يبدو جليًا لكل من يتتبع أمر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" أنه تنظيم ممول بشكل جيد للغاية ، ويتضح هذا من عمليات التفجير واسعة النطاق في العراق وما حققته بمنتهي السهولة الأسبوع الماضي من السيطرة علي الموصل وبعض مدن الشمال العراقي ، هذا بالإضافة إلي إنتشارها في سوريا بسرعة مذهلة ، علاوة على انتشار الدعايات المروجة لهم ، والأسلحة المتطورة التي فتحت للتنظيم جبهة في لبنان.
وأمام هذه الموارد الكبيرة ، ذكرت تقارير إعلامية أن داعش تخطط لإعلانما تسميه دولة الخلافة وفيما يبدو أنه مخططها خلال المرحلة المقبلة.
منذ بداية الثمانينات بالقرن الماضي والساحة الإسلامية تعج بتيارات وتنظيمات ترفع راية الإسلام والجهاد ضد أعداء الأمة وإقامة الخلافة الإسلامية وهذه جميعا شعارات يتبناها ويتمناها كل مسلم متمسك بدينه وحريص علي الإسلام ، لكن في الوقت التي ترفع فيه هذه التنظيمات شعارات الجهاد ضد الأمريكان وإسرائيل وأعداء الأمة نجدهم في أغلب الأحيان لا يقتلون إلا المدنيين والعزل المسلمين والثوار والجماعات الأخرى بالدول المناوئة والمقاومة للنفوذ والطغيان الأمريكي والإسرائيلي كسوريا وجنوب لبنان وفلسطين والعراق وإيران والصومال واليمن ....الخ ، ولم نجد أي تنظيم منهم وجه سلاحه صوب إسرائيل أو أي يهودي أو أمريكي ألا في حالات نادرة غالبا ما نجدها حالات عليها الكثير من علامات الاستفهام ، فعدد القتلى والجرحى في العمليات التي يقوموا بها ضد القواعد والأهداف والمنشآت والسفارات الأمريكية والغربية يكون محدودا جداً والخسائر تكون محدودة وكأن كل شيء تم وفق حسابات دقيقة بعمليات محسوبة ومحسوب مقدار خسائرها المادية والبشرية ؟؟؟؟
ومع الأسف الشديد فأن كثير من هذه المنظمات والتيارات التي تتاجر بالشعارات الإسلامية أنشأتها بعض الأجهزة الأمنية والمخابراتية بدولنا الإسلامية ، كما حدث عندما أنشأ وسهل وأطلق العنان الرئيس السادات في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينات العمل لهذه التيارات ليحارب بهم الشيوعيين في الجامعات المصرية والرافضين لمعاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل
ناهيك عن تسهيل الأجهزة المخابراتية الأوربية والأمريكية لعمل هذه الجماعات والقيام بتمويلها ودعمها سراً لخدمة مصالحها وتحقيق أهدافها وتشويه صورة الإسلاميين في العالم ووصفهم بالإرهاب لبلورة رأي عام غربي وعالمي أن الإسلام هو منبع الإرهاب في العالم ومن ثم يجب علي الجميع محاربته والمساعدة في غزو دوله للسيطرة عليها ووقف منابع هذا الإرهاب المصطنع علي أعينهم وتحت رعايتهم
وفي الثمانينات أيضاً تم أنشاء تنظيم القاعدة الذي أسسه السعوديون بالتعاون مع وكالةالاستخبارات المركزية الأمريكية لمحاربة الروس في أفغانستان ، وقد أرسلوا أول الأمر الشباب السعودي لكي ينضم إلى هذه المنظمة وزودوها بالمال والسلاح وشجعوا الشباب العربي والمسلم الغيور علي دينه والمحب للجهاد للالتحاق بالقاعدة في أفغانستان . وكان رجل الأعمال السعودي أسامة بن لادن هو الذي تبنى دعم وتجهيز هذه المنظمة .
