ان اطلاق لفظ حكام على من يحكمون بلادنا العربية هو خطأ شنيع نرتكبه فى حق انفسنا لاننا لم نرتضيهم حكاما لنا و لكنهم طغاة قساة استولوا على السلطة رغما عنا و ارغمونا على طاعتهم العمياء و القاء كل من يتفوه بكلمة ضدهم فى النار, لذا افضل اطلاق لفظة طغاة على امثال هؤلاء.
بجولة سريعة و نظرة بسيطة لكلا من بن على و مبارك و القذافى و عبد الله صالح نجد ان نبرة النرجسية فى احاديثهم و لغة الجسد لديهم متضخمة الى حد مفزع, فهؤلاء يتصورون انفسهم على حد فهمى الهة تمشى على الارض لها كل الحق فى ان تحكم شعوبها مدى الحياة و كل كلمة تخرج من افواهها هى كلمات مقدسة لا ينبغى الجدال او الخلاف عليها و يتصورون انفسهم محور للكون و ان الكون يسير وفق آلية منظمة بفضلهم و بفضل متابعتهم لشئون الكون, و لا مبالغة اذا قلت انهم يرون انفسهم ارقى فى تكوينهم الجسدى و النفسى و الفكرى من كل ابناء شعوبهم!!
و يتعاملون مع شعوبهم من منطلق السلطة الابوية القسرية التى لا تعرف لغة الحوار و لكن لغة الطاعة العمياء و ايضا فكرة ان الخروج عليهم جريمة لا تغتفر و ذنب لا تكون من بعده توبة و لما لا و قد تصوروا انفسهم الهة لها الكلمة الاولى و الاخيرة, حتى ان نرجسيتهم دفعتهم لتصور ان الانبياء صفوة البشرية هم اقل شأنا منهم فشخص مثل المجنون معمر القذافى يتصور نفسه ملك ملوك افريقيا و امير المؤمنين و عميد القادة العرب و قائد الثورة الليبية كيف له ان يعترف بثورة تريد خلعه تاتى من ابناء شعبه!!
فهو لا يعترف بهذه الثورة و يكذب خروج اى مظاهرات مناوئة له و هذا موقف لا ينفرد به هو فقط و لكن يشترك معه فى ذلك ايضا عبد الله صالح و زبانيته و ايضا مبارك و زبانيته و بن على و زبانيته فكلا منهم يتصور ان من خرج عليهم هم فئة قليلة لا تمثل شعوبهم و ان هذه الشعوب تحبهم حتى النخاع الى غير هذا من الترهات التى يتشدقون بها و كرروها كثيرا حتى صدقوها هم اخيرا و يرون انفسهم منفصلين عن شعوبهم لانهم ارقى و افضل و يحيطون انفسهم بهالة مقدسة تتمثل فى مواكب عظيمة و شديدة الحراسة و التأمين ليس فقط بدافع الخوف من شعوبهم التى تريد رحيلهم و لكن ايضا بدافع العظمة التى يتصورونها لانفسهم و لا يعتقدون انه من الجائز ان يقترب منهم ايا من هؤلاء الرعية الادنى حتى لا يتنجسوا بهذه المخلوقات البدائية !!
و لغة الجسد المتعالية التى تعطى دلالة حقيقية على مدى نرجسيتهم المفرطة من خلال لقاءاتهم التليفزيونية التى يظهرون فيها يضعون الساق فوق الاخرى فى شموخ و اعتداد لا مثيل لهما و ايضا تظهر فى ملامحهم نوع من التأفف و الاشمئزاز من تلك المخلوقات التى تلتقط لهم الصور و الاحاديث المختلفة لانها اقل شانا بالنسبة لهم بالتأكيد.
