هذا هو الاحساس المحمدي الحيدري الفاطمي الحسني الحسيني
أنا أحسدكِ على صدق مشاعركِ
وبقي ( عليه السلام ) صامداً كالجبل ، يتلقى الطعنَات من كل جانب ، ولم يُوهَ له ركن ، وإنما مضى في أمره استِبْسَالاً واستخفافاً بالمنية .
وقال أحد شعراء أهل البيت ( عليهم السلام ) :
فَتلقَّى الجُموعَ فرداً وَلكنْ
كُل عُضوٌ في الرَّوعِ منه جُموعُ
رُمحُه مِن بنَانِه ، وَكأنَّ من
عَزمِهِ حَدُّ سَيفِه مَطبوعُ
زَوَّجَ السَّيفَ بالنفوسِ وَلكنْ
مَهرُها المَوتُ وَالخِضَابُ النَّجِيعُ
ولما سقط ( عليه السلام ) على الأرض جريحاً وقد أعياه نزف الدماء تحامى الجيش بأسره من الإجهاز عليه رعباً وخوفاً منه( عليه السلام ).
وقد صوَّر الشاعر ذلك المشهد بقوله :
عَفيراً مَتى عَايَنَتْهُ الكُمَاة
يَختَطِفُ الرُّعبُ أَلوَانَها
فَما أجلَت الحَربُ عَن مِثلِهِ
صَريعاً يُجَبِّنُ شُجعَانَها
وتغذى أهل بيته وأصحابه ( عليهم السلام ) بهذه الروح العظيمة ، فتسابقوا إلى الموت بشوقٍ وإخلاص ، لم يختلجْ في قلوبِهم رُعب ولا خوف ، وقد شَهدَ لهم عَدوُّهُم بالبَسَالة ورباطة الجأش .
فقد قيل لرجل شَهدَ يوم الطفِّ مع عمر بن سعد : وَيحك ، أقَتَلتُم ذُرِّيَّة رَسولِ الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟!!
فاندفع قائلاً : عَضَضْت بالجندل ،
إنك لو شهدتَ ما شهدنا لَفعلتَ ما فعلنا ،
ثارت علينا عِصابةٌ ،
أيديها في مَقابِض سيوفِها كالأُسُود الضارِية ،
تحطم الفرسان يميناً وشمالاً ،
وتُلقي أنفسَها على الموت ،
لا تقبلُ الأمانَ ،
ولا تَرغبُ في المال ،
ولا يحولُ حائِلٌ بينها وبين الوُرودِ على حِياضِ المَنِيَّة ،
والاستيلاءِ على المُلك ،
فَلَو كَفَفْنَا عنها رُوَيداً لأتَتْ على نفوس العسكر بِحذافيرِه ،
فَما كُنَّا فاعِلين ؟!!
لا أُمَّ لَك !! .
ووصف أحد الشعراء هذه البسالة النادرة بقوله :
فَلو وَقَفَتْ صُمُّ الجبال مَكانَهم
لَمادَتْ عَلى سَهلٍ وَدَكَّت على وَعرِ
فَمِن قائمٍ يَستعرضُ النَّبلَ وجهُهُ
وَمِن مُقدِمٍ يَرمي الأَسِنَّة بِالصَّدرِ
وما أروع قول السيد حيدر الحلي :
دَكُّوا رُبَاها ثُم قالوا لَها
– وَقد جَثَوا
– : نَحنُ مَكانَ الرُّبَا
فقد تحدَّى أبو الأحرار ( عليه السلام ) ببسالته النادرة الطبيعةَ البشرية ،
فَسخَر من الموت ،
وهَزأ مِن الحياة .
وقد قال ( عليه السلام ) لأصحابه حينما رأى سهام الأعداء تُمطِر عليهم : ( قُومُوا رَحِمَكُمُ اللهُ إلى المَوتِ الذي لا بُدَّ منه ، فإنَّ هذه السِّهام رُسُل القَومِ إِليكُم ) .