السينما المتنقلة - محمد الدراجي
افراح شوقي ووووعلى نحو ساعتين من المشاهدة الممتعة، دارت فيها عجلة السينما العراقية الروائية من جديد على أكتاف مخرجين ومخرجات من جيل الشباب، استطاعوا فيها حصد أهم الجوائز العربية والعالمية، بإمكانات متواضعة، وعبر 6 أفلام روائية قصيرة رصدت بعض ما خلفته سنوات الحروب والفقر التي سادت البلاد، وأعادت طقوسا بغدادية غيبت منذ أكثر من 10 سنوات بسبب انكماش دور العرض السينمائي وإهمال تجديدها.
تجربة السينما المتنقلة أو الجوالة في سنتها الرابعة، التي قدمها المركز العراقي للفيلم المستقل أخيرا، تجربة أراد لها منظموها أن يوصلوا رسالة للجمهور المحلي والعربي معا بأهمية صناعة السينما في حياة الشعوب، وأهمية أن تقول كلمتها للتاريخ لرصد أحداث حقيقية ومآسي زمن الحرب التي كان ضحيتها الصغار والنساء على وجه الخصوص.
المهرجان شهد عروضا لأفلام روائية سبق أن أنتجها المركز ونالت الكثير من الجوائز والشهادات التقديرية العالمية، آخرها مهرجان دبي السينمائي الدولي العاشر. منها الفيلم الروائي الطويل «كرنتينة» للمخرج عدي رشيد الذي فاز بجائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان وهران السينمائي، وشارك في 20 مهرجانا دوليا، وفيلم «بين أحضان أمي» للمخرجين عطية ومحمد الدراجي الذي نال 15 جائزة عربية ودولية، وشارك في 75 مهرجانا عالميا وعربيا، كذلك يشارك فيلم «ابن بابل» للمخـرج محمد الدراجي الذي حصد 35 جائزة عربية، ودولية وشارك في 150 مهرجانا عربيــا وعالميـــا، كمــا سيعرض المهرجــان مجموعة من الأفلام الروائية القصيرة التي أخرجها مخرجون ومخرجات شباب، منها «خزان الحرب» للمخرج يحيى العلاق، وفيلم «عيد ميلاد» للمخرج مهند حيال، وفيلم «أطفــال الـلـه» للمخرج أحمد ياسين، وفيلم «طيور نسمة» للمخرجين نجوان علي وميدو علي، وفيلم «أحمر شفاه» للمخرج لؤي فاضل، وفيلم «أطفال الحرب» للمخرج ميدو علي.
يقول المخرج محمد الدراجي، أحد منظمي المهرجان، خلال أمسية عروض سينمائية نظمتها مؤسسة برج بابل للتطوير الإعلامي (إحدى منظمات المجتمع المدني) في مقرها بالعاصمة بغداد، بحضور حشد كبير من الفنانين والمختصين وشباب السينما: «مرت 10 سنوات بعد عام 2003، أثمرت عن 15 فيلما سينمائيا استطاعت أن تذهب بالسينما العراقية إلى العالمية، عبر قصص تحكي عن هموم شعبها ومعاناتهم في الماضي وتطلعاتهم في الحاضر والمستقبل».
وأضاف: «المهرجان انطلق في مدينة الناصرية جنوب العراق عام 2003، ليطوف بعدها جميع المحافظات العراقية متنقلا بين المدن والقرى والأرياف ليكون بديلا عن دور العرض السينمائية التي أتلفت بسبب الحروب ولم يجر تأهيلها حتى الآن».
وأكد الدراجي، وهو صاحب فيلم «تحت رمال بابل» الذي نال جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان أبوظبي السينمائي عام 2013: «انطلاق الدورة هذا العام يتزامن مع أعنف حرب يتعرض لها العراق من قبل الإرهاب والمتطرفين، وكان لا بد للسينما من دور لأجل التخفيف من وطأتها النفسية على الناس، كما أننا نؤمن بأن السينما أداة فاعلة في خلق ثقافة منتصرة وجديدة تتمكن من دحر الفكر الإرهابي وتوثيق الكثير من الحقائق.
ووعد بأن تجوب السينما المتنقلة لتصل أماكن النازحين في شمال البلاد وجنوبها للتخفيف من وطأة ما أصابهم.
