Friday, January, 20, 2012
دور ضعيف لمنظمات المجتمع المدني أمام التقاليد والقيم المحافظة
زواج القاصرات في العراق... شاهد على اضطراب البنية الاجتماعية
تشجّع البحبوحة المعيشية المحدودة، التي يعيشها المجتمع العراقي، على انتشار ظاهرة زواج القاصرات والفتيات الصغيرات في السنّ من رجال يكبرونهن في العمر بشكل كبير. ورغم أن الظاهرة - بحسب الناشطة النسوية أمينة حسين - ممتدة الجذور داخل المجتمع، إلا أن الملفت هو نزوع الفتيات بأنفسهن إلى الزواج من أولئك الرجال، والسبب الرئيس هو أن الرجل غني، ويستطيع أن يوفر لها ما لا يستطيع أن يوفره الشاب المقارب لها في الثقافة والمسؤولية والعمر.
لم يكن الأمر صعبًا بالنسبة إلى إيمان حسين (21 عامًا) في أن تترك مقعد الدراسة، وتتزوج برجل يكبرها بـ25 سنة، بعدما وعدها ببيت مستقل، يسجله في دائرة العقار باسمها. وترى إيمان أن الدافع المادي حق مشروع، طالما أن الرجل يودها، ويحرص على إرضائها.لم ترتبط ايمان بعلاقة عاطفية مع شاب من قبل. وتضيف: زوجي هو الرجل الأول في حياتي، وسأخلص له، لاسيما وأنه يمتلك روح الشباب، والنشاط والجدية/ التي جعلته يتفوق على أقرانه، حيث استطاع بفعل ذلك أن يجمع ثروة هائلة.إيمان واحدة بين فتيات عراقيات، تجبرهن الظروف على الزواج المبكر، بسبب ضائقة العيش، ورغبة أسرهن في تأمين مستقبل لهن بالزواج برجل غني يكبرهن في السن.
الزيجات المثيرة للجدل
تميز الباحثة الاجتماعية سليمة محسن بين نوعين من الزيجات المثيرة للجدل، أولهما الزواج المبكر، والثاني زواج المرأة برجل يكبرها في العمر كثيرًا، حيث ترى ان فترات العنف الدامية أخضعت النظم الاجتماعية المتعارف عليها في الزواج لقوانين استثنائية، مع ازدياد أعداد الأرامل والفتيات اليتيمات.وفي مناطق سيطرت عليها الجماعات المسلحة والأفكار المحافظة، أصبح الزواج المبكر أمرًا مقبولاً لدى كثيرين. ففي مناطق، مثل ديالى والموصل (شمال العراق)، ثمة نساء أرامل تزوجن مبكرًا من مسلحين، في وقت كان فيه القول الفصل لتلك الجماعات.
التشريع العراقي
قادت الأحداث المضطربة، التي مر بها العراق طيلة السنوات المنصرمة، الى انحسار دور التشريع العراقي، الذي أولى اهتماماً بقضية زواج القاصرات، وصار الكثير من عقود الزواج تبرم خارج المحاكم، وفي الكثير من الحالات بعيداً عن أعين القانون.وفي مناطق الريف العراقي فإن الزواج المبكر وزواج الصغيرات من الطاعنين في السنّ ما زالت ظاهرة تحدث.
وفي مجتمع مثل المجتمع العراقي فإن دور منظمات المجتمع المدني في التدخل في مثل هذه الحالات غير مرحّب به، بحسب تماضر محمد، التي عملت لمدة ثلاث سنوات في احدى منظمات المجتمع المدني في بابل (100 كم جنوب بغداد).تقول تماضر ان الكثير من الظواهر كانت معروفة بالنسبة إلينا، لكننا كنا نعجز عن التدخل لأسباب عشائرية وشخصية. وتروي تماضر ان ظاهرة الزيجات المبكرة غالبًا ما تضرّ بصحة الفتاة وتحرمها من التعليم، اضافة الى احتمال فشل الزواج، وتحول الفتاة الى ارملة في مرحلة مبكرة من عمرها يكون كبيرًا جدا.
