الخطة الأمريكية لإغتيال الأمم
لو تحدث باحث أو مؤرخ عن إمكانية إبادة سكان القارة الكندية المعروفة بـ “الأمريكية”، قبل أن تتم إبادتهم، لأتهم بالجنون، ولما صدقه أحد. غير أنّ التاريخ يسجل إبادة خُمس سكان كوكب الأرض تقريباً خلال القرن السابع من الألفية الماضية؛ ذلك أنّ سكان قارة من بين خمس قارات دون مبالغة أبيدوا عن أخرهم. حيث لم يتبق منهم سوى مئات الالاف جمعوا في محميات أشبه ما تكون بمحميات كائنات مهددة بالانقراض، بل إنّ هذا النوع من المحميات يمنح في العادة عناية تفوق حتماً العناية بمحميات السكان الأصليين للقارة الكندية “الأمريكية”، والذين تسموا زوراً بالهنود الحمر. تقول الروايات بأنّ السكان الأصليين كانوا يؤمنون بأساطير تتحدث عن ألهة بيضاء تأتي من الشرق تخلصهم من كافة الشرور والخطايا والأرجح أنّ تكون هذه الأساطير من نسج البحارة الأوربيين الذين كانوا يعدون العدة لغزو قارتهم. فكانوا يجمعون الذهب والمعادن الثمينة ليقدموها كقرابين لتلك الآلهة حال ظهورها.
وكافة المؤشرات تشير إلى أنّ أحفاد قتلة سكان القارة الأمريكية، قد وجدوا الفرصة السانحة عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، للالتفات إلى بقية سكان الكوكب، وأنّهم يعدون الخطط والسيناريوهات للتخلص منهم كما تخلصوا من سكان القارة الكندية “الأمريكية”.
المستوطنون البيض واغتيال أمم القارة الكندية “الأمريكية”:
تقول الروايات أنّ عدد سكان القارة الكندية “الأمريكية” عند وصول كولمبس للقارة يتراوح بين الـ 90 مليون و112 مليون
، أباد جلهم الآباء المؤسسون للولايات المتحدة، وشاركهم في حملات الإبادة بقية المستوطنين البيض، عن طريق استخدام الأسلحة النارية التي لم يعرفها سكان القارة المعزولة، وعن طريق الاسلحة البيلوجية: كالجدري والحصبة، والطاعون والكوليرا، والتيفوئيد والدفتريا، والسعال الديكي والملاريا وغيرها. وكذلك عن طريق الخداع؛ ذلك أنّ المستوطنين الأوائل كانوا ينتزعون أراضي سكان القارة باستراتيجية القضم، وينتزعون معها أرواح ساكنيها؛ حيث قدموا أنفسهم أول الأمر على أنّهم مسالمون وتجار، ويرغبون في الحصول على قطعة أرض، يقيم فيها عدد منهم، ليسافر الأخرون لإحضار السلع الصناعية من بلدانهم الأصلية، ليتبادلوها معهم. وما أن تحصلوا على قطعة الأرض الأولى، حتى صاروا يجهزون لمد سيطرتهم على الأراضي المجاورة، وما أن قدم مهاجرون جدد وتحصلوا على المزيد من الأسلحة النارية، حتى هاجموا السكان الأصليين، وانتزعوا منهم المزيد من الأراضي التي تؤهلهم قوتهم آنذاك للسيطرة عليها، ثم عقدوا معهم اتفاقاً يقضي بعدم الاعتداء، والاكتفاء بما حصلوا عليه من أراضي. واستمروا في ممارسة نفس التكتيك القاضي بأنّهم ما أن يتحصلوا على مهاجرين جدد وأسلحة جديدة، حتى يمزقوا الاتفاق السابق مع السكان الأصليين، ويهاجمونهم طلباً للمزيد من الأراضي. وما أن يتحصلوا على الأرض التي تكفيهم حتى يعقدوا اتفاقاً أخر، ليعودوا لنقضه عند زيادة عددهم وعدتهم، إلى أن أتوا على كامل أراضي القارة وساكنيها. وفي فترات الصلح والسلام مع الهنود يوزعون عليهم هداياهم، المتمثلة في معدات ملوثة بالجراثيم ليقلصوا أعدادهم. ولم يقتصر ممارسة سياسات الإبادة الجماعية لسكان القارة المعزولة، على الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، بل مارسها أيضاً الأسبان في جنوب القارة. ودون القس الأسباني برتولوميو دي لاس كاساس في كتابه “مذبحة الهنود الحمر، العديد من المذابح الوحشية التي أوقعها الإسبان بالسكان الأصليين في جنوب القارة المعزولة.
