ين يسرح بك الخيال بين الثروات الوجودية ،وينحسر التحديق ،في واقع أطرافه هالكة ،يأتيك بقائمة مواضيع ، أحصنتها جامحة تهش الضمير، والذهن، والوجدان ليتضافر الجميع على إنزال نوارس الأفكار بحلبة الصراع ،تكشط الأقنعة المتدلية ،أو الممتدة التي تخفي أورام التردي الممتلئة ، تفقس تحت الجلد أوجاعا، تغرق في موجها الثائر طبقات من بني آدم أتعسها الزمن ،فرمتها رياح الشؤم إلى حواشي الأرصفة ، تتجرع لدغات القهر القارسة ،تصارع قنوات التهميش ،لتحافظ على حيزها في الوجود ولو بالعض في لحمها ،تتصدى بدمها لتصلبات الأعاصير،وصهد الأيام الحارقة ،تعلن أنها فصيلة آدمية ،وأنّ مايتحرك في عرقها آدمي ،وأن القدر ردم كل الحدود والفواصل بينها وبين الحشرات ..خطاطات --------هذه الحصة من البشر المتعوسة، لم تكن إفرازا لقضاء الله والقدر كما يُرَوِّجُ لها البعض تحت يافطة النصيب المحتوم .بل هي عصارة خلل ،أوزلات خطاطات ، أخطأتها هندسة بطرق معتَمَدة ومُتَعمِّدة لتدوس عليها بالسنابك ،مُشَيِّدة على أنقاضها الفردوس العظيم لشرذمة من البشر ،وهكذا يصير الحظ ورديا للبعض ،ورصاصيا للآخر تحت حكمة "المومن يصيبه ربي"لاأساس لها من الصحة ، رُسِمَتْ فقط على رؤوس الأولى لتشمخ الثانية ،وعلى قبعتها ريشة التدبير، حتى تفوز بحصة الأسد من الرغيف،ولو تستله من الحلاقيم الجائعة ...خطاطات تُنجَزمن الخلف مقتحمة المدار ،ممَنهَجَة وفق مساطر ثابتة ،لها ضمانتها المعَقّمة ، لتطبيقها بدقة حسب الاختيارات المعتمدة ،والرغبات المحددة ،والتوجهات الجاهزة ،والغايات القارة ،شاء من شاء وأبى من أبى ،ومن له رأي أو اقتراح أو اعتراض فليرتطم بالجدار ..العزلة ------كم يحز في النفس حين تلفي الأحاسيس جثثا هامدة ،وأقراط الدفء مغطوسة في غسق الإجحاف واللامبالاة ،وأسوار متحجرة تعلو لتردم أمشاج الترابط والألفة ،فترى من ملكت أيمانه "لاندري كيف "يختلي في دربه المغلق موصدا كل المصاريع ، دون أبسط شرفة يطل منها على أخيه الإنسان ،والدراية بأحواله ونواقصه ،وكأن الدم الذي يسري في العروق معصور من البارود ،فتبدو لك الحياة خشبة تُمَسْرِح الأحداث بطرق وحشية ..أو غابة تُرَبّي الأنفس على الجحود ،أوإقامة الحدود والفواصل بين الكائنات البشرية ،أو العزلةالتامة ،مالم تدع إليه حقوق الإنسان ،ولاباحت به تعاليم الدين ،ولاتمّدَدَ عن الأعراف والتقاليد ،أو الموروثات الإنسانية بصفة كلية ...بِتْنا نرى أفولا للقيم الإنسانية النبيلة ،واختفاء أصول الحب ،وزوغا لكل ماتجتبيه القيم الإنسانية بمفهومها الواسع ..ماأمر هذه المصاريع الفولاذية المغلقة على الود والرأفة ،والتي بداخلها تستفيض مقابر شاسعة لدفن ماهو رائع وجميل ..