أول من أدخل الشاي الى السليمانيه...
السليمانيه تربطها التجاره مع ايران منذ قرون طويله ،لكونها تقع بالقرب من الحدود العراقيه - الايرانيه ولمسافات طويله ،وكان الكثير من التجار يتبادلون البضائع المصنعه لدى البلدين منذ قديم الزمان .
المُلا محمد ابن المُلا غفور ،أحد أشهر تجار السليمانيه في العام ١٨٨٥-١٨٩٠ ،تاجر توارث التجاره عن عائلته ،يبادل البضائع ويشتري مع تجار الأقرب لمدينته هم التجار الإيرانيين ،وكانت الوسيلة الوحيده لنقل البضائع ايام زمان هي الحيوانات التي تستغرق وقتا طويلا للتنقل مابين البلدين .
في احدى زيارة المُلا محمد ،الى أيران شاهد تجمعا من الناس وبيدهم أقداح ويشربون شرابا لم يكن يعرفه هو سابقا ،سأل بفضول ( ماهو هذا الشراب ؟) أجابه احدهم ( أنه الشاي او باللغه الفارسيه جاي ) . ومتاجر يبحث عن كل ماهو جديد بادر لطلب قدح منه ،تذوق طعمه وطلب الاخر ثم الاخر ،حصلت له القناعة الكامله بأن هذا النوع من البضاعة سيكون له مستقبلا في مدينته ،ونتيجة لظروفه اضطر للبقاء في ايران حيث أصبح من أشد المعجبين بالشاي واستمر يتناوله يوميا .
بعد قرار عودته الى السليمانيه ،قرر شراء كمية كبيره من الشاي وكذلك مستلزماته ( الأقداح ،السماورات) حمل بضاعته متوكلا على الله ، أنتشر خبر عودة المُلا محمد وانتشرت أخبار بضاعته الجديده ..
وفي محل سكناه بمنطقة (درگزين) حيث الحديقة والدار الكبير ،والذي اعتاد ان يفتح مجلسه المسائي كل يوم حضر الزوار لتقديم التهنئه على سلامة الوصول شرح للحضور نوع الشراب الذي احتساه في ايران وقدم لهم أقداح منه ،تلذذ الجميع ،تقبلوا الفكره ،شاعت في المدينه أخبار الشراب الجديد ،واستمرت وبدأ باقي التجار باستيراد الشاي وفتحت المقاهي وتنوعت ، هذه قصة موجزه عن اول من ادخل الشاي الى السليمانيه ...
وبهذه المناسبه أودّ ان اهدي قراء الگاردينيا قصيدة للشاعر العراقي احمد الصافي النجفي الذي تغنى بشرب الشاي يقول فيها :
لئن كان غيري بالمدامة مولعاً فقد ولعت نفسي بشاي معطرٍ
إذا صب في كأس الزجاج حسبته مذاب عقيق صب في كأس جوهرِ
به أحتسي شهداً وراحاً وسكراً وأنشق منه عبق مسك وعنبرِ
يغيب شعور المرء في كؤس الطلا ويصحو بكأس الشاي عقل المفكر
يُجدُّ سرور المرء من دون نشوة فاحبب به من منعش غير مسكر
خلا من صداع أو نزيف كأنه سلافة أهل الخلد أو ماء كوثر
فمنه اصطباحي واغتباقي ولذتي ومنه شفائي من عناء مكدر
كأني إذا ما أسفر الصبح ميتٌ وإن أرتشف كأساً من الشاي احشر
فلله أرض الصين إذ أنبتت لنا ألذ نبات بالمسرة مثمر
لو أن ابن هاني فاز منه بجرعة لراح بأقداح ابنة الكرم يزدري
ولو ذاقه الأعشى وحكّم في الطلا وفيه لقال : الفضل للمتأخر
فللفم أحلى مشرب من مذاقه وللعين من مرآه أجمل منظر
إذا فار ما بين السماور ماؤه سمعت له أنغام ناي ومزهر
فأشرب مرتاحاً على نغماته كؤوساً وما نقلي له غير سكر
كأن به صبّاً ينوح وقد ذكى لهيب الهوى منه بقلب معسر
فيسكت إن تخمد به نار حبه وإن تذك فيه لوعة الشوق يزفر
وإن بلغت نار الهوى فيه حدها بكى لوعة من دمعه المتحدر
كأن به بركان “ويزوف” ثاقب فإن ثار يقذف بالشرار ويمطر
كأن به نار الغرام تمثلت لدى العين يخشى قربها كل مبصر
تمد بأفلاذ الزنوج إذا خبت فتحكي جحيم الزنج في يوم محشر
فثَم تخال الفحم أفلاذ مهجة من الليل تلقى في نهارٍ منوّر
فإن ضاق صدراً عن تأجج شوقه تأوه في أنفاس ماء مبخّر
لئن يمتلك يوماً جناحاً يطر بها إلى حيث من يهوى وبالوصل يظفر
كأن كؤوس الشاي بضع نواسك تحيط بمعبودٍ من التبر أصفر
وتفتح فاها بالدعا فيجودها بذوب لجين أو بدرِّ مقطّر
وأحسبها حول السماور تارة بنات مجوس قد أحطن بمجمر
وتحكي لنا ما بين بيض صحونها تماثيل درّ في معابد مرمر
وإبريقه فوق السماور مرتقٍ كمثل خطيب جالس فوق منبر
يفوه ولكن من عقيقٍ مقطرٍ وينطق لكن في كلامٍ مصوّر
سماوره يبدو كشيخٍ معممٍ من الصين يزهو في رداءٍ معصفر
إذا ساق همّ الدهر نحويَ جيشه ألاقيه من أقداح شايٍ بعسكر
فمذ أحتسي جاماً وأرشف ثانياً يفرّ الأسى عني بجيشٍ مبعثر
فأشرب كأس النصر جذلان ناعماً وأزهو، وقد أدركت عزّ المظفّر
فلله كاساتي لنصريَ أسرعت ومن ينتصر في كؤس الشاي يُنصر
كأن به معنى السعادة كامنٌ فلو يُشترى بالنفس ما ليمَ مشتري
لئن أنقص العمر الثمين اعتياده فأيّ حياة دونه لمعمّر
دعِ الرّاح والأفيون واشرب عصيره مداماً، ولا تشرب مدامة حيدر
كاردينيا المصدر:كتاب(مدينة السليمانية) الجزء الأول/ 1987