من دقائق اللغة العربية
من غير بُدّ:
يرد في بعض الكتابات قول بعضهم "سأذهب من كل بدّ" والصواب "من غير بدّ" لأنّ البُد معناه العوض والبدل، فإذا قلت "سأفعل كذا من كل بُدّ" فكأنّك قلت "سأفعله من كل عوض" وهذا لفظ بلا معنى
**
رضخ:
رضخ فعل معناه: كسر شيئاً صلباً، يقال: "رضخَ فلان الجوزة" أي كسرها ولكن أكثر حملة القلم في هذه الأيام يستعملونه بمعنى خضع خطأً، يقول المعاصرون: "رضخ سعيد لسليم" يريدون خضع له، فيكون المعنى "كسر سعيد لسليم شيئاً صلباً"، فهل يعنون بالشيء الصلب رأس سليم؟
**
من صالحي:
يقولون: "من صالحي أن افعل كذا"، و"هذا أمر ينافي صالح الوطن"، والصواب أن يقال: "مصلحتي ومصلحة الوطن" لأنّ الصالح هو ضد الفاسد ولا يستعمل بمعنى المصلحة.
أسد كاسر:
كثير من الكتاب يصف الأسد بالكاسر، وهذا خطأ ظاهر؛ لأنّ الكاسر لا يكون صفة لغير الطائر، يقال: "نسر كاسر" وهو من كسر الطائر جناحيه أي ضمهما يريد الانقضاض، أما صفات الأسد فكثيرة فليختاروا منها ما يشاؤون.
**
الافتنان:
هو أن يأتي المتكلم في كلامه بفنّين متضادين مثل الغزل والحماسة، والمدح والذم، والتهنئة والتعزية، فمن أحسن ما قيل في الافتنان بالجمع بين الغزل والحماسة قول عنترة العبسي:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل
مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنّها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
ومنه قول ابن نباتة في التهنئة والتعزية لمّا مات الملك المؤيد وولي ابنه الأفضل:
مليكان هذا قد هوى لضريحه
برغمي وهذا للأسرّة قد سما
ودوحة أصلٍ ساد وهي تكافأت
فغصن ذوى منها وآخر قد نما
ومن أبلغ ما قيل في الجمع بين المدح والذم قول أبي العلاء المعري:
بأي لسانٍ ذمني متجاهل
عليَّ وخفق الريح فيَّ ثناء
وما سلبتنا العزّ قط قبيلة
ولا بات منها فيهم أسراء
ولسنا بفقرٍ يا طغام إليكم
وأنتم إلى معروفنا فقراء
**
التوجيه:
هو أن يوجّه المتكلم بعض ألفاظه إلى أشياء متلائمة اصطلاحاً كأسماء الأعلام أو قواعد العلم ونحو ذلك توجيهاً مطابقاً لمعنى الموجّه إليه من غير اشتراك حقيقي. ومن التوجيه إلى قاعدة علم، قول التلمساني:
يا ساكناً قلبي المعنّى
وليس فيه سواك ثاني
لأيّ معنىً كسرت قلبي
وما التقى فيه ساكنانِ
وجّه الكلام إلى القاعدة الصرفية التي توجب الكسر عند التقاء ساكنين.
**
الإرصاد:
هو أن يبني الشاعر البيت على قافية يرصدها له في نفسه، أي يهيئها، فإذا تلي صدر البيت دلّ على قافيته، منه قول البحتري:
أحلّتْ دمي من غير جرمٍ وحرّمتْ
بلا سببٍ عند اللقاء كلامي
فليس الذي حللتِه بمحللٍ
وليس الذي حرّمته بحرامِ
فلو قرأ لك قارئ صدر هذا البيت وسكت، لقلت أنت: "وليس الذي حرمته بحرام"، ومثال الأرصاد في النثر الآية الكريمة: "وما كان الناس إلاّ أمّة واحدة فاختلفوا، ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم في ما فيه يختلفون"، فإذا قرأت الآية إلى قوله: "لقضي بينهم في ما فيه" أدرك السامع أنّ اللفظة التي لم تُقرأ هي (يختلفون).
****
من دقائق اللغةالعربية ايضاً
التوبة وأختاها:
عند بعض أهل اللغة أنّ التوبة ثلاثة أقسام: الأوّل التوبة، والثاني الإنابة والثالث الأوبة، فمن يتب خوف العقاب فهو صاحب توبة، ومن يتب طمعاً في الثواب فهو صاحب إنابة، ومن يتب طاعة لله لا خائفاً من عقاب ولا طامعاً في ثواب فهو صاحب أوبة، وفي الآية الكريمة :نعم العبد إنّه أواب" يعني أيوب(عليه السلام).
********
الضوء والنور:
قالوا إنّ الفرق بين الضوء والنور أنّ الضوء شيء ذاتي قائم بالمضيء لذاته كضوء الشمس وأنّ النور شيء عرضي قائم بالمضيء لغيره كضوء القمر المستمد من ضوء الشمس، وقالوا أيضاً إنّ الضوء اسم للإشعاع، والنور اسم لأصل الإشعاع، فالضوء أتمّ من النور والنور أعمّ من الضوء وفي القرآن الكريم: "هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً”.
