بعض الرجال قد تضطرهم ظروفهم المادية إلى الاستدانة أو الاقتراض، ولا يجدون أمامهم باباً لذلك إلا الزوجة أو الشقيقة ميسورة الحال أو الزميلة في العمل أو الصديقة،
فهل يقبلون به أم يجدون فيه انتقاصاً من رجولتهم وامتهاناً لكرامتهم؟ ثم ما ردة فعل السيدات عندما يلجأ لهن رجال طلباً للاقتراض؟ هل يوافقن أم يرفضن؟ وكيف يعلّق المحيطون بهم إذا نما إلى علمهم أمر هذا الاقتراض؟ هذا ما نناقشه في التحقيق التالي.
موظف: زميلات العمل شكونني للمدير بعدما اقترضت منهن
موظفة: الظروف المادية والاقتصادية جعلت الأمر عادياً
مطلقة: رفضت إقراض زوجي فطلقني بعد زواج سنوات
زوجة: زوجي يأخذ أموالي ولا يعوضني بشيء
خبير اجتماعي: المجتمع الذكوري يستهجن الفكرة
إخصائي نفسي: المرأة تشعر بضعف الرجل إذا طلب منها المال
رفضت فطلقها
من دبي تستهل منى نبيل الكلام بالحديث عن مأساتها قائلة: «طلقني زوجي عندما طلب مني الاستدانة وأخبرته أني لا أرغب في إقراضه،
فربما يستغني عني في أي وقت، الأمر الذي أزعجه ووقع الخبر عليه كالصاعقة، ليرمي عليّ يمين الطلاق منهياً فترة زواج امتدت عدة سنوات».
لهف نقودها
أما أم سارة فتحكي أنها تعرضت كثيراً لاستدانة زوجها منها وفي كل مرة لا يرد ما استدانه بحجة عدم وجود أموال لديه وبعد أن انتهت الأموال التي ادخرتها طلّقها.
الاستدانة ممنوعة
وتؤكد الإماراتية سعاد الخاجة أنها سترفض في كل الأحوال استدانة الرجل سواء الزوج أو الأخ أو الزميل في العمل،
لأنه غير مقبول أن يستدين الرجل من المرأة، وترى أن الزوجة يمكنها أن تساعد الرجل إذا أرادت أما أن تقرضه فلا يصلح، وإذا كان فعلاً محتاجاً للمال فيمكنه الاقتراض من رجل مثله.
لحظات ضعف
وتتفق ندى كردي «موظفة من لبنان ـ 45 عاماً» مع الخاجة في الرأي، حيث ترى أن اقتراض الرجل من زوجته أو من أي امرأة حتى لو كان في ضائقة مالية،
وقالت: «المرأة بطبيعتها تحب الرجل القوي ولا تحب أن ترى الرجل في لحظات ضعف، كما إنه من المعروف أن الرجل هو السيد في تصرّفه مع المرأة وهي من يجب أن تعتمد عليه، لذا أنا أرفض مبدأ الاقتراض كلياً».
تهرّب ففضحته
وتقول القاهرية إيمان توفيق: «ذات مرة طلب مني زميل قرضاً لفترة وجيزة وفوجئت بعد مرور الوقت الذي حدده عدم دفع المبلغ أو حتى الاعتذار عن التأخير أو طلب فترة سماح أخرى،
ما دفعني لمحاولة طلب المبلغ، فوجدته يتهرب منّي حتى لا أطالبه، وهو ما اضطرني لفضحه في مكان العمل وبعدها قررت ألا أسلف زملائي في العمل أبداً حتى لا تتأثر علاقتي بهم».
مللت الحياة معه
بدأت قصة الاستدانة مع ندى دبوق «28 عاماً من لبنان» عندما تعرّفت إلى زوجها الذي كان يعاني ضائقة مادية خلال فترة الحب، فأخبرتنا: «كنّا في أول علاقتنا،
فلم أكن أشعر بأنه من الخطأ أن أعطي حبيبي المال إذا لم يتوافر معه، بعد ذلك خطبنا وشعرت بأنه لا يقدّم ليّ المصروف ولا يعرض عليّ أي شيء، ولكنه لم يكن يطلب مني المال،
وبعد فترة، وعندما تزوجنا بدأت المشكلات المادية فبدأ يخبرني كلّما كان في حاجة إلى المال، إمّا لإصلاح سيارته وإما لتغطية دين، وكنت أوافق لأنه زوجي وعليّ أن أقف إلى جانبه،
لكنّه عندما كان يستدين منّي لا يرد المال، فيأخذه وينسى، حتى بلغت درجة النفور من الموضوع، خاصة أنني عندما سأترك عملي لن أجده معيلاً لي،
لذا بعد فترة لم أعد أقبل بإعطائه المال، لأني تعبت من هذا الأمر فزوجي يأخذ أموالي ولا يعوّضني بشيء وربما يتركني للعوز والفقر ولا أعرف ماذا يفعل بأمواله، وأنا الآن أفكّر بالطلاق لأنني مللت الحياة معه».
