج مفيدة للعقل و لا ننسى ممارسة اللعب للتواصل مع الأقران .
و في ضوء ما تكلمنا نأمل أن يلقى هؤلاء الأطفال كل العناية لأنهم شموع المستقبل ، و كفانا استقبال لفضائيات العالم الآخر التي بدورها تمارس حرباً على الطفولة ، و قتلاً لقيمٍ ، و طمساً لحضاراتٍ ، فليتركوا لنا بعضا من طفولة هؤلاء
تصوير : تغريد محمد