صور البخل
والبخل ـ وان كان ذميماً مقيتاً ـ بيد انه يتفاوت ذمه ، وتتفاقم مساوئه ، باختلاف صوره وابعاده :
فأقبح صوره واشدها اثما ، هو البخل بالفرائض المالية ، التي اوجبها الله تعالى على المسلمين ، تنظيماً لحياتهم الاقتصادية ، وانعاشاً لمعوزيهم . وهكذا تختلف معائب البخل ، باختلاف الاشخاص والحالات : فبخل الاغنياء اقبح من بخل الفقراء ، والشح على العيال او الاقرباء او الاصدقاء او الاضياف ابشع واذم منه على غيرهم ، والتقتير والتضييق في ضرورات الحياة من طعام وملابس ، اسوأ منه في مجالات الترف والبذخ اعاذنا الله من جميع صوره ومثالبه .
علاج البخل
وحيث كان البخل من النزعات الخسيسة ، والخلال الماحقة ، فجدير بالعاقل علاجه ومكافحته ، واليك بعض النصائح العلاجية له :
1 ـ ان يستعرض ما اسلفناه من محاسن الكرم ، ومساوىء البخل ، فذلك يخفف من سورة البخل . وان لم يجد ذلك ، كان على الشحيح ان يخادع نفسه بتشويقها الى السخاء ، رغبة في الثناء والسمعة ، فاذا ما انس بالبذل ، وارتاح اليه ، هذب نفسه بالاخلاص ، وحبب اليها البذل في سبيل الله عز وجل .
أخلاق أهل البيت 58
2 ـ للبخل اسباب ودوافع ، وعلاجه منوط بعلاجها ، وبدرء الاسباب تزول المسببات .
واقوى دوافع الشح خوف الفقر ، وهذا الخوف من نزعات الشيطان ، وايحائه المثبط عن السخاء ، وقد عالج القرآن الكريم ذلك بأسلوبه البديع الحكيم ، فقرر : ان الامساك لا يجدي البخيل نفعاً ، وانما ينعكس عليه افلاساً وحرماناً ، فقال تعالى : «ها انتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ، ومن يبخل فانما يبخل عن نفسه ، والله الغني وانتم الفقراء» (محمد : 38) .
وقرر كذلك ان ما يسديه المرء من عوارف السخاء ، لا تضيع هدراً ، بل تعود مخلوفة على المسدي ، من الرزاق الكريم ، قال عز وجل : «وما انفقتم من شيء فهو يخلفه ، وهو خير الرازقين» (سبأ : 39) .
وهكذا يضاعف القرآن تشويقه الى السخاء ، مؤكداً ان المنفق في سبيل الله هو كالمقرض لله عز وجل ، وانه تعالى بلطفه الواسع يرد عليه القرض اضعافاً مضاعفة : «مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة ، والله يضاعف لمن يشاء ، والله واسع عليم» (البقرة : 261) .
اما الذين استرقهم البخل ، ولم يجدهم الاغراء والتشويق الى السخاء ، يوجه القرآن اليهم تهديداً رهيباً ، يملاً النفس ويهز المشاعر :
«والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم . يوم يحمى عليها في نار جهنم ، فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون» (التوبة : 34 ـ 35) .
ومن دواعي البخل : اهتمام الاباء بمستقبل ابنائهم من بعدهم ، فيضنون بالمال توفيراً لاولادهم ، وليكون ذخيرة لهم ، تقيهم العوز والفاقة .
وهذه غريزة عاطفية راسخة في الانسان ، لا تضره ولا تجحف به ، ما دامت سوية معتدلة ، بعيدة عن الافراط والمغالاة .