تقدمن بشكوى
يقول أحمد خالد موظف من القاهرة: «استدنت من زميلاتي في العمل، وكانت استجابتهن فورية،
وبعد هذا الموقف النبيل فوجئت بهن يتقدمن بشكوى شفهية للمدير في العمل بسبب طلبي أموالاً منهن على سبيل السلف، فتعجبت لموقفهن فكان بإمكانهن أن يرفضن بدلاً من أن يشكوني بعد ذلك للمدير وتصبح سيرتي على كل لسان».
أصبحت عادة
لم يكن اللبناني هشام عيد «موظف ـ 35 عاماً»، يتقبل فكرة الاستدانة من المرأة حتى لو كان في أسوأ ظروف حياته، لكن الظروف المادية القاهرة التي مر بها ومرض والده اضطراه للاستدانة،
يقول عيد: «اضطررت إلى السداد في وقت معيّن وإذا تجاوزت الوقت المحدد فإنني كنت سأسجن لا محالة، في هذه الفترة تعرّفت إلى امرأة أحبّتني كثيراً وكانت مستعدّة لتقديم أي شيء كي لا أتركها، فبدأت بإخبارها قصصي وديوني حتى فوجئت بها تعرض عليّ المال، رفضت في البدء،
لكنني تعوّدت على الفكرة وأصبحت هي الملجأ الوحيد، كلّما شعرت بأني في ضائقة مادية، علماً بأنها لم تكن ميسورة مادياً وكانت في كثير من الأحيان تستدين من أصدقائها كي تعطيني المال،
فوجئت بكمية التضحية التي تملكها هذه المرأة، لكن بعد فترة ملّت مني وتركتني، لكنّها لم تقل لي شيئاً، وعندما أخبرتها بأنني أريد إعادة المال إليها، رفضت وقالت إنها أعطتني بسبب الحب، حتى عندما حاولت أن أعود إليها، رفضت لأني كذبت عليها».
فكرة مرفوضة
بينما يرفض الجامعي اللبناني سيرج عصفور «26 عاماً ـ موظف» فكرة اقتراض الرجل من المرأة، وذلك لأنه كما يقول: «لا أزال أؤمن بأن الرجل رجل والمرأة امرأة،
وهي عادة بحاجة إلى مساعدة لأنها كائن أضعف من الرجل، فهي بحاجة إلى الرعاية والعناية والاهتمام، فحتى لو كانت تعمل، على الرجل تدليلها وتقديم المساعدة لها لا أن يطلب المال منها ويعذبها بعدم رده».
غير مقبول
ويؤيده في الرأي الإماراتي محمد محسن، حيث يرى أنه غير مقبول أن يقترض الرجل من المرأة، ولكن يمكنه الاقتراض من أصدقائه أما اقتراضه من زوجته فيمكن تقبله في بعض الأحيان ولكن بشرط أن يعيد إليها مالها.
لا داعي للخجل
على الجانب الآخر لا يرى البعض عيباً في اقتراض الرجل من المرأة حيث يقول حسن مصطفى محاسب من القاهرة: «تعرضت لظروف قاسية للغاية اضطررت معها للاستدانة من بعض الزميلات في العمل وتكرر هذا الأمر أكثر من مرة،
في بداية الأمر كنت أشعر بخجل شديد تحول بعد ذلك لعادة مألوفة»، مضيفاً: «زميلاتي رفعن الخجل عني ووجدتهن في ظروف أخرى يستدنّ مني».
صندوق الطوارئ
ومن القاهرة تقول سحر عبدالحميد «موظفة» أحد الزملاء طلب مني مبلغاً على سبيل السلف فأعطيته ما طلب، وتلطفت في معاملته وكنت أتعمد عدم مقابلته في العمل حتى لا يشعر بالخجل»،
مضيفة: «هناك سيدات رفضن «الدين» من حيث المبدأ؛ فالظروف الاقتصادية لأي إنسان تتعرض للاهتزاز ولا الغني يستمر في غناه ولا الفقير يستمر فقيراً، وإن لم يتغير الحال، فإنه على أحسن تقدير لا يستمر،
وبالتالي لا بد من التعامل مع أزمات الناس بطريقة تفاعلية ولفتت، إلى أهمية أن يكون هناك صندوق بين الزملاء خاص بالطوارئ، يكون هدفه التدخل في المناسبات سواء كانت مؤسفة أو ظروف جيدة، يكون من أهم إيجابياته إنقاذ الناس من عثراتهم وينتشلهم من فكرة الطلب من الغير، فيرفع عنهم الحرج».