والتمويل الخليجي الأمريكي للتنظيمات الإرهابية السلفية ليس أمرا جديدا ، بل إن السعودية كانت منذ الثمانينات من القرن الماضي ترعى وتدعم الجماعات السلفية المتطرفة وترعاها ماديا ومعنويا وترسل الشباب العربي إلى جامعاتها لتعلم الأفكار الوهابية والعودة إلى بلدانهم متشبعين بالأفكار السلفية ونشر الفكر الوهابي في بلدانهم.
ربما لا يعرف الكثير من العرب والمسلمين ما الدور الذي قامت به السعودية في نشر الفكر السلفي الوهابي في الجزائر والكثير من البلاد الإسلامية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي ، فعندما فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات البلدية ثم الانتخابات البرلمانية ، قامت السعودية بتشجيع الشباب الجزائري وخاصة من أبناء العائلات الفقيرة والكادحة للذهاب إلى السعودية للدراسة مجانا في جامعاتها لتعلم الفكر الوهابي والسلفي والعودة إلى الجزائر كدعاة لتبليغ الفكر الوهابي السلفي بين الجزائريين.
وكان هؤلاء النواة لتأسيس الجماعات السلفية الوهابية التي كانت تهادن النظام عندما كان النظام يقتل الإسلاميين هناك بالجملة وقد قتل مائة ألف مسلم دون أن يحرك السعوديون ساكنا وواصلوا دعم النظام في الجزائر، بينما قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع إيران بسبب دفاع إيران عن الإسلاميين وتنديدها بقمع الجيش الجزائري للمسلمين.
فالسعوديون اغرقوا السوق الجزائرية وكثير من سوق الدول العربية والإسلامية بكتب المذهب الوهابي وكتب التراث والتفسير السطحية وكانت مؤلفات محمد بن عبدالوهاب و ابن تيمية وابن قيم الجوزية وابن باز وأبو بكر الجزائري والألباني والأشقر وبن عثيمين وقصص الأنبياء للثعالبي وغيرهم .......الخ تباع في الأسواق العربية بأسعار زهيدة ورمزية لا تتناسب مع تكلفتها ، وذلك لنشر الفكر الوهابي المتشدد والفكر الديني المسطح والمغيب للعقول الذي يهتم بقشور الدين والأمور الشكلية ويهمل الأمور الجوهرية من الدين ، وهي كتب بها ما هو غث وما هو ثمين لكنها كانت تعتمد بصفة أساسية علي الأحاديث المشكوك في صحة الكثير منها والإسرائيليات وتعاليم وقصص التلمود وتحاول تثبيتها في أذهان المسلمين علي أنها من ثوابت الدين ومن الأمور المعلومة بالضرورة والمجمع عليها بين العلماء .
وقد برز العديد من قادة الفكر السلفي في البلدان الإسلامية يدعون الشباب الثوري إلى إتباع السلف الصالح وعدم الخروج علي الحاكم ولو كان ظالماً أو فاسداً والأمثلة منهم كثيرة الآن
وكانت الحكومة السعودية تقدم العون المادي والإعلامي للسلفيين في كل الدول الإسلامية وتفتح لهم قنوات فضائية ومواقع علي الأنترنت ليبثوا سمومهم وفكرهم الوهابي في أذهن المسلمين ويقومون بعمل ما يلزم من أعمال التحريض وإثارة الفتن ومشاعر العداء والكراهية بين الشيعة والسنة
وعلي الجانب الآخر كانت إيران تبث سمومها الشيعية في أذهان الشيعة في كل أنحاء العالم ، وتنشر المئات من الكتب الشيعية بأزهد الأسعار وتفتح العشرات من القنوات الفضائية والصحف والمئات من مواقع الإنترنت لحث الشيعة علي كراهية السنة وتكفيرهم وتأجيج الصراعات والفتن المذهبية وسب أبو بكر وعمر وعثمان وعائشة وكل من يتبع منهجهم ولا يقوم بلعنهم من السنة
وما بين إيران الشيعية والسعودية السنية عاني المسلمون من الشيعة والسنة الكثير من الخلافات والفرقة والتحزب والتعصب المذهبي والحروب بين التيارات الدينية الإرهابية التي يحركها كل طرف منهما
وعندما أسست السعودية بالأتفاق مع أمريكا تنظيم القاعدة ، شجع السعوديون الكثير من الشباب الجزائري والتونسي والمغربي والليبيوالموريتاني والصومالي والمصري ........الخ للذهاب إلى أفغانستان والانضمام لتنظيم القاعدة لمحاربة الروس
حيث قام الأمير "بندر بن سلطان" الذي كان سفير السعودية لدى الولايات المتحدة عندما احتل السوفيت "أفغانستان"، بإقناع الأميركيين أن أفضل وسيلة لمحاربة القوات السوفيتية الشيوعية الملحدة هو بتشكيل طوابير من المقاتلين ذوي الاتجاه الإسلامي السلفي المتشدد الرافض للإلحادالشيوعي، لمقاتلة السوفيت على أساس الرفض الديني الإسلامي لتواجد الإلحاد في بلاد إسلامية.