**
الصمت والسكوت:
السكوت ترك التكلم مع القدرة عليه وبهذا القيد يفارق الصمت؛ لأنّ القدرة على التكلم غير مشترطة إلى الصمت، فمن ضم شفتيه إنّما يكون ساكتاً ولا يكون صامتاً إلاّ إذا طالت مدة ضم الشفتين، وقيل إنّ السكوت إمساك عن قول الحقّ والصمت إمساك عن قول الباطل.
***
من دقائق اللغة العربية
لله دَرّهُ: يقال في المدح والدعاء (لله دَرّكَ رجلاً ومن رجلٍ) أي لله عملك الذي يستحق الثواب، ومعناه لله كثرة ما فيه من الخير، ويقال في الذمّ والدعاء على الرجل (لا درّ درّهُ) أي لا زكا عمله ولا كثر خيره.
هكذا: هكذا مركبة من هاء التنبيه وكاف التشبيه وذا الإشارية.
حادّ لا حادّة: إذا توفي زوج المرأة فلبست الحداد قيل (امرأة حادّ) ولا يقال حادّة.
أصلع ونزعاء: يقال (رجلٌ أصلع) أي ذو صلعة، ولا يقال امرأة صلعاء، بل نزعاء.
حيث إنّ: يقول بعضهم (حيث أنّ الأمر كذا) والواجب أن يقال (من حيثُ أنّ الأمر كذا).
على أنَّ: لم يفهم بعضهم معنى (على أنّ) في مثل قولك (على أنّهم غضبوا بلا سبب) فنقول إنّ على و مجرورها قبلها مبتدأ وخبر محذوفان فأصل العبارة (الحقيقة كائنة على أنّهم غضبوا).
تَحَدّى: يقال (تحّديتُ فلاناً في فعل) إذا باريته فيه ونازعته الغلبة، وتحدّيت الشيء تحرَّيته. أما بعض المعاصرين فإذا أرادوا تعقّب سقطات رجل وإظهار عيوبه قالوا (تحديناه) وهم يجهلون أنّهم بذلك يشهدون على أنفسهم بأنّهم يبارونه في فعله وينازعونه الغلبة فيا ويح هذه اللغة من بعضهم..
****
من دقائق اللغة العربية
الالتفات:الالتفات عند البيانيين هو الانتقال من كل من التكلم والخطاب والغيبة إلى الآخر على غير ما يقتضيه سياق الكلام، استزادة لإصغاء السامع وتفنناً في الحديث، وهو مأخوذ من التفات الإنسان إلى اليمين والشمال, قال فيه بعض البيانيين أنه ركن من أركان البيان والبلاغة فمن الانتقال من الغيبة إلى التكلم الآية الكريمة
(سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله)
.ومن الانتقال من خطاب النفس إلى خطاب الجماعة (ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون) ومن الانتقال من خطاب الغيبة إلى خطاب النفس (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتياً طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماءٍ أمرها، وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم).
ومن الانتقال من الخطاب إلى الغيبة قول أبي فراس الحمداني:
أما أنا أعلى من تعدون همـــــــــــــــةً
وإن كنــــــــت أدنى من تعدون مولدا
إلى الله أشكو عصبةً من عشيرتـــــــــي
يسيئون بي في القول غيباً ومشهدا
**
الآل والسراب:
(الآل) هو ما يبدو كالسراب ويكون في أول النهار وآخره، أما (السَرابُ) فهو ما يُرى في وسط النهار كأنَّهُ ماءٌ، وفي القرآن الكريم
(كسراب بقيعةٍ يحسبُه الظمآنُ ماءً حتى إذا جاءَه لم يجدْهُ شيئا).
**
الجنس والنوع:
(الجِنْسُ) الضربُ من كلّ شيء، وجمعه أجناسٌ وجنوسٌ، وهو أعم من (النوع) فالحيوان (جنسٌ) والإنسانُ (نوع) لأنه أخصّ من الحيوان، هذا قول المولّدين.
**
البخيل واللئيم:
البخيل هو الشحيح الذي يَضَنُّ بالفلس والرغيف على السائل، واللئيم هو الذي اجتمع فيه البخل والطمع، واقترنت الأثرَة بالدناءة.
**
من دقائق اللغة العربية
ليس في كلام العرب كلمة أوّلها واوٌ وآخرها واو إلاّ اسم هذا الحرف (و) فلذلك يجب أن يكتب كل مقصور أوّله واوٌ بالياء نحو (الوَصى، الوجى، الوغى) وكذلك ما كان ثانيه واواً من المقصور مثل (الهوى، النوى، الجوى).
