لأيام الشتاء البارد حكايات قديمة مازالت بعض خيوطها معلقة في اذهان كبار السن الذين يحاولون تفسير الظواهر الطبيعية طبقا الى لثقافتهم الاجتماعية،
واحيانا يطلقون العناء لخيالهم الخصب في سرد وتأويل الاشياء بروحية فيها نوع من الغرابة المغمسة بالطرافة وعادة تبدأ هذه الحكايات حول موقد النار حتى اخر قطعة خشب وهي اشارة لساعة النوم، حيث زمن البساطة والعفوية. لبعض الحكايات موروث تاريخي يمتد لالاف السنين، كما يقول الباحث حسام علاء الدين ماجستير في آداب اللغة العربية: قد يتصور البعض ان (برد العجوز) هو حكاية من الادب الشعبي المعاصر الذي لايتجاوز المائة عام او اكثر ،والحقيقة عكس ذلك ان هذه الحكاية قديمة جدا ترجع باصولها الى العصر الجاهلي، ومفادها ان امرأة عجوز ارادت الزواج بعد وفاة زوجها فكره ذلك اولادها واشترطوا عليها من اجل الموافقة المبيت سبع ليالي في العراء، فمات هذه المرأة دون تحقيق رغبتها، حتى الشاعر في الموضوع:
بصن وصنبر ووبر معلل بمطفىء حمر امر نعم مؤتمر تولت عجوزا قب احدها شباب ربيع يانع نضر
ومن الحكاية يمكن معرفة ان ايام البرد هي سبعة وهي تقريبا في نهاية فصل الشتاء .ويضيف علاء الدين: اما (الجله الخرسه) هي اشد ايام الشتاء بردة وهي قد تكون مأخوذة من (الجلة) عند المتصوفة الذين عليهم الخلوة واعتزال الناس (40) يوما، اما بخصوص (جويريد) فق جاء من تجرد الشجر من الاوراق والثمر للقساوة برودته. لشهر شباط هو اواخر ايام الشتاء حكايات وامثال مازال البعض يرددها، كما يقول عبد الكريم اللامي باحث في التراث الشعبي: الذاكرة الشعبية العراقية مفعمة بالكثير من الحكايات والامثال التي تدل على سيادة نوعية من الثقافة، فنسمع من كبار السن ان هذه هي ايام (برد العجوز) وهي تصيب العظم واللحم و(جويريد) و(الجله الخرسه) و(شباط الازرق) وغيرها، واعتقد ان هذه التسميات جاءت نتيجة لتجربة معينة ثم تناقلها جيل بعد جيل، ربما يكون شباط من اكثر شهور الشتاء اثراءا في الامثال الشعبية منها:(شباط حضر للجسر رباط) وحكاية هذا المثل ان شباط شهر يكثر فيه المطر والفيضانات، لذا يجب الاستعداد بربط الجسور بقوة خوفا عليها من الانخراف لانها كنت مصنوعة من الخشب.كان لليالي الشتاء الباردة خصوصية عند اغلب العوائل العراقية حيث تلزم دورها وتقضي الوقت بقرب (منقلة) الفحم وجلسات السمر وحكايات الاجداد لاحفادهم، الحاجة سعدة لازم من اهالي منطقة باب الشيخ سابقا تقول:
اتذكر جيدا كيف كنا نلتف حول جدتي رحمها الله وهي تقص لنا حكايات (ابو زيد الهلالي) و(عنتر وعبلة) و(السعلوة) و(الطنطل) وغيرها، اما جدي بعد صلاة المغرب يذهب في (تعلوله) مع بقية اهالي الطرف في المقهى.نسسج الكثير من الحكايات حول الشتاء لها مدولات وحكم، كما يقول الحاج وهاب الكناني: الناس يحاولون تجنب برد الشتاء القارس خصوصا في شهره الاخير حيث يوحي اعتدال الجو بان الشتاء قد ذهب دون عودة، وهناك حكاية طريفة عن امراة لها بقرة وحيدة وتعتز بها جدا، وقد غرى نهار شباط الدافىء ان تترك بقرتها في المرعى (المراح) حتى اليوم التالي، فوجدتها ميتة من البرد، فقال هذه المرأة (لاتكول شباط راح شباط نايم بالمراح)، وايضا هناك (هوسه) تقول (عرس علول بشاط الازرك) حيث يسمة بالازرق لبرده الشديد.نسمع المثير من المصطلحات الشتائية على لسان الكبار قد لايفهما جيل اليوم، كما يقول زيد كريم مدرس لغة عربية: (جويريد) و(الجله الخرسه) و(شباط الازرك) هي من مفردات جيل له خصوصية تتمثل في تفسير الظواهر الطبيعية، مثلا دائما كنت اسمع جدتي رحمها الله تقول هذه ايام (جويريد)او (الجله الخرسه) او (برد العجوز)وقد تكون هذه المفردات لاتعني شيئا لجيل اليوم، ولكنها بحد ذاتها تشكل عمقا تاريخيا يمتد لالاف السنين، وعندما سألت جدي عن هذه التسميات قال لي (جويريد) سمي بهذا الاسم لانه يجرد الاشجار من الثمار والاوراق، اما (الجله الخرسه) فهي جاءت من بردها الشديد الذي يكمم افواه بعض النساء المعروفات بالثرثرة اما (برد العجوز) فقصتها مشهورة في كتب التاريخ حول امنية عجوز لم تتحقق وكيف وجدت مية بسبب البرد، ويضيف كريم: ان مثل هذه الحكايات ذات نهكة نفتقدها اليوم، حيث تسود البساطة وتجمع العائلة حول المدفأة بدون كهرباء ولا تلفزيون انيسها ( استكان) الشاي الحار والحكايات القديمة .
عبد الكريم ابراهيم
منقول