ستون بالمائة من النساء أميات
بحسب تخمينات منظمات المجتمع المدني، فان نحو ستين بالمائة من نساء الريف يجهلن القراءة والكتابة، بسبب زواجهن المبكر، وعدم تقبل ذويهن لفكرة استمرارهن في التعليم.وعايشت تماضر قصة فتاة أرملة لا يتجاوز عمرها السادسة عشرة، سنة بعدما توفي زوجها وهو في سن الخمسين. وبحسب تماضر، فإن الأحداث السياسية وأعمال العنف صرفت الاهتمام عن ظاهرة الزيجات غير المتكافئة، وولدت بيئة استفحلت فيها الزيجات الفاشلة.
قانون الأحوال الشخصية
تتابع تماضر: بسبب الظروف الاستثنائية، لم تفعّل القوانين ذات الصلة بهذه الظاهرة، حيث تنص المادة (9) من قانون الأحوال الشخصية (88) لسنة 1959 على "معاقبة من يُكره شخصًا، ذكرًا كان أم أنثى على الزواج من دون رضاه، أو منعه من الزواج بالحبس لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات، أو بالغرامة، إذا كان المكره أو المعارض أقارب من الدرجة الأولى".
لا يقتصر الأمر على الريف والبيئة المحافظة، حيث يزدهر الزواج المبكر وغير المتكافئ، بل ان الكثير من المغتربين العراقيين استغلوا الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة للعائلة العراقية، فقدموا الإغراءات للفتيات الصغيرات للزواج بهن، من دون علم زوجاتهم في المهجر.
ويقول سعدون حسين (65 سنة) ان السبب الذي دفعه لقبول زواج ابنته (25) عامًا من رجل في الخامسة والخمسين من العمر هو الفقر، حيث تعهد الرجل بتخفيف العبء عنهم.
لكن الرجل لم يقدم أي مساعدة للعائلة بعد الزواج، حيث أدت المشاكل في ما بعد الى طلاق ابنته، التي هي أرملة اليوم. وبحسب احصاءات لمجلس القضاء الأعلى العراقي عام 2011 فإن هناك ارتفاعًا في نسبة حالات الزواج مقابل ارتفاع نسبة حالات الطلاق خلال الاعوام 1995 - 2003.
الأعراف والتقاليد
يشير الباحث الاجتماعي قيصر حسن الى ان العراق لن يكون مجتمعًا مدنيًا بالمعنى الحقيقي للكلمة طالما سادت الأعراف والتقاليد العشائرية والقيم المحافظة، واضطراب امني يحول دون الاهتمام بالمشاكل الاجتماعية.
ويتابع: العراق في اشد الحاجة الى منظمات مجتمع مدني حقيقية، لكن المنظمات المتواجدة اليوم للاسف غير فعالة، بسبب نقص الدعم، اضافة الى انها غير مستقلة، وتفرض عليها اجندة، تحول دون تدخلها في الكثير من القضايا. ويشير الى انه حاول – حين كان يعمل في احدى منظمات المجتمع المدني – تنبيه عائلة إلى خطورة تزويج ابنتهم الصغيرة، لكن احد الأطراف (المحافظة) اتهمه بمحاولة افساد المجتمع والخروج على تعليم الدين.
وتقول اميمة سالم (مديرة مدرسة) ان من حق الفتاة في ان تتزوج في السن المناسبة للزواج، منتقدة الزواج المبكر لطالبات في المدرسة. وتتابع اميمة: غالبيتهن يتزوجن رجال بفارق عمري كبير، حيث يشكل إرغامهن على الزواج صدمة كبيرة في حياتهم، ويجبرهن على ترك التعليم.
وبحسب اميمة، فان الحمل في سن صغيرة يمثل الاضطراب الكبير في تنظيم البنية الاجتماعية للمجتمع.
وتتابع بألم: لم يكن يحدث هذه حتى في ستينيات القرن الماضي، انها انتكاسة كبيرة.
وينتقد رجل الدين حسن الناصري من النجف ( 160 كم جنوب بغداد) ما يرجعه البعض الى دور الدين في ظاهرة الزواج المبكر وغير المتكافئ، ويقول ان الإسلام يشجّع على الزواج المبكر، لكن وفق شروط وضوابط، منها منح المرأة الحرية الكاملة في حياتها، مثل الرغبة في الدراسة، ومنع العنف ضدها، كما ان الإسلام يمنع الزواج القسري، وزواج الصبايا الصغيرات غير المتكافئ في السن والمستوى الثقافي والاجتماعي.