أمر طبيعي
تضيف غزالة أبو علي من لبنان «45 عاماً ـ موظفة»: «الاقتراض أمر طبيعي خصوصاً في أيامنا هذه، حيث نعاني ظروفاً اقتصادية ومادية صعبة ومزعجة، لذا فإن الجميع يقترض من أقاربه وأصدقائه»،
مضيفة: «الاقتراض من المرأة عادي خصوصاً أنها أصبحت عنصراً فاعلاً في الحياة تعمل وتنتج، لذا لا غضاضة في أن يلجأ الزوج إلى الاقتراض من زوجته أو حتى من شقيقته إذا كانت ميسورة مادياً،
ولا أرى في الموضوع إهانة لرجولة الرجل، خاصة إذا كان في حاجة ماسة إلى المال وكانت المرأة ميسورة، لكن من المسيء للرجل أن يكرر الأمر، من الطبيعي أن يقترض من المرأة مرة واحدة أو مرتين على الأكثر».
ظروف متباينة
وتتفق معها سلمي الهاشمي من دبي حيث تقول: «استدانة الرجل من المرأة أمر عادي لأننا في ظروف اقتصادية متباينة ولم تعد نظرة المرأة للرجل كما كانت من قبل، حيث إن الحياة أصبحت مشاركة بينهما وتؤكد أنها لا تمانع إذا طلب زوجها الاقتراض منها أو أي رجل قريب لها أو زميلها في العمل».
لا مانع
من جانبه، لا يمانع أيوب يوسف من الإمارات أن يقترض الرجل المال من زوجته لأن هذا المال سيصب في النهاية في المنزل أو في شيء يفيد الأسرة.
معاملة سيئة
فاطمة عبدالرزاق (موظفة) تقول: زوجي أصبح يسيء معاملتي بعد أن علم أني أملك المال ورفضت أن أقرضه، فهو من الرجال الذين يأخذون أموال النساء التي هي حق من حقوقهن،
يأخذونها بالقوة وبلا خوف من الله ولا حياء من البشر، ولا مراعاة لحقوق المرأة والزوجة، ويعتقد أني حتى لا أملك الحق في الاحتجاج.
وطبعاً ليس كل الرجال سيئون مع زوجاتهم، ولم أقل بأن كل النساء مظلومات من طرف أزواجهن، ولكنني أؤكد على أن ظاهرة أخذ الرجال أموال زوجاتهم منتشر في بعض المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية خاصة إذا كانت الزوجة تعمل، وهي ظاهرة لا تسيء فقط لأصحابها بل تسيء حتى للإسلام والمسلمين .
قربة إلى الله
فيما رأت مريم الزين «ربة منزل» ميسورة الحال أن القرض قربة يتقرب بها العبد إلى الله لما فيه من الرفق بالناس والرحمة بهم، وتيسير أمورهم، وتفريج كربهم،
فقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «من نفس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسر عن معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».
حساسية الرجل
ومن جهة أخرى تقول سلوى محمد من الرياض ليس لدي مانع من اقراض أخوتي وأقربائي فقط أما الرجال الغرباء عني سواء في العمل أو تربطني بهم أي روابط اجتماعية لم يسبق لي أن طلب مني أحد شيء، ولو طلبو سأرفض منعاً للإحراج والحساسية خاصة إنني لن استرد المبلغ.
أما السيدة منيرة العتيبي من الرياض فتقول: المرأة تنفق من عسر في حين أن الرجل ينفق من يسر وهذه طبيعة غرسها الله في شخصية الرجل والمرأة معاً وفي أي حال فإن طلب الرجل مني أنا شخصياً أن أقرضه بعض المال سوف أقرضه ولكن ذلك سيقلل من رجولته في نظري.
نساء يصرخن
ومن جهة أخرى هناك نساء يصرخن أنقذونا من أزواجنا الاستغلاليين فقد استحوذوا على أموالنا بحجة القرض، تحدثن بحزن شديد فبمجرد علمهم بنزول المكافأة أو أي مصدر آخر للمال،
تبدأ الطرق الملتوية والأعذار في طلب القرض، فمرة يطلبون بحجة مساعدتهم بالمصاريف اليومية، ومرة ثانية يستغلونها بعذر قضاء الديون المترتبة على كهولهم، ومرة أخرى يستحلونها من باب التعاون، وفئة أخرى تأخذها للتمتع بها، والبعض الآخر تستحوذ عليها بالإجبار ودون موافقتنا.