وعلى هذا الأساس، قام "بريجنسكي" مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس "كارتر" بتسليح أولئك المقاتلين ، ناقلا السلاح إليهم على ظهورالبغال التي اشتراها من قبرص ومواقع أخرى.
تأسس تنظيم القاعدة في الفترة بين أغسطس 1988 وأواخر 1989 أوائل 1990 ، وتزايدت أعداد العرب المجاهدين المنضمين للقاعدة (الذين أطلق عليهم "الأفغان العرب") للجهاد ضد النظام الماركسي الأفغاني، بمساعدةمن المنظمات الإسلامية الدولية، وخاصة مكتب خدمات المجاهدين العرب،الذي أمدهم بأموال تقارب 600 مليون دولار في السنة تبرعت بها حكومة المملكة العربية السعودية والأفراد المسلمين وخاصة من السعوديين الأثرياء المقربين من أسامة بن لادن
يقدر عدد المجاهدين الأفغان بـ 250 ألف مجاهد ، وكان المتطوعين الأجانب بينهم من 43 دولة ، وعدد الذين شاركوا في الحرب الأفغانية في الفترة بين عامي 1982 و 1992 من الأجانب كان حوالي 35 ألفاً
وعندما انتهت الحرب في أفغانستان عاد الكثير من هؤلاء المجاهدين إلى بلدانهم فقامت السلطات باعتقالهم بالتنسيق مع الأمريكان وإصدار أحكام مشددة عليهم ، والبعض الآخر قام الأمريكان باعتقالهم وإيداعهم بسجن جوانتنامو ، بعد أن أدوا المهمة المطلوبة منهم بحسن نية وبجهل بالمخططات السعودية والأمريكية والصهيونية التي كان ينفذها بعض قادت هذه التنظيمات السلفية بعلم أو جهل ، فأفسدوا وقتلوا في بعض الأحيان الكثير من أرواح المسلمين والمدنيين العزل وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا
وكانت الحكومات في الدول العربية والإسلامية تخشى هؤلاء الشباب الذين تشبعوا بالأفكار السلفية والوهابية وحملوا السلاح وأصبحوا خطرا على دولهم ، ولهذا السبب قامت الحكومات العربية باعتقال هؤلاء الشباب ، وتمكن العديد منهم الهروب إلى المناطق النائية والانضمام إلى الجماعات السلفية التي أطلقت على نفسها : تنظيم القاعدة في المغرب العربي وتنظيم القاعدة في العراق وتنظيم القاعدة في بلاد الجزيرة العربية ثم تنظيم جبهة النصرة وداعش ......الخ ، ومعظمها تنظيمات منبثقة من تنظيم القاعدة
وهكذا مول السعوديون والخليجيون والأمريكيون جميع التنظيمات الإرهابية في العالمين العربي والإسلامي وقدموا لها المال والسلاح لكي تثير الحروب في دول المنطقة وتكون هذه التنظيمات أداة طيعة بيد الزعماء السعوديين يوجهونها إلى أية دولة يريدون إسقاط حكومتها وتنصيب زعيم موال لهم ، وقد اعترف وزير خارجيتهم سعود الفيصل علىالملأ بان بلاده ترسل المال والسلاح للإرهابيين من اجل إسقاط بشار الأسد.
