بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
اذا تأملت الايات في الافاق ونظرت الى افعال هذه الروحانيات , وتفكر في خلق السموات والارض وما بينهم , ونظرت الى هذا الهيكل المبني بالحكمه , وتأملت هذه الكتب المملؤه من العلوم ,
ونظرت الى هذا الصراط الممدود بين الجنه والنار , رجوت لك ان توفق للجواز عليه . لعلك تنتبه من نوم الغفله وتنجو من ظلمات الاثام والذنوب وتنفك من أسر الطبيعه . وترقى الى المحل الفاخر والمكان الطاهر , بحيث لا يلحقك الفساد , ولا تحن الى محل الاجساد .
ان الانسان ما دام في الدنيا فلابد له من أعمال يعملها وأفعال يفعلها , وجميع ما يبديه من اعمال ويصنعه من افعال فانما يظهر من قوى النفس الشريف وروحه اللطيفه , فيصنع صنائع عجيبه , ويفعل أفعالآ وينظم الفاظآ منطقيه وخطبآ لغويه . وهذه افعال روحانيه تظهر بادوات جسمانيه , والمبديه لها قوه نفسانيه منبعثه عن النفس . ما كان منها موضوعآ في موضعه قائمآ في حقه فهو مشابه لافعال الملائكه , وما كان بالعكس من ذلك مثل فعل الخطايا والشرور , وقول الزور , والغضب , والتعدي والظلم , والزنا وما شابه ذلك , فمشابه لفعل ابليس والشياطين .
ان الله سبحانه وتعالى جعل الموجودات كلها مشاكله بعضها لبعض , وجعل قصد العالم كل كقصد الفلك الذي يحويه والدائره التي تؤيه , كما قال تعالى : { وكل في فلك يسبحون } .
ان الباري سبحانه جعل شكل الفلك كرويآ و لان هذا الشكل افضل الاشكال الجسميه من المثلثات والمربعات والمخروطات . ان الشكل الدائري فهو اعظم الاشكال مساحه واسرعها حركه , ويمكنه ان يتحرك مستديرآ ومستقيمآ , وهذا لا يوجد في بقية الاشكال . لذا اقتضت الحكمه الالهيه والعنايه الربانيه ان جعل شكل العالم مستديرآ كرويآ . والافلاك والكواكب كذلك , وكل فلك يظهر فيه من افعاله واحاطته فيما دونه بحسب سعة دائرته وضيق ما دونه , ولا تظهر افعاله واحاطته بما فوقه , فعند ذلك تظهر فيه افعال المرتب فوقه , وهذا الفعل سر على حكمة المبدع سبحانه ومعرفته , اذ هو محيط بما خلق , فاعل فيما اخترع , لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه .
اعلم ان الشكل المستدير يظهر فيما دونه أكثر وأظهر من الذي فوقه , كما ان فعل المياه الحلوه اذا انصبت الى البحار المالحه فانها لا تؤثر فيها لقلتها وكثرة ماء البحر واتساعه . وكذلك ضوء الشمعه اذا وردت الى بيت فيه سراج فانه لا يتميز الضوء السراجي من الضوء الشمعي لغلبته عليه ,
وعلى هذا القياس يكون فعل الشيء ابين واقوى فيما دونه وما هو مرتب تحته , لذلك صارت النفس غير فاعله في العقل , وصار العقل يفعل في النفس بالقوه والفعل جميعآ , لانه يعطيها صورة التمام والكمال , ففعله اياها بالقوه كونها هيولانيه موجوده في اول وجوده , وابدائه بالفعل الى حيث تكون ذات الموجودات , فلذل صارت افعاله ظاهره فيها ودائرته محيطه بدائرتها ,
فالعقل اذن من فعل الله فهو المحيط به وبما دونه , الباهر بنوره انوار مخلوقاته كلها , فهي منحصره عن ادراكه انحصار الوقوف عن الاحاطه به بحيث اوقفها , لا نفاذ له من امره ولا خروج عن حكمته , كما قال سحانه وتالى : { وهو القاهر فوق عباده } , وهو المرتب لها مراتبها , ومعطيها صور البقاء والكمال والتمام , سبحانه لا اله الا هو رب العرش العظيم .ووسع كرسيه السموات والارض .
والحمد لله رب العالمين