فعلى عبد الله صالح يحرص فى كل مرة يظهر فيها فى التليفزيون ان يبدو متعجرفا مستنكفا لكل ما حوله أعلى شأنا ممن حوله و يردد عبارات اتفق فيها كل الطغاة العرب:" فئة مندسة, تريد تخريب البلاد و نشر الفساد, و انهم اصوات نشاذ" و ايضا مع ترديدهم جميعا بلا ملل و لا توقف عن ان هناك مؤامرات خارجية تحاك ضدهم و ذلك من منطلق ايمانهم العميق بان عظمتهم و تفوقهم الفريد من نوعه يدفع العالم كله للحقد عليهم و محاولة النيل من عظمتهم و الانجازات الاعجازية التى يقومون بها فهى تركيبة واحدة لجميع الطغاة العرب و يتم ترديد مصطلحات بالية مثل " اجندات خارجية " كما دأب على ترديدها عمر سليمان و ايضا تأكيد مبارك فى خطاباته المتعددة اثناء الثورة ان من يقومون بهذه المظاهرات فئة قليلة و التأكيد عليها اكثر من مرة فى محاولة لايهام نفسه قبل الاخرين ان الشعب يسجد له و يسبح بحمده و لا يتصور ان كل الشعب يخرج عليه و يخلعه و هو القائد العظيم الملهم الذى افنى عمره فى خدمة الوطن و تحقيق الافضل دائما لابناء شعبه فمن منطلق تصورهم لانفسهم على انهم الهة, فهل تخطىء الالهة و تذنب فى حق شعوبها , أذن فمن يعارضونهم هم بالتأكيد كفار فقدوا ايمانهم بالهتهم و هؤلاء دائما ما يكونوا قلة حقيرة الواجب المقدس يقضى بإفنائهم و سحقهم بلا رحمة او هوادة كما قال القذافى فى اكثر من مرة و فى اشهر خطبه " سنذحف عليهم الملايين لنطهر ليبيا شبر شبر دار دار زنجة زنجة فرد فرد" فهم يرون انهم امام واجب مقدس و يتصورن بشكل غريب ان التاريخ سيحكم لصالحهم بعد ان تسقط هذه القلة المندسة القذرة الحقيرة و دائما ما يجب وصف كل المعارضين بانهم خونة و عقيمى التفكير و يتعاطون حبوب الهلوسة على حد قول القذافى .
بن على فى اخر ايام الثورة التونسية ادرك ان قناع الالهة سقط عنه و انه لم يعد ذلك الاله الذى يخافه الجميع فبدأت تظهر لهجة الانكسار و الذل فى اخر خطاباته و التى اعلن فيها كلمته المشهورة " الان فهمتكم" و لكنه فهم مقرون ايضا بانه الشخص الوحيد القادر و المؤهل لقيادة مسيرة الاصلاح و ابى كلا منهم ان يعتذر عن اخطائه لانه بالطبع الاله الذى لا تعتذر عن اخطائه لانه لا يخطىء ابدا !!
بن على الذى قرر فى بداية الثورة ان يسحق هذه الفئة القليلة المخربة التى تريد زعزعة الاستقرار فى البلاد و ايضا هو نفس ما يردده الان بشار الاسد و هو يدخل مزهوا بنفسه فى مجلس الشعب السورى و سط تصفيق حاد من زبانيته المنافقة و هو اعلم الناس بنافقهم و لكن زهوه بنفسه و فحره المفزع بنفسه يصور لهم انهم يصفقون لالوهيته المتفوقة دائما !!
و يفرض الطغاة العرب دائما و اى طغاة فى العالم مراسم معينة دائما ما تكرس لعظمتهم و فكرة الاجماع التام و الشامل حول شخوصهم فبشار الاسد يدخل المشهد فى شكل ميلودرامى كفرعون او قيصر على مجلس الشعب وسط عشرات النواب الذين يقفون يصفقون له بقوة و يرفع يديه يحى اتباعه و رعيته و مخلصيه وفق ما يتصور فى مخيلته
و ايضا مبارك ينكر كل الاتهامات التى وجهت اليه من تمسكه الابدى بالرئاسة و هو الذى قال ساظل احكم حتى اخر نبض فى قلبى و يعود فيقول : لم اكن انتوى الترشح لفترة رئاسية قادمة و ايضا يقول بكل وقاحة : " لم اسعى يوما لشعبية زائفة" هذه هى سمات كل طاغى و خاصة الطغاة العرب, الذين ورثوا عن اجدادهم الطغاة من خلفاء الدولة العباسية ان يلتف حولهم شعراء النفاق يمتدحونهم على السراب و اللاشىء فهم ايضا يسخرون كل الاجهزة الاعلامية التى لا تخلو اى دقيقة تمر فيها بدون ان تمجد للانجازات الغير مسبوقة لطاغيها و التى للسخرية لم يراها الشعب تتحقق ابدا الا على شاشات التليفزيون فقط.