وليس في كلامهم (فُعَالٌ) جُمعَ على (فَواعِل) إلاّ (دُخانٌ ودواخن، وعُثانٌ وعواثن)، والعُثان الغبار والدخان.وليس في كلامهم (أفْعَلَ فهو مُفْعَل) إلاّ ثلاثة (أحصَنَ فهو مُحْصَن) و(ألفَجَ فهو مُلفَج) و(أسهَب في الكلام فهو مُسهَب). وليس في كلامهم مقصور جُمِعَ على أفعلة إلاّ (قَفا) جمعوه على (أقفية) ولا اسم ممدود وجمعه ممدود إلاّ (داء) جمعوه على (أدواء).ولم يأت في كلامهم على وزن (مُفَيعِل) في غير التصغير إلاّ (مُهَيمِنْ، ومُسيطِر، ومُبَيْطِر) وكل (فعيل) يجوز فيه ثلاث لغات تقول (رجل طويل) فإذا زاد طوله قلت (طُوَال) فإذا زاد قلت (طُوّال) بواو مشددة.
*****
من دقائق اللغة العربية
التهكم: التهكم في اصطلاح البديعين هو أن يخاطب ذوو الرذائل المعجبون بأنفسهم بالتعظيم في موضع التحضير والوعد في موضع الوعيد، والتبشير في موضع التحذير على سبيل الاستهزاء بهم، من ذلك قول ابن الرومي في ابن حصينه وكان أحدبً:
فهي في الحسِ من صفات الهلالِِ
كـــــــــــــــوّن الله حدبةً فيك إن شئت
من الفضل أو من الأفضــــــــــــالِ
فـــــــــــــــــــأتت ربوةً على طود علمٍ
وأتت موجة ببحر نـــــــــــــــــــــــو الِ
ما رأتها النساءُ إلاً تمنّـــــــــــــــــت
لو غدت حِليةً لكلِ الرجـــــــــــــــــــال ِ
***
المدح في معرض الذم
المدح في معرض الذم هو أن يؤتى بلفظة ذم منفية، ويستثنى منها ما يوهم السامع أنّه داخل في حكم لفظة الذم المنفية، فمن ذلك قول النابغة:
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم
بهـــــــــــنَّ فلولٌ من قراع الكتائب
**
المواربة
المواربة لغة هي المداهاة والمخاتلة، وعند علماء البديع هي أن يأتي المتكلم بكلام يتضمن ما يُنكر عليه، فإذا وقع الإنكار استنبط المتكلم بحذفه وجهاً من وجوه الكلام يجنّبه اللوم أو الغضب، إمّا بأن يحرف لفظة أو يصحِّفها، وإمّا بأن يغيّر إعرابها.
ومن ذلك أنّه لما غرق شبيب الخارجي أتى عبد الملك بن مروان بعتبان الحروري الذي يرى رأي الخوارج، فقال له عبد الملك: أعدوّ الله ألَسْتَ القائل:
فإنْ يكُ منكم كان مروان وابنــــــــــــه
وعمـــــــــــر ومنكم هاشم وحبيبُ
فمنـــــــــا حُصَين والبُطين وقنــــــــــعبٌ
ومــــــــــــــــــنا أميرُ المؤمنين شبيبُ
فقال عتبان: لم أقل ذلك يا أمير المؤمنين فإنّما قلتومنا أميرَ المؤمنين شبيبُ) فأعجب عبد الملك بذكائه.
إنّ قوله (ومنا أمير المؤمنين شبيب) برفع أمير يعني أنّ شبيباً هو أميرُ المؤمنين وبنصب أمير يصبح المعنى خطاباً للخليفة.
***
عيون اللغة (افعل) التفضيل
لأفعل التفضيل حالات منها أن يكون مجرداً عن الألف واللام وفي هذه الحالة يجب أن تتصل به ( مِنْ) لفظاً أو تقديراً ويكون المفضّل عليه مجروراً بها كقولك( سعيدٌ أكرم من سليم)
وقد تُحذف مِنْ ومجرورها إذا دلّ عليهما دليل، ففي القرآن الكريم ( أنا أكثر منك مالاً وأعزُّ نفرا) أي أعز منك نفرا. والحالة الثانية لأفعل التفضيل هي أن يكون مضافاً وفي هذه الحالة لا تصحبه(مِنْ)، والحالة الثالثة أن يكون مقروناً بالألف واللام وفيها يمتنع أن يقترن بمِنْ فلا يقال ( خالدٌ الأفضل من عامر) ويجب في (أفعل) المقرون بالألف واللام أن يطابق ما قبله تذكيراً وتأنيثاً وإفراداً وتثنيةً وجمعاً. أما إذا كان ( أفعل) غير مقصود به التفضيل وجبت مطابقته لما قبله ولا يستعمل غيرها كقولهم ( الناقصُ والأشجُ أعدلا بني مروان) فالمراد( عادلا بني مروان) ، ولم يقصد بأعدلا التفضيل ، وفي القرآن الكريم( وهو الذي يبدأ الخلقَ ثم يعيده وهو أهونُ عليه) أي هو هيِّنٌ عليه،( وربكم أعلم بكم ) أي عالمٌ بكم، ومنه قول الفرزدق:
إنَّ الذي سمكَ السماءَ بنى لها
بيتاً دعائمه أعزُّ وأطولُ
أي دعائمه عزيزةٌ طويلة ولم يرد تفضيلها على السماء.
تحياتي
وللامانة الموضوع كان مكتوب باسم
علي ابراهيم