Tuesday, January,17, 2012
السياحة الدينية حلمٌ عراقي
من تقارير البـ BBC
في العراق اليوم طبقة سياسية تحلم في أن تتحوّل المناسبات التي تحفل بها التقاويم الدينية وخصوصا الشيعية منها عنصر استقطابٍ للسياحة الدينية
أجيالٌ من العراقيّين ممّن نشأوا وعاشوا في ظل حكم حزب البعث العربي الاشتراكي ما كانوا ليتصوّروا أن يأتي يوم تقفل فيه طرق المرور السريع أمام حركة السير لتخصّص لمسيرات دينية على مدى أيام متتالية وبمباركة السلطات الأمنية وحمايتها.
فاحتفالات ذكرى عاشوراء التي يحييها المسلمون الشيعة والمَسيرُ بعدها بأربعين يوما لزيارة ضريحي الإمام الحسين واخيه العبّاس في مدينة كربلاء بلغ التضييق عليها في عهد الرئيس السابق صدّام حسين حد الحظر بل ومعاقبة المشاركين فيها بالتصفية الجسدية أحيانا كثيرة.
وفي العراق اليوم طبقة سياسية تحلم في أن تتحوّل المناسبات التي تحفل بها التقاويم الدينية وخصوصا الشيعية منها عنصر استقطابٍ للسياحة الدينية مع ما يرافقها من استثمارات وطنية وأجنبية.
ومن شأن ذلك في نظر هؤلاء أن يرفعَ عائدات السياحة الدينية للزوار من شيعة او مسيحيين إلى مقام المورد الثاني لخزينة الدولة بعد عائدات المنتجات النفطية، حين تصبح زيارات المقامات الشيعية في العراق ندّاً لمواسم الحج في المملكة العربية السعودية، وحين تنجح السلطات في طمأنة الأقليات المقيمة مسيحية وصابئة وزيديّة على مصيرها ما يشجّع المهاجرين من أبنائها على الزيارة دوريا وفي الأعياد الدينية، كما يشجع سياحة هواة الاطلاع على التنوّع الثقافي والديني من غربيين وعرب.
وتدعم الأرقام والإحصائيات المتوافرة تلك الآمال، ناهيك عن الانفتاح العراقي على العالمَين الإسلامي والغربي في مقابل التوتّر الذي يتحكّم بعلاقات إيران (المنافس الشيعي الوحيد) بمحيطها وبالعالم وتراوُحِ الأخيرة بين التوتّر والقطيعة.
ويقول رئيس مجلس محافظة كربلاء محمد حميد الموسوي إنه من المتوقع ان يتجاوز عدد الزوار اثني عشر مليوناً لاحياء ذكرى الاربعينية بينهم خمسمئة ألف زائر أجنبي وعربي من خارج العراق.
وإذا ما قورنت هذه الأرقام مع مليون ونصف هو مجموع حجاج الحرمين الشريفين في المملكة العربية السعودية تبدو المؤشرات للوهلة الأولى في صالح القائلين بالجدوى الاقتصادية للسياحة الدينية في العراق.
واكدت رئيسة لجنة السياحة والآثار في مجلس محافظة كربلاء افتخار الزبيدي أن عدد الزوار الأجانب الذي دخلوا المدينة فاق التوقعات بعد أن تزايد بشكل مضاعف خلال أيام قليلة سبقت ختام اربعينية الحسين.
وأشارت الى ان فنادق المدينة الأربعمئة والستين تمّ حجزها بالكامل ما حدا بأصحاب الدور التي فتح أبوابها لإيواء الزوار وضيافتهم.
من جانبه أفصح مصدر في شعبة سياحة كربلاء لصحيفة "الصباح" العراقية عن أن "عدد الزوار الأجانب الذين وصلوا المدينة المقدسة" توافدوا من اثنتين وثلاثين دولة، مؤكدا ان العدد مؤهّل للتزايد.
وانتشرت آلاف الخيم التي تقدم الطعام والشراب والمنام للزائرين على طوال الطرق المؤدية الى محافظة كربلاء، ما استدعى نشر أكثر من خمسة وثلاثين ألف عنصر من القوات الامنية في دوريات مدعومة بتحليق مروحيات تابعة لطيران الجيش من أجل حماية الزوار.
واعلن الفريق الركن عثمان الغانمي قائد عمليات الفرات الاوسط ان "القوات الامنية بدأت بتطبيق خطة اربعينية الامام الحسين منذ يوم الخامس من صفر" وهذا ما دفع سياسيّا طلب عدم ذكر اسمه لتقدير أن كلفة الحماية الأمنية وحدها قد تتجاوز مئات المليارات من الدنانير العراقية الموازية لعشرات ملايين الدولارات الأمريكية، فيما غابت الدراسات والإحصائيات التي تقدّر حجم المساهمة المالية التي من شأن هذه المناسبة ضخُّها في الاقتصاد الوطني العراقي أو المحلّي لمحافظة كربلاء.
ويعتبر عضو مجلس محافظة النجف جواد الكرعاوي ان "حركة طيران كثيفة يشهدها مطار النجف يومياً، تصل الى اكثر من ثلاثين رحلة في اليوم" تشكل ارتفاعاً غير مسبوق لهذا العدد رغم الظروف الأمنية الهشّة والأوضاع السياسية المتأرجحة في البلاد.
اما الدكتور محمد الربيعي عضو مجلس محافظة بغداد والمهتم بشؤون الإدارة المحليّة والتنمية البشرية فيعتبر من جهته أن تشجيع "الاستثمارات العراقية والأجنبية في البنى التحتية للسياحة الدينية يستوجب خطة وطنية متكاملة تكون بمنأى عن التجاذب السياسي لتأخذ مسارها الصحيح في الإنماء المتوازن وبعيد المدى، لتساهم أيضا في معالجة بعض أوجه البطالة المقنعة" التي تعاني منها أعداد كبيرة من العراقيين.
ربّما تكون الاستثمارات السياحية التي عادة ما تقلقها الأمزجة السياسية المتقلّبة وتنافر المتنفّذين المؤثرين في آليات صنع القرار تنتظر ما ستؤول إليه جهودُ معالجة الأزمة السياسية الحالية الحادة في البلاد، ولكنّ هذه الأزمة ليست التحديَ الأوحد أمام تدفق رؤوس الأموال في بلد تصنّفه منظمات مراقبة الشفافية العالمية ضمن المراتب المتقدّمة على قائمة البلدان تعاني من الفساد الإداري والمالي.