ولم تتوقف حملات الإبادة ضد السكان الأصليين حتى تم التخلص منهم نهائياً. حيث تتحدث الروايات عن إبادة 112 مليون إنسان ينتمون إلى أكثر من 400 أمة وشعب، كانوا يملأون أرجاء القارة الكندية “الأمريكية”، لم يبق منهم في إحصاء مطلع القرن العشرين الماضي سوى ربع مليون، كانوا ضحية حوالي ثلاثة وتسعين حرباً جرثومية، وألاف الهجمات والحروب التقليدية التي شنها المستوطنون البيض بالسلاح الناري وهو ما أدى إلى إستئصالهم من القارة. كتب القائد الإنجليزي العام اللورد جفري أمهرست عام 1736 أمرا إلى مرؤوسه الكولونيل هنري بوكيه يطلب منه أن يجري مفاوضات سلام مع الهنود الحمر، ويهديهم بطانيات مسمومة بجراثيم الجدري من أجل “استئصال هذا الجنس اللعين!
ومن بين الوقائع الصادمة والجديرة بالوقوف عندها، أنّ السلطات الأمريكية كانت تفرض التعقيم الإجباري على نساء السكان الأصليين للقارة إلى غاية العام 1980 وذلك بهدف إيقاف توالدهم والحد من تزايد أعدادهم. وسندعوا سلسلة الخدائع للسكان الأصليين في القارة الكندية “الأمريكية” بالخدعة الأولى.
خطط ما بعد الاغتيال الأممي الأول:
ما أن تمكن المستوطنون من اغتيال أمم القارة الكندية “الامريكية”، حتى انقلبوا على الامبراطورية البريطانية التي أتوا منها، والتي دعمتهم بالرجال والسلاح والمؤن، وسميت خيانة المستوطنين لأمتهم وإمبراطوريتهم زوراً بحرب الاستقلال!
وتصوروا معي ماذا لو قاتل المستوطنون والجنود الفرنسيين، الذين كانوا يحتلون الجزائر امبراطوريتهم الفرنسية ليستحوذوا على خيرات الجزائر، أكان يمكن للعالم أن يقبل تسميتها بحرب الاستقلال؟ إنّها الخديعة الكبرى للأمريكيين، وللامبراطورية البريطانية، وللسكان الأصليين للقارة بل وللعالم. وما أن نجحت الخديعة الثانية حتى بنى أولئك القتلة والسفاحون، الذين كان معظمهم ينتمون لعصابات الجريمة، والذين كانوا يقضون عقوبات في السجون البريطانية – قدر أحد المصادر الذين أرسلوا من السجون بحوالي 50000 سجين-
والمغامرون والباحثون عن الذهب والمعادن الثمينة، فيما سموه العالم الجديد، دولة من القتلة والسفاحين، التي ما أن تمكنت من دحر جنود الامبراطورية حتى تفرغ بناتها لبناء القوة ليأتي اليوم الذي يفرغون فيه القارات الأخرى من ساكنيها. وبادروا لتوهم لاستهداف القارة الأفريقية ليحصلوا منها على العبيد والقوى المنتجة، فأرسلوا سفنهم لإصطياد السود، وشحنهم عبر سفن الموت، التي كان فيها السود يقيدون بالسلاسل في أيديهم وأرجلهم ورقابهم، ويجبرون على الأكل بأفواههم كالحيوانات، بل وتلقى أعداد منهم في البحر أحياء، أمّا بسبب المرض، أو عدم الانصياع للأوامر، أو عند تعرض السفينة للغرق بسبب تقل الحمولة، أو بسبب العواصف واضطراب البحر.
غير أنّ السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو كيف انتظر هؤلاء القتلة كل هذه الفترة قبل أن يشرعوا في إفراغ قارة أخرى من ساكنيها؟
لقد أدرك هؤلاء القتلة بأنّهم سيدفعون ثمناً باهظاً لاغتيال أمم قارة أخرى، إذا لم يمتلكوا سلاحاً نوعياً يختلف عن اسلحة تلك الأمم، كما كان دور السلاح الناري حاسماً في تمكينهم من اغتيال أمم القارة الكندية “الأمريكية”، وهو ما اكتسبوه عند حصولهم على السلاح النووي، فضربوا به بلاد النيهون “اليابان” حتى دون الحاجة إلى استخدامه، واستخدموه فقط ليقولوا للعالم: إننا سادة العالم الجدد، وإنّ الأمم التي لن تستسلم لنا سيكون مصيرها كمصير النيهونيين “اليابانيين”، غير أنّ امتلاك الاتحاد السوفيتي للسلاح النووي، حال دون أولئك القتلة والشروع في خططهم لتفريغ القارات من ساكنيها والسيطرة عليها.
