مازال هناك من يعتقد أن إنجاب البنات مصيبة وهمٌّ حتى الممات، لكن لِمَ يعتقد البعض أن خلفة الصبي أفضل من الفتاة؟ ولمَ يفضّل بعض الآباء أن يرزقوا بالأولاد وليس بالفتيات؟ هل يعود ذلك إلى أفكار موروثة سيطرت على نفوس الجميع منذ ولاداتهم؟
أم إنها مرتبطة إلى حدّ ما بالمجتمع الذكوري الذي يسيطر علينا ولا نستطيع الفكاك منه؟ وهل يختلف الأمر من فرد لآخر أم إن الجميع يفرح بخبر الصبي ويمتعض لخبر الفتاة؟
الشيخ هشام سليم: الإسلام لم يفرق بين ذكر وأنثى فالكل فيه سواء
موظفة: بنية الفتاة ضعيفة ولا يمكنها الدفاع عن نفسها
مخرج: بعد ولادة ابنتي شعرت بأنني أمتلك الدنيا
عالم اجتماع: فكرة التفريق بدأت تزول في المجتمعات المتطورة
تربية صعبة
تقول فاطمة الزين «52 عاماً ـ ربة منزل» وهي أم لابنتين: «لم أكن أشعر بأنني أريد صبيّاً في حياتي إلا بعد طلاقي فعندها شعرت بأنني أتمنى لو كان لديّ صبيّ كي يقف إلى جانب أخواته البنات،
وإلى جانبي ويساندني ولا يجعلني أشعر بأنني في حاجة إلى أحد، فالزمن وخوفي منه هو الذي جعلني أشعر بأنني أريد صبيّاً في حياتي. وهذا هو السبب الوحيد الذي يجعلني أتمنى أن يكون لديّ صبي، لكنني وخلال تربيتي لابنتيّ اعتمدت طريقة مختلفة عن الآخرين فعلّمتهما الثقة والاعتماد على نفسيهما كي تستطيعا مواجهة العالم مع محافظتهما على أنوثتهما.
ومن خلال تجربتي لم أشعر يوماً بأن تربية البنات أمر مزعج بل على العكس، إنها ممتعة وجميلة لأن الحنان الموجود بداخل الفتاة لا يمكن أن نجده عند الشاب.
ولكن تربية الفتيات صعبة جداً لأنهن في حاجة إلى مراقبة كبيرة ومتابعة،
ونحن في مجتمع شرقيّ عليهنّ المحافظة فيه على أخلاقهن وعلى كرامتهن من دون مسّ أي خطوط حمراء، ومن يقول إن في مجتمعنا انتهت فكرة التمييز بين الفتاة والصبي فهذا أمر خاطئ لأننا شرقيون بطبعنا ونعطي امتيازات للرجل مختلفة عن تلك التي نمنحها للمرأة».
فكرة بطلت
من ناحيتها، لا تجد آمال بو درويش «56 عاماً ـ موظفة» فرقاً بين الصبي والفتاة، إذ برأيها أن الفرق يكون من خلال طباع الشخص لا جنسه. أمّا عن تجربتها كأمّ فتقول إنها خلال حملها الأول كانت تتمنى أن ترزق بفتاة ليس بسبب حبّها للفتيات بل بسبب أن الفتاة يمكن تدليلها أكثر،
لكن بعد أن عرفت أنها سترزق بمولود صبي فرحت لأنها سترتاح من فكرة إنجاب الصبي لأن المجتمع سيبقى يقول لها إنها يجب أن ترزق بالصبي كون هذه الفكرة مسيطرة على المجتمع الشرقي إلا أن هذه الفكرة بدأت تتلاشى مع الوقت واليوم لم يعد هناك تركيز على هذا الأمر،
كما كان قبلاً خاصة عند فئة المتعلّمين والمثقّفين الذين بدأوا يدركون أهمية الفتاة في المجتمع، ومن خلال تجربتها كونها رزقت بصبيين وفتاة تقول إنها خلال تربيتها لم تشعر بأي فرق بين الفتاة والصبي، بل الفرق كان في اختلاف طباع كل ولد على حده، ولا تعتقد أن تربية الفتاة أصعب.
بنية ضعيفة
فيما تقول سناء منيمنة «50 عاماً ـ موظفة» وهي أم لصبيين إنها كانت منذ البدء تفضّل أن ترزق بالصبيان لا البنات، وذلك بسبب اقتناعها بأن تربية الصبي أسهل بكثير من الفتاة خاصة في مجتمعنا،
فالعار مثلاً يلحق بالفتاة لا بالشاب، والفتاة معرّضة لكثير من الأمور المخيفة أكثر من الشاب، كما إن الفتاة صاحبة بنية ضعيفة لا يمكنها الدفاع عن نفسها، وتتمنى أن يرزق أولادها بالصبيان لا الفتيات ليرتاحوا في حياتهم ولا يشعروا بأنهم محاطون بالخطر كلّما خرجت ابنتهم من المنزل.
