Sunday, January, 22, 2012
الروس حلّوا في القرن العشرين مكان المصريين القدماء
من توت عنخ آمون إلى كيم جونغ - إيل... زعماء محنّطون
ستالين باق في جسده أيضاً
سلطة الدنيا قد لا تكفي البعض، بل يطمعون بالأبدية فيتجهون الى التحنيط، لعل بقاء الجسد يطيل وجودهم كزعماء، وهذه الظاهرة رغم نشأتها مع الفراعنة، الا انها استمرت ودرجت مع القادة الشيوعيين، إبتداء بلينين ووصولاَ الى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ – إيل.
_________________________________________
تتخذ عبادة الفرد أشكالا عدة، منها الحفاظ على جسد الزعيم سليما حتى بعد مماته، على أن هذه العادة، التي بدأت مع الفراعنة وشاعت في القرن العشرين خاصة، ليست حكرا على المجتمعات الشيوعية ولا تقتصر على الساسة وإن كانت الأمثلة الساطعة جميعا تنصب في هذين المحيطين.عندما أعلنت السلطات الكورية الشمالية أن جثمان كيم جونغ - إيل سيحنط ويعرض في قصر كومسوزان التذكاري الى جانب "مومياء" أبيه كيم إيل - سونغ، كانت تضيف بذلك معنى جديدا الى أحد ألقابه الرسمية في حياته وهو "الزعيم الأبدي".
وبهذا ينضم كيم جونغ - إيل الى ناد خاص للنخبة، أعضاؤه بعض أصحاب السلطة منذ قدماء المصريين الذين ابتدعوا هذا الفن باعتبار الفرعون (مثل توت عنخ آمون) إلها لا يموت، على الأقل على طريقة ممات البشر.لكن الملاحظ انه بعد حكام مصر القديمة، لم تتخذ هذه العادة شكلها السياسي إلا خلال القرن العشرين.
وخلافا للاعتقاد السائد فهي ليست حكرا على الزعماء الشيوعيين.فبعد وفاة إبراهام لينكون "المؤسس الثاني" للولايات المتحدة، طاف جثمانه بسبب مقامه الرفيع، على مختلف أنحاء البلاد في قطار خاص، ولهذا السبب قيل إن العمليات المتتالية للحفاظ على جثمانه سليما "أدى الى تحنيطه عددا من المرّات مما جعل منه مومياء".
سر لينين
لينين في ضريحه بموسكو
وهناك بالطبع الروسي فلاديمير لينين الذي رقد جثمانه "مخللا" منذ مماته في 1924 وكان بوسع الزوار من الجمهور إلقاء نظرة عليه يوميا لثلاث ساعات بين العاشرة صباحا والواحدة بعد الظهر.
وتنقل "واشنطن بوست" عن ماري روش، مؤلفة كتاب Stiff "متيبّس" الذي يوصف بأنه "موسوعة الموت الحديث"، قولها: "لا يسعك وانت تنظر الى جثمان لينين الا أن تسأل نفسك، كيف فعلوا هذا؟ وتشرح "ما تجده هو لينين نفسه وكأنه حي، يخامرك شك في أن ما تراه خليط من بقايا بشر وشيء آخر!
ربما كان هذا "الشيء الآخر" هو الإجابة فعلا، لكن الحقيقة هي أنه حتى 1999 لم يكن في علم أحد، غير قلة مختارة، كيف احتُفظ بجثمان أبي الشيوعية الروسية على ذلك النحو.
وفي ذلك العام نشر القائمون على أمر الجثمان كتابا بعنوان "محنّطو ليينين" جاء فيه أن السر يتشعب ويشمل، بين أشياء أخرى، غمسه لفترات مطوّلة في مزيج من المبيِّض المخفف وخلات البوتاسيوم والغليسرول، والاحتفاظ به على درجة حرارة ثابتة هي 16.1 مئوية (61 فهرنهايت).
تينة مجففة
كيم إيل - جونغ على خطى أبيه للأبدية
هذا التخليد نفسه وجده الزعيم الفيتنامي هو شي مين الذي ظل جثمانه المحنّط يرقد للعيان لما يربو على ثلاثة قرون، مثلما هو الحال مع الصيني ماو تسي تونغ.
والثابت أن الفيتناميين سبقوا الصينيين الى تحنيط زعيمهم الأكبر، لكنهم أنفسهم تتلمذوا على أيدي الروس الذين مضوا ايضا لتحنيط جوزيف ستالين بعدة خمسة ايام من مماته في 1953.
ويتوقع الآن أن يلجأ اليهم الكوريون الشماليون مجددا لتحنيط كيم جونغ - إيل كما فعلوا مع أبيه.
على أنك إذا تركت الزعماء السياسيين جانبا، وجدت أن الانكليز أيضا خاضوا في هذا المجال، فهناك المفكر جيريمي بينثام (1748 - 1832) الذي صار أول شخص خارج دائرة السلطة السياسية ينال هذا الشرف، وقد ظل جثمانه جالسا على كرسي في جامعة يونيفيرستي كوليدج لندن على مدى 150 سنة على الأقل قبل أن يُزاح الى خزانة خاصة غير مفتوحة للجمهور في كلية الآثار باجامعة نفسها.
لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن الرأس الجالس على جثمان هذا المفكر مصنوع بأكمله من الشمع، والسبب في هذا هو ان المحنطين في انكلترا، خلال القرن التاسع عشر، كانوا يفتقرون الى مهارات أساسية كانت نتيجتها أن الرأس صار "مثل تينة مجففة" كما قيل، زما زاد الطين بلّة أن اللصوص سرقوه، فصُنع رأس من الشمع ليحل مكانه.
أجدر بمتحف مدام توسو
إيفا بيرون ظلت نضرة
يقول الأميركي فيرني فاونتين، الذي يعتبر اليوم مرجعا في علم التحنيط وفنونه وله مؤسسة مرموقة باسمه متخصصة في هذا الشأن، إن التحنيط الحديث عملية مستمرة دائما وابدا.
ويضيف: "خذ الكوريين الشماليين مثلا، فسيكونون بحاجة الى عدة عوامل من بينها ضمان قدر من الرطوبة يقل قليلا عن 10 في المائة لمنع العث من المساس بجثمان زعيمهم، ولكن حتى في هذه الظروف فسيتعين عليهم العمل عليه مرارا وتجديد الكيماويات اللازمة لبقائه بين الفينة والأخرى".
على أن ثمة علامة فارقة تشكلت بسبب أن الأرجنتينيين في الخمسينات لم يحيطوا تماماً بوسائل التحنيط عندما قرروا تخليد ايفا بيرون التي يدللونها باسم "إيفيتا".
وهذا على الأقل ما يقوله بوب بريير، خبير المومياءات الفرعونية الذي حنّط بنفسه جثة بشرية تعرض الآن في متحف سان دييغو.
ويوضح أن "الأسلوب الذي اتبعه الأرجنينيون مع ايفا هو تفريغ كل الماء والرطوبة من جثتها، واستبدلوا بها الشمع، فكانت النتيجة أن حولوها الى تمثال مصنوع منه، فصار لا فرق بينها وبين تلك التي يراها المرء في متحف مدام توسو".
وقيل الكثير عن أن جثمانها فقد أحد الأذنين، وقال بعض آخر إن الأنف هو الذي سقط من بقية الوجه، لكن ثمة رواية مثبتة وهي أن جنرالات الطغمة العسكرية الذين أطاحوا زوجها واستولوا على داره، ظنوا أن جثمانها تمثال من الشمع فقطعوا أحد أصابعه حتى يتبين لهم الخبر اليقين.