الاغتيال الاقتصادي للأمم:
ساهم امتلاك الاتحاد السوفيتي للسلاح النووي، في إنقاد سكان الكوكب من مصير السكان الأصليين للقارة الكندية “الأمريكية”، وسكان هيروشيما ونجازاكي. وجعلهم يستخدمون تكتيكات أخرى سماها جون بركنز بالاغتيال الاقتصادي للأمم؛ ركزوا فيه على نهب ثروات العالم، من خلال فرض خطط اقتصادية على البلدان الأضعف تخدم الاقتصاد الأمريكي، وتمنح شركاتهم المتعددة الجنسية السيطرة المطلقة على المشروعات الاستثمارية في تلك البلدان
غير أنّه يسجل لحقبة الحرب الباردة ظهور تشريعات أممية تحترم سيادة الدول، وتدعوا إلى عدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهو ما مكن بعض البلدان النامية من تسجيل معدلات نمو هائلة، وأنقذتهم من سياسات الاغتيال الاقتصادي للأمم، والتي تخللتها سياسات اغتيال الحكام الخارجين عن بيت الطاعة الأمريكي، والمعترضين على سياسات الاغتيال الاقتصادي لأممهم، وتدبير الانقلابات العسكرية ضدهم، ولعل أشهر تلك الاغتيالات: هو اغتيال عمر توريخوس رئيس بنما، وأشهر الانقلابات هو الانقلاب على أليندي رئيس تشيلي.
سياسات تعقيم سكان الكوكب:
كشف د. منير العكش أستاذ الإنسانيات واللغات الحديثة، ومدير البرنامج العربي في جامعة سفك في بوسطن في الولايات المتحدة، منير العكش، في كتابه المعنون “أمريكا والإبادات الجنسية : 400 سنة من الحروب على الفقراء والمستضعفين في الأرض، عن وجود خطط أمريكية لتعقيم بعض الأمريكيين ونساء سكان 13 دولة من دول العالم الثالث خلال 25 سنة. وضعت بتوجيه من إدارة الرئيس الأمريكي جيرالد فورد، والدافع المعلن في تلك الوثيقة هو محاربة الفقر،
أمّا الهدف غير المعلن فهو الحفاظ على النقاء العرقي للجنس الأبيض في الولايات المتحدة، والقضاء على النمو السكاني في العالم الثالث. كما كشف الدكتور رايمرت رافنهولت، مدير مكتب الحكومة الاتحادية للسكان التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، في العام 1977 عن تورط جامعتي واشنطن وجونز هوبكنز في وضع هذه الخطط، وعن شروع الحكومة الاتحادية في الإجراءات العملية لتطبيقه، حيث رصدت له ميزانية وحددت له الوسائل اللازمة لتعقيم ربع نساء العالم من النساء القادرات على الحمل، وهن آنذاك 570 مليون امرأة .
العودة إلى سياسات اغتيال الأمم والتدخل في الشؤون الداخلية للدول:
ما أن انهار الاتحاد السوفيتي حتى تجدد الحلم الأمريكي باغتيال الأمم، وهو ما دعا الليبراليين الجدد، الذين اشتهروا بتسمية المحافظين الجدد، إلى طرح فكرة: “أنّ القرن الواحد والعشرين ينبغي أن يكون قرناً أمريكياً” وهو ما يعني في بنيته السطحية: قرن السيطرة الأمريكية على العالم، وفي بنيته العميقة: قرن اغتيال ما تبقى من أمم في هذا الكوكب! وهو ما شرعت فيه النخبة المسيطرة على الجاه والمال، وصناعة القرار في الولايات المتحدة. وتتنازع صناع القرار والسياسات في واشنطون عقيدتان، فيما يتعلق بخطة اغتيال الأمم:
الأولى توفير الظروف المناسبة والمسوغة للحرب على أمم الأرض، تحت شعارات الحرب على الإرهاب، أو نشر الديمقراطية، أو التدخل لأسباب إنسانية، والمسؤولية الأخلاقية للولايات المتحدة في العالم! وما إلى ذلك من المعزوفة النشاز المتسقة مع معزوفة عبء الرجل الأبيض لتمدين بقية الأمم!
والعقيدة الثانية: وهي الأخطر، تتمثل في سياسات إشعال الحروب الأهلية والطائفية وتتخذ السيناريو التالي:
1- مساندة المعارضة أعلامياً وسياسياً للإنقلاب على الحكومة الشرعية بحجة كونها دكتاتورية.
