أمي لاتحبني “لاتسمعني” “لاتفهمني” عبارات ترددها بعض الفتيات، وتتجاهلها كثير من الأمهات اللاتي يكتفين بالإغداق عليهن بالعطايا، ولكن هل يكفي ذلك دون أن يتفهمن شخصياتهن ويبنين جسورا من الثقة والصداقة معهن ؟
العلاقة بين الأم وأبنائها تتعرض كثيرا للمد والجزر لكنها تطورت كثيرا عن السابق حيث كانت أغلب الأمهات غير متعلمات ولايحسن التواصل مع أبنائهن لاسيما البنات، فكانت البنت تواجه الكثير والأم لاتدري، أما الآن فقد ساهم الإعلام في زيادة وعي الأمهات فأصبحن أكثر قراءة ودراية بما يدور في عالم الفتيات، وتعلمت الأم كيف تتقرب من ابنتها. لكن شكوى بعض البنات من سوء العلاقة بأمهاتهن قد تعود إلى كثرة الأعباء الملقاة على كاهل الأم وتعدد أدوارها. فحجم الضغوط التي تتعرض لها كبيرة والأولويات تتباين واحتياجات الأبناء تتزايد فلا تستطبع أن تلبي كل ما يطلب منها. في الماضي كانت الأم بجوار ابنتها لايشغلها عنها تطلعات مادية وطموحات وظيفية أما الآن فكثير من الأمهات
انشغلن عن تربية بناتهن ومصادقتهن ومنهن من تركتهن للخادمات ثم تعوض تقصيرها بتلبية رغباتهن المادية مما عودهن على اللإتكالية وعدم تحمل المسؤولية، ومنهن من انشغلت بالصديقات والأسواق، وغيرها مما أفقدها فراسة الأمومة فلم تعد “كالرادار” الذي يستشعر الخطر قبل أن يلحق بابنته.
وتتهم بعض الأ مهات بتقصيرهن تجاه بناتهن لاسيما المراهقات، فالمرأة المعاصرة تعلمت لكنها لم تتلق أي تدريب أو ثقافة تؤهلها لتصبح زوجة وأما فجوة الخصائص النفسية للبنت في مرحلة المراهقة تجعلها تتجنب الجنس الأخر بمن فيهم ابوها فهي تتأثر بامها وتحاكيها في كل شئ و تعتبرها مرجعيتها في جميع شؤونها وخصوصياتها، ففي تلك الفترة الحرجة تتعرض البنت للعديد من التغيرات الجسمية والنفسية فلا ينبغي ان تكون الأم من العوامل التي تجتمع على ابنتها في هذه المرحلة بانشغالها أو عدم تفهمها وضيق أفقها، فالابنة في أمس الحاجة إلى من يفتح لها صدره ويصغي إليها ويحاورها ويناقشها باحترام, ومنحها الفرصة للتحدث والتعبير عما تشعر به، وهي أحوج ما تكون إلى اهتمام الأم ومحبتها التي تمنحها الإحساس بالأمن والطمأنينة والسعادة.
فالصداقة توجيه ومرافقة ومحبة تزيل الحواجز وتقرب المسافات بين الأمهات وبناتهن، فلا يشعرن بأي حرج من أن يستشرن أمهاتهن فيما يتعرض لهن من أمور، فإذا كانت الأم متفهمة وقريبة من ابنتها مرّت هذه المرحلة بسلام وإن كانت بعيدة عنها وقاسية عليها ستتحول العلاقة بينهما إلى حرب وصراع وقد تفقد كل منهما الأخرى.
عدم التوافق بين الأم وابنتها يجعل البنت تبحث عن بديل فتلجأ إلى من يستمع لها وقد يكون شخصا لايملك مقومات التوجيه وليس اهلا للنصيحة وقد تدمن مشاهدة التلفاز أو النت وغيرها من العادات السيئة.
إن صداقة الأم لابنتها تكشف لها قدراتها ومواهبها الحقيقة ودرجة نضجها العقلي والنفسي ,وبذلك تساهم الأم في وقاية ابنتها من الأمراض النفسية والمشكلات الانحرافية .
لتقليل الفجوة بين الأم وبنتها فالأم مدعوة أن تتسم بسعة الأفق ورحابة الصدر فتتقبل ابنتها حتى لو أخطأت وتوجهها دون عنف وبطرق غير مباشرة بضرب المثل والقدوة مع اتباع منهج الصراحة والمكاشفة ومراعاة التوازن فلا مرونة تصل إلى الضعف ولاشدة تصل إلى القسوة ,مع ضرورة تفهم خصائص المرحلة العمرية التي تمر بها البنت والضغوط التي تتعرض لها والثقافات المختلفة التي تطلع عليها, وأن يكون لديها القدرة على اختزال الزمن , بأن تفكر بطريقة ابنتها وتراعي زمنها وتطلعاتها وطموحاتها وأفكارها وأسرارها ,وتستمع لهافي هدوء وإصغاء ولاتعتبر نفسها من جيل آخر ,فتغيرات المجتمع تسري عليهما سوياّ،فالأم مرت بكل ما تمرّ به البنت ,لذا لابد أن تفتح الأم بابا واسعا للحوار مع ابنتها وتعطيها هامشا واسعا من الحرية وتبني في نفسها الثقة بها واللجوء إليها ,وتشاركها مشاعرها واهتماماتها وتساعدها في حل مشكلاتها وتلبية احتياجاتها دون إفراط .فالإستمتاع بأوقات الفراغ وممارسة بعض الأنشطة مع الابنة كمشاهدة التلفاز أو قراءة قصة أو الخروج للنزهة يقوي العلاقة بين الأم وابنتها مع تقديم القدوة الحسنة في الأخلاق والسلوك.ولكي تكسب الأم ودّ ابنتها يجب أن يكون هناك تقارب بينهما وتبادل للرأي والمشورة فتقدم الأم لابنتها الخبرات التي تعدها أماّ للمستقبل وتتعرف إلى صديقتها وأسرهن وتعطيها قدرا من حرية الإختيار,وإذا حدث خلاف بينهما تناقش مع ابنتها بودّ وتقنعها بأسلوب منطقي وتشركها معها في الأعمال المنزلية وتشاركها في هوايتها,مع التركيز دائما على محاسنها وصفاتها الجميلة ومواقفها الطيبة حتى لو كانت نادرة,ونعتمد على أسلوب التشجيع كأساس لتقويمها مع استخدام المكافآت المختلفة.
مع تحيات
رضا العراقي
سأكتبُ ما في قلبي سطوراً
لو كتبت بالدموع لامتلأت بحوراً