و التنكيل باى صوت معارض لهم من وجهة نظرهم لا يمثل جريمة ترتكب بحق الانسان و لكنها تاديب و عظة لكل العصاة المخالفين لشرع الطاغى الذى يشرع لهم ما فيه مصلحة العباد و لانهم مخلوقات ادنى فهو اعلم بما يريدون و اما شعوبهم فى نظرهم قاصرة لا تستوعب و لا تفهم و لا تعى كما قال عمر سليمان فى احد الاحاديث التليفزيونية : " الشعب المصرى غير مستعد للديموقراطية بعد"
و لان كل طاغى من الطغاة هو الذى يرسم قدر دولته و يحدد مصيرها وفق رؤيته الملهمة فان بلاده لها خصائصها و تفردها التى يميزها عن سائر البلاد فالذى يحدث فى مصر لا يمكن ان يحدث فى اليمن لان اليمن تختلف عن مصر و الذى يحدث فى الاردن يختلف عن تونس لان الاردن لها خصائصها و هكذا دواليك كل دولة لها خصائصها و مفرادتها و تكوينها وفق ما يرى الحاكم بامره
الطغاة العرب لا يستمعون الى رعيتهم لان ليس من اللائق او الجائز ان يستمع الاله الى انتقادات او نصائح من خلقه و لكن يستمع فقط الى من يسبح بحمده و يشكره على نعمته عليهم و ايضا اى اعمال يقوم بها الطاغى فى بلاده يراها على انها هبة يمنحها للشعب و على الشعب ان يعترف بهذه المنة او الهبة و ان يحمد الهه كثيرا على هذه الهبة التى لا تعوض لا مثيل لها و اذا ابدى الرعية اى اعتراض فهذا لانه قلوبهم ليست عامرة بالايمان اتجاه الالهة التى تحكمهم
الطاغى لا يصدق انه يمرض و لذلك يتكتم النظام الذى يلتف حول الطاغى على مرض الطاغى لان نشر اى معلومات عن مرض احد الطغاة يعد انتقاصا لالوهيتهم التى لا يجوز معها المرض و لا يعترفون بالتقدم فى السن لان المفترض فى الحاكم الاله الا يشيخ لذلك فتجدهم يصبغون شعورهم حتى يضحكوا على انفسهم بانهم لازالوا فى ريعان الشباب و ان الشيخوخة التى هى امر حتمى لكل البشر لا تسير عليهم لانهم الهة على الارض
الطغاة العرب دائما ما يمجدون اعمالهم و يحبون تسليط الاضواء على منجازاتهم حتى و لو تغنى الاعلام ليلا نهارا بذلك, يخرج الطاغى منهم و يؤكد دائما على انجازاته و عطاءاته للشعب المصرى باعتبارها هبة منه و ليست واجب عليه او من مهامه الوظيفية المفروضة عليه و يحب ان يسمع الهتافات و التصفيق الحاد مع كل انجاز يذكر به الجميع و لاجل ذلك يتوقف قليلا عن الكلام ليسمع مثل تلك الهتافات و التصفيقات فينتشى بها و من ثم يستطرد يسرد الانجاز تلو الاخر و يقطعه بالصمت ليستمع الى نفاق الاخرين التى يعتبرها تسبيح بحمده ثم يواصل و هكذا
و انا اشدد هنا على ان الخصائص النفسية الواردة بهذا المقال ترد بحق الطغاة العرب وحدهم لان من الظلم البين ان نجمع كل الطغاة فى سلة واحدة مع هؤلاء فهؤلاء طغاة فقط على شعوبهم اذلاء امام العالم الخارجى فتجد مبارك من خلال الارشيف الاعلامى يجلس بمنتهى الادب يضم رجليه امام بوش او اوباما و لكن امام رعيته فهو يجلس منتصب القامة و تعلو وجهه ملامح قاسية متعجرفة يضع الساق فوق الاخرى و هذا ليس حال مبارك وحده و لكن كل الطغاة العرب فايضا بن على حينما كان يذهب فى زيارات رسمية الى باريس كان يقف بين يدى ساركوزى مبتسما ضحوكا و امام كاميرات التليفزيون التونسى فى خطاباته السابقة يقف و قد علت وجهه ملامح قاسية مهددة متوعدة و اصبعه المنذر دائما بالشر
