مقتطفات من كتاب التاج في اخلاق الملوك \ للجاحظ
من العدل أن يعطي الملك كل أحد قسطه وكل طبقةٍ حقها، وأن تكون شريعة
العدل في أخلاقه كشريعة ما يقتدي به من أداء الفرائض والنوافل التي تجب
عليه رعايتها والمثابرة على التمسك بها، وإيناس الناس في بسط أيديهم في
الطعام، حتى يسوي في ذلك بين الملوك والنمط الأوسط والعامة.
----------
من
قوانين الملك أن توضع بين يدي كل رجلٍ صحفة، فيها كالذي بين يدي الملك من
طعام غليظٍ أو دقيقٍ أو حارٍ أو قار، ولا يخص الملك نفسه بطعام دون أصحابه،
لأن في ذلك ضعةً على الملك، ودليلاً على الاستئثار
---------
ما
شيء أضر على نفس ملكٍ من معاشرة سخيفٍ، أو مخاطبة وضيعٍ؛ لأنه كما أن
النفس تصلح على مخاطبة الشريف الأديب الحسيب، كذلك تفسد بمعاشرة الدنيء
الخسيس حتى يقدح ذلك فيها،ويزيلها عن فضيلتها؛ وكما أن الربح إذا مرت
بطيبٍ، حملت طيباً تحيا به النفس، وتقوى به جوارحها، كذلك إذا مرت بالنتن،
فحملته، ألمت له النفس، وأضر بأعلاقها أضراراً تاماً.
---------
ما
شيء أسرع في انتقال الدول، وخراب المملكة من انتقال هذه الطبقات عن
مراتبها، حتى يرفع الوضيع إلى مرتبة الشريف، ويحط الشريف إلى مرتبة الوضيع
---------
من
صنع مثل ما صنع إليه، فقد كافأ، ومن أضعف، كان مشكوراً، ومن شكر،كان
كريماً، ومن علم أن ما صنع، فإلى نفسه صنع، لم يستبطيء الناس في شكرهم، ولا
تلتمس في غيرك شكر ما أتيته إلى نفسك ووقيت به عرضك. وأعلم أن الطالب إليك
الحاجة، لم يكرم وجهه عن مسألتك، فأكرم وجهك عن رده
--------
من
الحق على الملك أن لا يجاوز بأهل الجرائم عقوبة جرائمهم. فإن لكل ذنبٍ
عقوبةً. إما في الشريعة والنواميس، وإما في الإجماع والاصطلاح. فمن ترك
العقوبة في موضعها، فبالحرى أن يعاقب من لا ذنب له. وليس بين ترك العقوبة،
إذا وجبت، وعقوبة من لا ذنب له، فرق. وإنما وضع الله الملوك هذه المواضع
الرفيعة، ليقوموا كل ميل، ويدعموا كل إقامة
---------
من أخلاق
الملك أن لا يمن بإحسان سبق منه، ما استقامت له طاعة من أنعم عليه، ودامت
له ولايته، إلا أن يخرج من طاعةٍ إلى معصيةٍ، فإذا فعل ذلك، فمن أخلاقه أن
يمن عليه أولاً بإحسانه، ويذكره بلاءه عنده، وقلة شكره ووفائه، ثم يكون من
وراء ذلك عقوبته بقدر ما يستحق ذلك الذنب في غلظه ولينه
----------
من
أخلاق الملك السعيد أن لا يعاقب، وهو غضبان، لأن هذه حال لا يسلم معها من
التعدي والتجاوز لحد العقوبة. فإذا سكن غضبه، ورجع إلى طبعه، أمر بعقوبته
على الحد الذي سنته الشريعة، ونقلته الملة فإن لم يكن في الشريعة ذكر عقوبة
ذنبه، فمن العدل أن يجعل عقوبة ذلك الذنب واسطة بين غليظ الذنوب ولينها،
وأن يجعل الحكم عليه فيه، ونفسه طيبة، وذكر القصاص منه على بال.
--------
إن حرمة مجلس الملك، إذا غاب، كحرمته إذا حضر.
-------
إن القلب اعدل على القلب شهادةً من اللسان، وقل شيء يكون في القلب إلا ظهر في العينين، إذ كانت الأعضاء مشتركةً يتعلق بعضها ببعض.
--------
لاينبغي لمن يخاف الله أن يخاف أحداً سواه
---------
ومن
أخلاق الملك إكرام أهل الوفاء وبرهم والاستنامة إليهم والثقة بهم والتقدمة
لهم على الخاص والعام، والحاضر والبادي. وذلك انه لا يوجد في الإنسان
فضيلة أكبر ولا أعظم قدراً، ولا أنبل فعلاً من الوفاء. وليس الوفاء شكر
اللسان فقط، لأن شكر اللسان ليس على أحدٍ منه مؤونة
--------
من غدر بملكه، كان بغيره أغدر!
-------
من أدمن شيئاً من ملاذ الدنيا، لم يجد له من اللذة وجود القرم النهم المشتاق.
-------
من
أخلاق الملك السعيد البحث عن سرائر خاصته وحامته، وإذكاء العيون عليهم
خاصةً، وعلى الرعية عامة.وإنما سمي الملك راعياً، ليفحص عن دقائق أمور
الرعية . ومتى غفل الملك عن فحص أسرار رعيته،والبحث عن أخبارها، فليس له من
اسم الراعي إلا رسمه، ومن الملك إلا ذكره.فأما الملك السعيد، فمن أخلاقه
البحث عن كل خفي ودفين حتى يعرفه معرفة نفسه عند نفسه، وأن لا يكون شيء أهم
ولا أكبر في سياسته ونظام ملكه من الفحص عما قدمنا ذكره.
--------
ومن
أخلاق الملك، إذا دهمه أمر جليل من فتق ثغر، أو قتل صاحب جيشٍ، أو ظهور
عدو يدعو إلى خلاف الملة، أو قوة مناويءٍ، أن يترك الساعات التي فيها لهوه،
ويجعلها وسائر الساعات في تدبير مكايدة عدوه، وتجهيز جنوده وجيوشه، وأن
يصرف في ذلك شغله وفكره وفراغه على مثل ما فعل من مضى من ملوك الأعاجم
وغيرها، للتسويف والتمني وحسن الظن بالأيام نصيباً.فإن هذا عجز من الملك،
ووهن يدخل على الملك.
--------
إن حق شكر النعمة أن يرى أثرها
--------
ينبغي
للملك السعيد أن يجعل المحاربة آخر حيله، فإن النفقة في كل شيء إنما هي من
الأموال، والنفقة في الحروب إنما هي من الأنفس. فإن كان للحيل محمود
عاقبةٍ، فذلك بسعادة الملك، إذا ربح ماله، وحقن دماء جيوشه. وإن أعيت الحيل
والمكايد، كانت المحاربة من وراء ذلك. فاسعد الملوك من غلب عدوه بالحيلة
والمكر والخديعة
---------