2- دفعها للتحشد في الشوارع والميادين للاعتصام والمطالبة بإسقاط الحكومة المنتخبة والشرعية.
3- تدريب عناصر من المعارضة أو عملاء اللمخابرات الأمريكية على أعمال الشغب والأعمال القتالية لتحويل الصراع إلى صراع مسلح.
4- شن حرب إعلامية على الحكومة الشرعية بحجة قتلها للمدنيين وفرض عقوبات غربية ودولية على الحكومة الشرعية.
5- وما أن تصل المعارضة إلى السلطة، حتى يبحث صناع القرار والسياسات في الولايات المتحدة عن معارضين جدد تدفعهم لمقاومة السلطة الجديدة، بحجة فشلها في إدارة الدولة، لتقوم بتسليحها ودفعها لخوض حرب ضد السلطة الجديدة. وهكذا دواليك.
وهذا ما حدث في مصر وتونس، واليمن وليبيا، وهو ما يحدث اليوم في أوكرانيا وفنزويلا وكمبوديا. ودعنا نأخذ مصر كمثال: حيث دعم صنّاع القرار في الولايات المتحدة وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة، ثم تأمروا مع المعارضة والجيش فأطاحوا بالإخوان، ولم يكن ذلك من أجل سواد عيون المعارضة في مصر، بل كان ذلك لمجرد تطبيق سياسات اغتيال الأمم، والقاضي بمحاولة اعداد خط إنتاج لحرب أهلية في مصر، وهذا ما وقع؛ ذلك أنّ الإخوان لن يسكتوا على انتزاع السلطة، التي تحصلوا عليها عبر صناديق الاقتراع منهم بوسائل انقلابية وغير شرعية، ومن هناك فالأجندة لدى صنّاع القرار في الولايات المتحدة ترمي إلى إعادة إنتاج الحالة الجزائرية في مصر، على أسوى الفروض لديهم، وإعادة انتاج الحالة السورية في أحسنها، فلا تتعطل أجندة صنّاع القرار في الولايات المتحدة في اغتيال الأمم! ونذر المخططات الأمريكية تلوح في الأفق في مصر؛ فجماعة أنصار بيت القدس المعادل الموضوعي لكتائب عبد الله عزام، التي أسسها الموساد تحظى بالدعم الأمريكي والإسرائيلي/ ودعم وكلاء الحرب الخليجيين، وبدأت تعيث في أرض الكنانة قتلاً وفساداً.
وإذا انتقلنا إلى سوريا فصنّاع القرار في الولايات المتحدة نجحوا تماماً في بناء خط إنتاج لحرب أهلية وطائفية، قد تستمر لعقود. وتمكن صنّاع القرار في الولايات المتحدة من التظاهر بأنّهم يتبنون سياساتهم الظاهرة والداعمة لحق الشعب السوري في الديمقراطية، وفي دولة دستورية، ومجتمع مدني، واحترام الحريات العامة وحقوق الإنسان. بينما هم يعملون جاهدين على توفير كل الظروف الملائمة لصناعة حرب طائفية، تؤدي إلى اغتيال العرب أو شعوب جنوب شرق المتوسط. فعمل صنّاع القرار في الولايات المتحدة جاهدين على تسهيل إحضار الجهاديين إلى سوريا، وتسليحهم وتدريبهم من خلال وكلاء أعماله في الخليج السعودية وقطر والإمارات، كما حرصوا على السكوت على تدخل حزب الله، إن لم يسعوا إلى جره للمستنقع السوري، والسكوت على تدفق المتطوعين الشيعة لمساندة النظام السوري، وعلى تسليحه من قبل إيران وروسيا، وكل ما من شأنه تحقيق توازن بين طرفي النزاع، ليستمر النزاع إلى أطول أمد ممكن. وبلغة الاقتصاد كل ما يضمن عدم توقف خط انتاج الحرب الأهلية والطائفية في سوريا، من مواد خام ومواد تشغيل وطاقة وموارد بشرية وإدارة إلخ.