وعن مصاعب إنتاج مثل هذه الأفلام، يقول الدراجي: «هناك مصاعب كبيرة لإنتاج فيلم سينمائي واحد، فتكلفة صناعة الدقيقة تساوي بين (10 - 20) ألف دولار، كذلك عملية دخول وخروج أجهزة التصوير عبر مطار بغداد الدولي أمر صعب، كذلك نوعية الأفلام التي أردنا من خلالها أن تكون احترافية أكثر مما هي للتدريس والتعلم.
ويعد المركز العراقي للفيلم المستقل الذي يترأسه الفنانان محمد الدراجي وعدي رشيد أحد المراكز السينمائية المستقلة ومقره في بغداد، وهو مدرسة للسينمائيين ومحبي هذا الفن، يجمع بين الرؤية العالمية الحديثة للسينما والرؤية العراقية للنهوض بواقع السينما العراقية من ناحية الإنتاج والتعليم وغيرها. واستطاع أخيرا وعبر التعاون مع وزارة الثقافة العراقية ومشروع (بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013) إنتاج 6 أفلام عراقية روائية قصيرة عرضت في مهرجان دبي السينمائي الدولي بعنوان «إرث عراقي: أطفال المستقبل»، وقد جرى إنتاج الأفلام الـ6 في ورشة تعليم التصوير على كاميرا 35 مليمتر السينمائية واستمرت سنة كاملة، انخرط فيها 20 طالبا، حيث يدرس البعض منهم الآن في الخارج ضمن مشروع المركز العراقي للفيلم المستقل لبناء جيل جديد من صناع السينما في العراق.
قصص الأفلام الـ6 التي عرضت في الأمسية، ورغم غياب مخرجيها الشباب بسبب مشاركتهم في فعاليات مهرجان الأفلام العربية في مالمو بالسويد فإنها تولت الحديث عوضا عنهم وهي تحكي قصص الوجع العراقي والحياة التي خلفتها الحروب، ففي فيلم المخرج محمد ياسين (أطفال الله) يستعرض حياة فتى بترت ساقاه، لكنه ظل مراهنا على فوز فريق البنات على فريق البنين في إحدى المدارس وهو يتنقل بسرعة على سياج المدرسة. أما فيلم ميدو علي «أطفال الحرب»، فيقوم أحد الأطفال بالإفصاح عما يسكنه من أسى عبر رسوماته، إنه من ضحايا الحرب، ويعيش في ملجأ للأيتام، ويأتي بعدها فيلم «طيور نسمة» للمخرجة الشابة نجوان علي، بالمشاركة مع المخرج ميدو علي، ليستعرض قصة طفلة تستهجن العالم من حولها بعد أن أرغمتها أمها على بيع طيور والدها المتوفى في أحد الانفجارات، لكنها فوجئت بتحولها إلى امرأة وتقرر أن تخبئ الأمر على أمها كي لا تطوي أحلام طفولتها وأحلامها في مجتمع ذكوري متسلط.
يقول الناقد السينمائي علاء المفرجي خلال حضوره الأمسية: «الفورة الرائعة لسينمائيينا الشباب في السنوات الأخيرة، أثبتت أن مستقبل الفيلم العراقي يرسم ملامحه الشباب، ويكفي حضورهم المتميز في المهرجانات السينمائية العربية والعالمية وما ظفروا به من جوائز كثيرة رغم إمكاناتهم المحدودة».
وأضاف: «تركيز مواضيع تلك الأفلام على الطفولة لم يأت مصادفة، لأن شباب السينما وهم يتصدون لمهمة بلورة انطلاقة جديدة لها في السنوات الـ10 الأخيرة هم أنفسهم من اكتوى بنار الحروب وآثارها المدمرة، فكان من الطبيعي أن يستعيدوا في أفلامهم طفولتهم غير المكتملة».
ولفت المفرجي إلى أهم الأفلام التي راقت له وهو فيلم «طيور نسمة» للمخرجة العراقية الشابة نجوان علي. إذ استطاعت فيه اختيار موضوع مكتظ بالدلالات والمعاني والجرأة أيضا.
وتجدر الإشارة إلى أن المخرج محمد الدراجي ولد في بغداد، ودرس في معهد الفنون الجميلة، ثم غادر إلى هولندا ودرس فيها وحصل على شهادة البكالوريوس في إدارة التصوير السينمائي بأكاديمية هلفرسون للأفلام ودرس أيضا في كلية سينما بالميدز ببريطانيا وحصل على شهادة الماجستير في الإخراج السينمائي والتصوير السينمائي، وحصل على أكثر من 85 جائزة عربية وعالمية، شاركت أفلامه الـ5 في أكثر من 400 مهرجان عالمي.