- بداية نشوء تنظيم داعش وجبهة النصرة
أما داعش فكانت في بداياتها تعمل تحت اسم "جماعة التوحيد والجهاد" بزعامة أبي مصعب الزرقاوي في عام 2004 قبل أن يبايع الأخير زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن ليصبح اسم التنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين".
وبعد مقتل الزرقاوي انتخب أبو حمزة المهاجر زعيما للتنظيم. وبعد أشهر أعلن عن تشكيل "دولة العراق الإسلامية" بزعامة أبي عمر البغدادي. لكن القوات الأميركية نجحت في نيسان ابريل 2010 في قتل البغدادي ومساعده أبي حمزة المهاجر، فاختار التنظيم"عواد ابراهيم عوادالقريشي الحسيني" المعروف باسم "أبو بكر البغدادي" خليفة له .
أما جبهة النصرة لأهل الشام فهي منظمة تنتمي للفكر السلفي الجهادي، تم تشكيلها أواخر سنة 2011 خلال الأزمة السورية بتمويل سعودي وتسليح أمريكي ،وسرعان ما نمت قدراتها لتصبح في غضون أشهر من أبرز قوى الثورة وأقساها على جيش نظام بشار الأسد لخبرة رجالها وتمرسهم على القتال.
دعت الجبهة في بيانها الأول الذي أصدرته في 24 يناير/كانون الثاني 2012 السوريين للجهاد وحمل السلاح في وجه النظام السوري.
تضم جبهة النصرة عناصر من السوريين وهي مطعمة كذلك بمجاهدين عرب وأتراك وأوزبك وشيشانيين وطاجيك وقلة من الأوروبيين الذين قاتلوا سابقاً في ساحات القتال مثل العراق وأفغانستان والشيشان وغيرها ، وهم ممن لهم باع طويل في قتال الجيوش ، وللجبهة مشاركة قتالية وثيقة مع باقي القوى المسلحة مثل الجيش الحر وكتائب أحرار الشام
اعترض البغدادي علناً على سلطة زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري ورفض الاستجابة لدعوته التركيز على العراق وتركِ سورية لجبهة النصرة.
ظهر تسجيل صوتي لزعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافضين أبو بكر البغدادي يعلن فيه أن جبهة "النصرة" هي امتداد له، وأعلن فيها إلغاء اسمي جبهة النصرة ودولة العراق الإسلامية تحت مسمى واحد وهو الدولة الإسلامية في العراق والشام– داعش –
بعد ذلك بفترة قصيرة ظهر تسجيل صوتي لأبي محمد الجولاني يعلن فيها عن علاقته مع دولة العراق الإسلامية لكنه نفى شخصيا أو مجلس شورى الجبهة أن يكونوا على علم بهذا الإعلان فرفض فكرة الاندماج وأعلن مبايعة تنظيم القاعدة في أفغانستان، وعلى الرغم من ذلك فإن للدولة الإسلامية وجبهة النصرة العديد من العمليات العسكرية المشتركة ، ودبت بعد ذلك الخلافات بينهما وبدأت المعارك بين الطرفين في كانون الثاني يناير 2014
تمتلك الدولة الإسلامية في العراق والشام –داعش- العديد من الدبابات والصواريخ والسيارات المصفحة والسيارات الرباعية الدفع والأسلحة المتنوعة
ويسعى هذا التنظيم إلى تعزيز مناطق نفوذه وإقامة دولة على جانبي الحدود السورية العراقية ..ويحاول تنظيم "داعش" أن يتخذ من محافظات حدودية متاخمة لبعضهابعضاً اثنين في سوريا ومثلهما في العراق أساساً لدولة يحصّن فيها تنظيمالقاعدة. وعلى الجانب السوري يستميت تنظيم "داعش" من أجل السيطرة على محافظتي الحسكة ودير الزور ، بينما يسعى على الجانب العراقي إلى السيطرة على محافظتي نينوى والأنبار .