معتقدات خاطئة
من جهته، يقول محمد رمال «37 عاماً ـ مخرج فني»: «كنت شخصياً من الرجال الذين يفضّلون أن يرزقوا بصبي لا فتاة، ولكن بعد ولادة ابنتي شعرت بأنني أمتلك الدنيا وأنها كل الدنيا بالنسبة لي،
لذا شعرت منذ ذلك الحين أنني كنت مخطئاً في معتقداتي بشأن الصبي والفتاة، وهذا أمر لا يمكننا التحكّم فيه إلا بعد الخبرة والتجربة في وقت واحد. لكننا اعتدنا منذ ولادتنا على سماع أن الفرحة تكون بسماع خبر ولادة الصبي لا الفتاة».
الصبي سند
ولطارق بكري «40 عاماً ـ موظف» رأي آخر فيقول: «مازلت أؤمن بأن الصبي هو سند والده ولا أعتبر أن هذا اعتقاد خاطئ، فأنا سند والديّ وليس شقيقاتي،
كون الفتاة تنصرف لزوجها وأولادها لكن الرجل يبقى إلى جانب والديه ويهتمّ بهم وبمصروفهم ويمدّ لهم يد العون. لذا فإنني أفضّل ولادة الصبي على الفتاة».
الإسلام يرفض التفريق
يقول المدير العام للأوقاف الإسلامية الشيخ هشام سليم: «إن التفريق بين ذكر وأنثى في الولادة هو أمر مرفوض إسلامياً وفي الآية الكريمة: «لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ 49 أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ 50» سورة الشورى،
ثم إن الخير كل الخير في ولادة أنثى كما أخبر الرسول الأكرم، لذلك لا يرجع هذا الأمر إلى معتقد ديني، خاصة أن الإسلام لا يفرّق بين ذكر وأنثى بدليل أن الدين الإسلامي أعطى المرأة حقوقها كاملة ولم ينقص من حقوقها شيئاً،
فالإسلام دين لا يعرف التفريق بين الذكر والأنثى، والكل فيه سواسية كأسنان المشط ولا يميز أحدهما عن الآخر إلا عمله،
كما إن الإسلام سوّى بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات، وحدد لكل منهما ما يستطيع أن يفعله، فكلف الإسلام الرجل بالعمل والسعي لكي ينفق على المرأة ويسكنها ويطعمها وكل ذلك بالمعروف، وأمر المرأة بأن تقوم على شؤون بيتها وتربية أولادها، لذلك فإن الدين الإسلامي أعطى لكل منها ما يناسب طبيعته،
ومن الآيات القرآنية التي ذكرت المساواة قوله تعالى: «وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا» سورة النِّسَاءِ: 124، كما إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إنما النساء شقائق الرجال».
سيطرة المجتمع الذكوري
يرى اختصاصي علم الاجتماع د.طلال عتريسي أن ما يسيطر على مجتمعاتنا العربية مبدأ المجتمع الذكوري، فالنسب لا يكون إلا للرجل، والرجال يملكون سلطة على نسائهم، كما إنه يحقّ للرجل ما لا يحق للمرأة،
كل هذه الأمور جعلت فكرة ولادة الصبي هي الأساس، وهي المراد، كما إن الفرحة في البيوت لا تكتمل إلا بخبر ولادة الصبيّ لأنه ولي العهد المنتظر، وكل ذلك يعود إلى موروثات اجتماعية قديمة لا يمكن تبديلها ولا تغييرها،
علماً أنه ومع التطوّر الحاصل اليوم ومع ما استطاعت المرأة أن تصل إليه في مجتمعاتنا تغيّر الأمر وتبدّل وأصبحت النظرة إلى ولادة الصبي مختلفة عن السابق. لكن تبقى هذه الفكرة مسيطرة على المجتمعات المهمّشة والفقيرة، ونجدها بنسبة خفيفة عند المجتمعات المتعلّمة والغنية،
فيما تنعدم عند المجتمعات المثقّفة التي بدأت تدرك دور المرأة البارز، فاليوم لم تعد ولادة الفتاة كما السابق ولم يعد دور الفتاة محصوراً في الإنجاب والزواج، بل أصبحت المرأة تتبوأ مراكز مهمّة في المجتمع،
لذلك يمكن القول إن هذه الفكرة كانت موجودة كثيراً في السابق لكنها شيئاً فشيئاً بدأت تزول في المجتمعات المتطورة.
روتانا