الحقيقة ------وكم يكون المشرط حاد الذبح أكثر ، حين يأتيك ذهنك بحقيقة قلما يفطن إليها البعض ،حين تكتشف بيقين تام أن الطبقة المتعوسة آنفة الذكر، أفرادها بين فكي الزمن من حافة أخرى :فهُمْ مَن تنجَرّ أوطانُهم من تحت أقدامهم باغتصاب شنيع ،وهم مَن من تنسل أرواحهم وهم في مخادعهم ،وهم رشفة بهية للأعاصير والفيضانات ،وهم لحم طري للحرائق، وهم لقمة سائغة للزلازل ، وهم مَن تنهد عليهم البيوت دون استغاثة ،وكأن الطبيعة هي الأخرى لها يد آثمة ... الأسئلة-----------جملة من الأسئلة تتناسل بلا انقطاع ،إلى من ننسب مجريات الأمور هذه؟ هل كلها ابتلاء من الله؟،وكيف الفصل للخروج بنتيجة أن ما لله لله ، وما للأيدي الآثمة للايدي الآثمة ؟وماهو البديل القوي لإعادة الأشياء إلى نصابها؟،وكيف بالتالي نتجاوز مبدأ الترقيع الذي لا يزيد القماش إلا تمزيقا ؟وكيف تقويم انحراف السيل نحو مصبه المعهود؟،وكيف نحيي شتائل الدفء بين فيافي قلوب قاحلة ؟ومن أين لنا بغيمة هادئة تمطر بدل الجفاف كؤوس المودة والرفق ؟وكيف نحطم القمم الناهضة بالغياب ؟،وكيف نردم قنوات النرجسية التي توسع كيانها في نفوس البعض مِن بني البشر ؟وكي نَجْتَثُّ الأغوار العميقة المتدفقة بشلال الكره والحقد ؟وبأي مبدأ نقضي على جراثيم الأنانية المتنامية في الأحشاء ،والتي ستصير دينصورات يصعب إبادتها نهائيا ؟ هل من خطاطة تعيد الهيكلة لتطفئ شواظ نار، الذي يتقد في أروقة مخضبة بالعشب ؟هل من الممكن إذابة الجليد المتحجر في القلوب والأرواح؟..الأفكار المتنورة --------------طبعالاغنى عن الأفكار المتنورة ، فهي سيوف التوهج المتغلغلة في السديم المختلق، تعكس على مرآتها الرخامية الوجه الحقيقي لهذا البلاء المتسلط ،وكم تنضاح الصورة أكثر حين تكون الأفكار ،فاضحة ،رافضة شاجبة ، تعكس رؤية جديدة بعقلية بناءة ،للدوس على أفكار الجحيم المتخلفة القاتلة ..غير أن هذه الأفكار، تُحارَب بفخاخ تُبنى تحت أقدامها لاصطيادها ،ودفنها في مقبرة النسيان ،أو اغتيالها وهي جنينية ،أو الإصدار حكم الإعدام فيها وهي ناضجة، للخلاص من أداة وعي نفاذة ،التي تشعل النور في الطلاسم ،وتنتصب للمتسلطين كوابيس في مضاجعهم ،أو عفاريت سليمان في صباحاتهم،أوشياطين مُخرِّبة - كما يسمونها- في مساءاتهم ،يرونها قنابل صامتة موقوتة ، قد تتفجر في يوم ما ، وتعصف بملكوتهم ،فتأخذهم القفقفة بشكل لايحتمل ،فيُسَيّجون أنفسهم بدروع من الحيطة والحذر ،ثم يترصودونها لاقتفاء أثرها تارة ،وتارة أخرى يضعونها تحت المجهر ،حتى لاتنفلت منها أية شعرة مهما كانت دقيقة .....هذه الحياة ،وهذا هو بنوا الإنسان ..معاناة ليست لها حدود ،أمنيات تتفرخ أمامها جدار مغلق ،ظلام يكتسح الجانب المنير ،يريد البعض أن ينشر ألوانا بقوس قزح، فتعاسره شتى من الأمور،يريد أن يلامس الأفق ،فيجده بعيدا