من يمول داعش
ما زال مجهولا من يمول "داعش". فعملياتها الكثيرة على جبهتي العراق وسوريا،تتكلف الكثير من الأموال، سواء كانت تلك العمليات داخل العراق بالتفجير اليومي للسيارات، والقتال في "الرمادي"، وفي "الفالوجة"، وفي صحراء "الأنبار"، اضافة الى قتالها المتواصل منذ سنتين ضد الجيش السوري النظامي،وأخيرا ضد "الجبهة الاسلامية" و"أحرار الشام" و"الجيش السوري الحر". فهذه العمليات مجتمعة، لا تقتضي انفاق ملايين الدولارات فحسب، بل المليارات منها. فمن يسدد هذه الفاتورة الكبيرة ، وهناك عدة أحتمالات وضعها المحللون لتمويل داعش
الاحتمال الأول ذهب إلي أن السعودية هي الممول "لداعش". وقد يكون هذا الأمر منطقيا، لكون السعودية كانت وراء تأسيس حركة "القاعدة" منذ البداية.
وثانياً أنها تقدم علي هذا التمويل لتشجيع "داعش" على مقاتلة الجيش السوري الرسمي ، وهو الأمر المتناغم مع مصلحتها في القضاء علي بشار والمصلحة الأميركية أيضا . وقد يكون هذا التمويل السعودي هو الذي دفع بزعيم "داعش" للتمرد على أعلى قيادات القاعدة وهو "أيمن الظواهري"، اعتمادا منه على التمويل السعودي ، بالإضافة إلي أن هذا التمويل هو إحدى الوسائل الخبيثة التي تقوم بها السعودية ودول الخليج لوئد الثورات العربية وتحذير المتطلعين إلى التغيير في بلدانهم بأن هذا الطريق فاشل (طريق الثورة)، ولذلك فمثل هذه الاضطرابات والمشاكل التي تقع في الدول العربية التي قامت فيها الثورات ضد الأنظمة هي رسالة إلى شعوب المنطقة وعلى رأسها شعوب الخليج مفادها: هذه هي أحوال الشعوب الثائرة على حكامها خراب ودمار وقتل وانقلابات عسكرية كما في مصر وليبيا وسوريا واليمن..فإياكم والثورة وإلا فمصيركم سيكون مثلهمما هي أهداف تنظيم داعش وجبهة النصرة ومن يقف وراء تمويلهما
ولكن يؤخذ علي هذا الاحتمال دخول "داعش" في قتال مع "الجبهة الإسلامية" التي تمولها وتتبناها السعودية. فمن غير المنطق أذن أن تمضي السعودية بهذا التمويل لـ "داعش" وهي تقاتل جماعاتها وترفض التنسيق معهم ، لكن في حسابات المصالح وتبدل المواقف والأستغناء عن الكروت المحروقة أو تعدد كروت وأوراق اللعب كل شيئ يصبح جائزاً.
الاحتمال الثاني أن من يمول داعش هي "الولايات المتحدة الأميركية" فـ "القاعدة"، وربيبتها "داعش"، هما على أرض الواقع، حلفاء الولايات المتحدة وليسوا أعداءها كما يصور الأميركيون ؟
ويعزز هذا الاحتمال أن "داعش" - على الأقل- هي صنيعة "الولايات المتحدة"، كون الأميركيين الذين يغرقون في استخدام طائرات "الأندرود" بدون طيار في قصف مواقع القاعدة في اليمن، وفي الصومال، وفي باكستان، قد امتنعوا عن قصف "داعش" الناشطة في "العراق" منذ سنوات، بتنفيذها تفجيرات يومية في المدن العراقية. فقد كان بوسع الأميركيين عبر أقمارهم الصناعية، أن يكتشفوا بعض مواقع "داعش" هناكويقصفونها بصواريخ طائراتهم، سعيا منهم للحد من تنامي منظمة "داعش" المسماة عندئذ بـ "دولة العراق الإسلامية" والتي كانت عندئذ منتمية "للقاعدة".