و هذا لانهم طغاة جبناء قد كشفت الثورة عن عوراتهم و مدى خستهم و نذالتهم و ضعفهم و الذى لا يجعلنى اضمهم لسلة الطغاة حول العالم حتى انهم لم يحققوا مثل ما حقق طغاة أخرين من انجازات حقيقية و ملموسة افادت شعوبهم و ساعدت فى رقيهم و نهضتهم بالفعل, فالحزب الشيوعى فى الصين على الرغم من طغيانه و انتهاكاته المتكررة لحقوق الانسان فى الصين و قمع الحريات هناك الا انه استطاع فى عشرين سنة ان يحدث نهضة صناعية عملاقة فى الصين و جعل الصين عملاق اقتصادى ترتعش له الكيانات الاقتصادية الغربية و الولايات المتحدة الامريكية و قوة نووية و عسكرية لا يستهان بها و اذا ارتحلنا الى الاتحاد السوفيتى سابقا نجد ان ستالين استطاع ان يدفع روسيا لان تكون من كبرى الدول الصناعية فى العالم و تخوض سباق الفضاء و التسلح النووى و استطاع بقواته المسلحة ان يدحر الهجوم الالمانى المرعب فى الحرب العالمية الثانية و ان يحتل نصف المانيا الشرقية بالكامل و ان يعلن عن روسيا كقوى عالمية عظمى و دولة نووية عملاقة, بوتين الذى يحكم روسيا الان بقبضة من حديد استطاع ان يحقق نهضة اقتصادية و صناعية لروسيا و ان يعيدها الى حد كبير لمكانتها العالمية و يخوف بقوتها العسكرية و الاقتصادية الدول الاوربية و امريكا التى تحاول استفزاز روسيا و تحاول تطويقها و تحجيمها بشكل مستمر و لكن تفشل كل مساعيها فى تحجيم و تضيق الخناق على روسيا و اما اودلف هتلر الذى يلقبونه بالطاغية المجنون فهو استطاع ان يحقق نهضة صناعية اعجازية بكل ما فى الكلمة من معنى بعد ان كانت المانيا دولة مفلسة و حولها الى دولة صناعية جبارة ذات اقتصاد قوى و قدرة فائقة على الانتاج الحربى الغير مسبوق و تطوير اسلحة قتالية تميزت بها المانيا بمفردها و عجز العالم الغربى المتقدم وقتها عن محاكتها و الذى كان يفرض عليها قيود عسكرية قاسية و ديون طائلة, نقلها نقلة نوعية فى سنوات معدودة و اعاد للالمان كرامتهم و عزهم و مجدهم و كانت الحرب العالمية الثانية هى انتقام من اودلف هتلر لاهانة العالم الغربى للالمان ايبان الحرب العالمية الاولى و حركة التوسع و احتلال البلاد الأخرى التى قام بها هتلر فى اوروبا كانت فى البداية من اجل استعادة الاراضى الالمانية التى سلبت منه فى الحرب العالمية الاولى و من ثم انتقل الى مرحلة تاديب العالم الغربى على قسوته فى معاقبة الشعب الالمانى و اذا انتقلنا الى الجنرال فرانكو فى اسبانيا و الذى كان يمثل حكم استبدادى استطاع ان ينقل البلاد من انحطاطها و ضعف اقتصادى و غياب لكل اليات الصناعة الى ان تكون دولة صناعية متفوقة ذات اقتصاد قوى وأما اذا عدنا الى الطغاة العربى امثال مبارك و بن على و عبد الله صالح لنستعرض منجازاتهم و عطاءاتهم كما يدعون و لنرى ماذا قدموا لشعوبهم مما يغفر لهم طغيانهم نجد انهم قدموا الذل و الهوان و ضياع الكرامة و الفساد و انهيار الدولة لابناء شعوبهم فقط و لا شىء اكثر الا مزيد من الذل و الهوان و ينسحب ذلك على كل الطغاة العرب الحالين و هذا ما يجعلنى ارفض ان اضم هؤلاء الطغاة البؤساء الخونة الطغاة الى طغاة اخرون كانوا يستحقون ان يلقبوا بالعظماء على الرغم من كونهم طغاة و مستبدين, أذن ان الخلاصة التى نخرج بها من هذه الاستقراء المبدئى للتحليل النفسى للطغاة العرب يعطينا صورة واضحة عن الملامح النفسية لهؤلاء الطغاة الضعفاء الذى سرعان ما انهاروا امام طوفان الثورات الشعبية فى عالمنا العربى و انهم نسخ رديئة مستنسخة لبعضهم البعض يرددون نفس العبارات السخيفة التى تكرس لطغيانهم الغير مبرر و الذى لم يقدم اى شىء لشعوبهم سوى المزيد من الانحطاط و على ذلك فهؤلاء يستحقوا ان ينتقلوا الى مزبلة التاريخ بدون ادنى شك و لا يذكر لهم ما يشفع لهم عندنا و لا يمكن ان نصنفهم على انهم شخصيات سوية و لكنها شخصيات مريضة مختلة نفسيا طبعت نفسها على سرقة شعوبها و الكذب على نفسها قبل ان تكذب على شعوبها, يتجلى جبروتها و طغيانها و قوتها فقط على شعوبها و تخر ساجدة امام القوى الاكبر منها و تتبع تعليماتها بكل ذل و انصياع فهؤلاء لا يستحقوا منا الا الازدراء و الاستحقار لانهم جل انجازهم هو انهم كرسوا فى نفوسنا كرهنا لهم و احتقارنا الشديد لهم