ليس كلهم يقبلون
يخبرنا إخصائي علم النفس اللبناني الدكتور أحمد يوسف، أنه «ليس كل الرجال يقبلون باقتراض المال من النساء لأن ذلك يهين رجولتهم، ولكن في الوقت نفسه لا تقبل كل النساء الفكرة،
حتى لو كان من يريد المال شقيق أو زوج أو حبيب، وقد تتقبّل المرأة أن يطلب منها صديقها المال أكثر من زوجها أو حبيبها أو شقيقها، لأن هؤلاء بالنسبة لها هم من يجب أن يحموها ويهتموا بها لا أن يطلبوا منها، فهم مسؤولون عنها، والمعيلون لها،
لذا تشعر بضعف هؤلاء إن اقترضوا منها المال أما الصديق فتجد له الأعذار»،
مضيفاً: «كما إن الرجل يسهل عليه أن يطلب المال من صديقته، لأنه بطبيعة الحال يستطيع أن يخبرها ما لا يمكنه أن يخبر به شقيقته أو زوجته أو حبيبته، ومع كل ما تقدم أرى أن فكرة الاستدانة من المرأة ليست أمراً خاطئاً،
ولا تعني انتقاصاً للرجولة، لكن المشكلة تكمن في مجتمعنا الذي لا يقبلها، وهذا أمر طبيعي، إذ تسود فكرة الرجل الشرقي الذي يجب أن يكون هو المسيطر لا المرأة، وللأسف من يملك المال اليوم هو المسيطر،
لكن من الأمور النفسية الطبيعية الناتجة، هي عندما يطلب الرجل المال من المرأة خاصة إذا كان حبيبها أو زوجها، فإنها تلقائياً تشعر بضعفه وعجزه، وقد تصل في بعض الأحيان إلى النفور من الزوج وتغيّر العلاقة بينهما».
استهجان الفكرة
يرى الخبير الاجتماعي الإماراتي محمد الشحي أن «المجتمع العربي الذكوري ما زال يستهجن فكرة اقتراض الرجل من المرأة حتى لو كانت زوجته، وهذا الموروث الاجتماعي مسيطر أيضاً على المرأة التي تتعامل بتوجس وخيفة أو قلق إذا ما لجأ إليها الرجل للاقتراض،
فربما لا يرد لها المال وربما يفسر البعض إقراضها رجلاً بعينه بشكل خاطئ، خاصة إذا كان زميلاً أو جاراً، ولكن من الطبيعي أن يضطر بعض الرجال إلى الاقتراض للإنفاق على أسرته أو لتعليم أبنائه،
وفي الوقت ذاته يلتزمون بالسداد، ولا يجدون غير أقرب الناس لهم كالزوجة أو الشقيقة إذا كانت ميسورة الحال»، ولفت الشحي إلى بعض الآثار السلبية التي تترتب على اقتراض الرجل من المرأة فربما تهجره الزوجة أو تقاطعه الشقيقة أو تفضحه الزميلة إذا لم يلتزم بالسداد.
دعوة لفك عثرات النّاس
يقول الشيخ خالد الجندي: «الله عز وجل وضع قواعد لقضية الاستدانة لو اتّبعها النّاس لارتاحوا، وما حدثت مشكلات فيما بينهم بعد ذلك، من هذه القواعد المنظمة كتابة الدَّين كما ورد في القرآن الكريم، «يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه»،
فكتابة الدين تمنع الاختلاف وتمنع الفرقة ولا تجعل أي شخص يتهرب من مسؤولياته مهما كانت»،
مضيفاً: «من الطبيعي أن يتعرض الإنسان لضائقة مالية وبالتالي يحتاج للاستدانة مصداقاً لقوله تعالى، «وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة»، فلا ضير من طلب المال من رجل أو امرأة، على سبيل الاستدانة طالما أنه يحتاجه، والخطورة أن يطلب المال في غير طلبه،
فيستدين مثلاً لأمر تافه في الحياة يمكن أن يستغني عنه، فالله سبحانه وتعالى رغب في فك عثرات الناس إذا احتاجوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثواب الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر»،
فهو يدفع النّاس أن يكونوا سبباً في حل المشكلات الاقتصادية لهم بحيث ينعم المجتمع بأكمله بالراحة وبالتالي تختفي الضغينة من قلوب الفقراء تجاه الأغنياء ويكون المناخ السائد بينهم مشجعاً على التعايش والترابط والمحبة».
تقرير روتانا