وتمول أمريكا داعش أيضاً لأسباب اقتضتها الإستراتيجية الأميركية سعيا لإبقاء حكومة "المالكي"،المباركة من "إيران"، منشغلة في حربها ضد "داعش"، كوسيلة تحذير لها بعدم تطوير علاقاتها مع "إيران" إلى مستوى أعلى ربما يؤدي في نهاية الأمر إلى تواجد قوات إيرانية في بغداد. فالولايات المتحدة بعد غزوها للعراق كانت قد اضطرت لمغادرته تخوفا من المقاومة المسلحة التي جابهتها من قبل أنصار الرئيس "صدام حسين" ومن فئات أخرى معارضة، وهي لا ترغب في رؤية الايرانيين يحلون محلها في السيطرة على بغداد.
هناك رأي ثالث يضع احتمال قيام "إيران" بتمويل داعش بغية استخدام "دولة العراق الإسلامية" كورقة ضغط على "العراق" تضطره في نهاية المطاف لاستدعاء قوات إيرانية إلى "بغداد" لمساعدة "المالكي" في السيطرة على الوضع المستعصي عليه ؟
ولكن إذا كان ذلك مفهوما ومقبولا في تبرير تقديم المال والسلاح لتمويل عمليات "دولة العراق الإسلامية" في "بغداد" بغية إضعاف الحكومة العراقية، فانه لم يعد مقبولا بعد أن نقلت تلك المنظمة عملياتها إلى داخل القطر السوري، وأخذت تقاتل بوحشية تامة لم يشهدها العالم منذ زمن "المغول"، ضد الجيش السوري وضد حزب الله حليفا إيران، بل وربما ضد "الباسدران" – حرس الثورة الإيرانية أنفسهم المتواجدين بسوريا .
وتبدو "قطر" الأصغر حجما بين الدول المشاركة في طاحونة الحربوأرجوحة الاحتمالات، هي الدولة الأقوى ترجيحا في تبني "داعش" ولو بشكل غير مباشر. ف"قطر" التي لا يزيد عدد مواطنيها الأصليين على مائتين إلى ثلاثمائة آلاف مواطن قطري، هي الدولة التي تنطوي على الاحتمال الأكبر في تمويل "داعش"، وذلك لتمكينها من توفير القدرة لنفسها على لعب الدور الكبير الذي ترغب في ممارسته على الساحة السورية، بل والعربية أيضا.
والاحتمال الخامس يفترض من حيث المبدأ أن تكون تركيا هي من يمول داعش ، فالدور التركي بارز في فتح الحدود التركية السورية وتسهيل مرور السلاح والمقاتلين إلى الداخل السوري سواء من داعش أو غيرهم .
وإذا توقف القتال لسبب من الأسباب نتيجة مؤتمر دولي أو وساطة دولية، فان الدور التركي في حالة كهذه سوف ينكمش أو ينقضي، ولن يعود ضروريا أو فاعلا. ومن هنا ربما وجدت "تركيا"، أنه لا بد أن يكون لها تواجد قوي على الأرض السورية والعراقية أيضاً من أجل أبقاء دورها فاعلا في أي تسوية سياسية
وعزز هذا الرأي أن تركيا كان لها علاقة وطيدة مسبقة ب"دولة العراق الاسلامية" التي كانت تمولها وتسلحها لإثارة المتاعب لحكومة "لمالكي" العراقية التي لم ترغب "تركيا" بأن تراها حكومة مستقرة بسبب علاقتها الوثيقة بإيران
وهناك رأي يضع احتمال أن يكون أنصار صدام حسين الذين يقودهم عزت الدوري هم من يمول داعش ، فبعد الغزو الأمريكي للعراق بدأت مقاومة عراقية شرسة استمرت عدة سنوات. وساهم فيها، أعضاء من"حزب البعث وبعض أنصار الإمام الصدر . إذ شرع أعضاء "حزب البعث" آنئذبمشاركة مواطنين عراقيين آخرين بمقاومة الاحتلال الأميركي وذلك تحت مسميات مختلفة منها:"الجيش الإسلامي في العراق" و"جيش المجاهدين"، و"كتائب ثورة العشرين"، و"الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية".
وهذا احتمال جدير بالدراسة، إذ يعززه أيضا أن الكثير من القيادات العسكرية في تنظيم "دولة العراق الإسلامية"، هم ضباط عراقيون برتب عالية كانوا في الخدمة العسكرية في عهد الرئيس "صدام"، وقيل بأنهم كانوا معروفين بولائهم له. ومن هؤلاء الضابط الطيار "سمير خليفاوي" الخبير بالأسلحة الكيماوية،و"أبو مهند السوداوي" الملقب الآن ب "أبي أيمن العراقي" والذي كان ضابطا برتبة مقدم، والعقيد الركن "حاج بكر" الملقب ب "أبو بلال المشهداني" الذي أصبح اليد اليمنى ل "أبو بكر البغدادي" زعيم "داعش".
الاحتمال الأخير والأقوى يضع إسرائيل علي رأس الممولين لداعش ، والواقع أن إسرائيل، قد تكون هي المرشح الأقوى في صناعة "داعش" وتحويلها إلى صنيعتها من خلال تمويلها ودفع فاتورتها
ويرجح وجود الانسجام بين "داعش" و"إسرائيل" كون "داعش تقف أحيانا في "الجولان" وعلى مواقع قريبة من المواقع الإسرائيلية، ومع ذلك فهي تطلق النار على السوريين، وليس على الإسرائيليين المتواجدين أحيانا على بعد مرمى حجر منها. كما أن بعض الجرحى من "داعش"، غالبا ما ينقلون إلى داخل إسرائيل، وليس لتركيا مثلا، لتلقي العلاج فيها.
أضف إلى ذلك ما ترددمؤخرا على لسان مصادر سورية، بوجود ضباط إسرائيليين في سوريا، يخططونويقودون منظمة "داعش".
وقد يرى البعض أن إسرائيل" – العدو الأكبرلسوريا – وجدت أنه من الضروري أن يتواجد لها على الأراضي السورية مقاتلونيأتمرون بأمرها، لتكون صاحبة كلمة فصل في أي حل يطرح للمعضلة السورية.
"إسرائيل" هي أذن المستفيد الأكبر من "داعش" ومن تحركاتها وأفعالها البشعة ، وفي القريب العاجل سيتم إطلاق هذا التنظيم في مصر والسعودية وليبيا وغيرها من الدول العربية ليعيث في الأرض فساداً كما جاء بالأحاديث النبوية عن خوارج العصر من الجماعات التي ستظهر في نهاية الزمان فتقتل المسلمين وتدع الكافرين كما شرحت بمقال سابق .
وإذاكانت هذه كلها مجرد أحتمالات ، فإنها تظل مجرد ترجيحات لتفسير حدود تمويل ودفع فاتورة "دولة العراق الإسلامية"،ثم ما آلت إليه كحركة "داعش"، أثناء مراحل قتالها ضد الجيش السوري النظامي. أما بعدأن دخلت مرحلة القتال ضد الجبهة الإسلامية وأحرار الشام والنصرة والجيش السوري الحر وغير ذلك من التنظيمات، فانه يصبح من شبه المؤكد، لا المرجح فحسب، أن أيا من الدول سابقة الذكر، لم يعد له مصلحة في تمويل "داعش" وتسديد فاتورتها إلا "إسرائيل" وربما حليفتها "أميركا" ، اللذين يسعيان لتشويه الإسلام بما تفعله داعش الرافعة للراية الإسلامية من أعمال إجرامية في كل المنطقة ، وثانياً يسعيان لإشعال حرب سنية شيعية وعرقية بالمنطقة وتقسيمها وتفتيت جيوشها وتنصيب السفياني بسوريا كخليفة للمسلمين ومهدي مضاد للمهدي الحقيقي ، وفي النهاية التمهيد للحرب العالمية القادمة أو الملاحم الكبرى التي سيقوم الصهاينة بإشعالها في منطقة الشرق الأوسط وينقسم العالم ويتصارع فيما بينه علي أراضي دول هذه المنطقة .
وسنترك لكل قارئ أن يرجح لنفسه الاحتمالالذي يقدر بأنه أقوى الاحتمالات . فلا شيء يؤدي بنا إلى الحقيقة الحاسمة،إلا ما يكشفه المستقبل .