وبتعبير أخر فإنّ عين صناع القرار في الولايات المتحدة على ميزان القوى في النزاع الأهلي والطائفي في سوريا فإذا رجحت كفة المعارضة سارعوا إلى الحد من دعمها وأثاروا جدلاً حول مصير السلاح الذي سيمنح لها وإذا رجحت كفة النظام سارعوا إلى التهديد بتوجيه ضربات عسكرية لسوريا وهكذا, وضمن هذا الإطار يأتي رفع العقوبات عن ايران الذي يأتي من أجل أحداث توازن في تمويل الحرب في سوريا: السعودية وقطر لدعم المعارضين، وايران لتمويل ودعم الحكومة السورية. وحتى حين يلوح صنّاع القرار في الولايات المتحدة بالتدخل في الحرب الأهلية السورية، فلا يتجاوزون هدف إعادة التوازن للقوى المتنازعة في الميدان، وبما من شأنه الحيلولة دون توقف خط انتاج الحرب الأهلية والطائفية فيها. كما يعمل صنّاع القرار في الولايات المتحدة على إعادة دوران عجلة الحرب الأهلية والطائفية في العراق، واستمرار دورانها في اليمن، أو الاستعاضة عنها بحرب أهلية بين جنوب وشمال اليمن، وعلى تكرار السيناريو المصري في تونس، وليبيا أو تعزيز النزعات الانفصالية لدى أهل برقة في ليبيا، لإشعال حرب أهلية ليبية حول حقول النفط وموانيه أو حول بقاء البلد موحداً. وكافة هذه السيناريوهات ترمي إلى اغتيال شعوب المنطقة في النهاية ولا ترضى بهدف أدنى من ذلك.
دور المنظمات الدولية في تسويغ الاغتيال الأمريكي للأمم:
استخدم صناع السياسات وصناع القرار في الولايات المتحدة والغرب المنظمات الدولية في العقود التي أعقبت انهيار التوازن الدولي، وخاصة خلال فترة تولي يلتسن لرئاسة الاتحاد الروسي، استخدمتها في تسويغ وإضفاء طابع الشرعية على الأعمال العدوانية للولايات المتحدة والناتو ضد البلدان الأخرى. ففي حين كان القانون الدولي يدين التدخل في شؤون الدول الأخرى، ويؤكد على مفهوم السيادة الوطنية، كسياج يمنع الأمم القوية من غزو الأمم الضعيفة أو التدخل في شؤونها. نزعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون إلى تقويض مفهوم السيادة الوطنية من خلال المنظمات الدولية، فمارسوا ضغوطاً مختلفة لفرض صيغة “حق التدخل لأسباب إنسانية”، بدعوى أنّ مفهوم احترام السيادة الوطنية قد تحول إلى مجرد أداة لحماية الحكام المستبدين الذين يسيئون لشعوبهم من العقاب الدولي
الدور الروسي المطلوب أمريكياً:
استراتيجة اغتيال الأمم تقتضي وجود قوة منافسة للولايات المتحدة؛ ذلك إنّ إشعال فتيل النزاعات الأهلية يقتضي وجود طرفين داعمين للمتنازعين، وهو ما يجعل روسيا المعارضة للسياسات الأمريكية مطلباً أمريكياً قبل أن يكون مطلباً روسياً أو دولياً. والأمر أشبه ما يكون بحوار السادات مع إبراهيم شكري مؤسس حزب العمل في مصر، في رحلة بالقطار داخل مصر، والذي أدى إلى أن يطلب منه السادات أنّ يؤسس حزباً للمعارضة المهذبة، التي من شأن وجودها تلميع ليبرالية السادات. ولا يعني هذا القول اتهام روسيا بكونها ضالعة في الخطة الأمريكية، أو أنّها تلعب دوراً يرسمه لها صنّاع القرار في واشنطون، غير أنّ صناع القرار في أمريكا ساهموا في تضخيم دور روسيا في النزاعات الدولية، لجرها لممارسة هذا الدور، حتى مع استبعاد فكرة التنسيق المسبق معها. وهو ما دفع صناع السياسات وصناع القرار في الولايات المتحدة والغرب إلى تضخيم هذا الدور إعلامياً وسياسياً كل يوم. ولو كان صناع القرار الأمريكيين غير راضين عن الدور الروسي الجديد، لما سمحوا لبوتين أن ينشر مقالاً في أحدى كبريات الصحف الامريكية، ولشنوا حملة إعلامية شديدة على روسيا، ولصوروها على أنّها نازية جديدة أو امبراطورية شر جديدة، وما إلى ذلك من سمفونيات الحرب الإعلامية الأمريكية على الخصوم غير المرغوب فيهم.
غير أنّ السؤال الهام الذي ينبغي طرحه هنا هو ماذا لو طُبق سيناريو اسقاط الحكومات المنتخبة بالمظاهرات والاعتصامات، مع إطلاق العنان لعنف الشارع، وتلقي الدعم من الخارج، في الولايات المتحدة أو واحدة من شركائها الغربيين في تنفيذ خطة اغتيال الأمم؟
إنّهم حتماً سيرمون قادة تلك المظاهرات بالخيانة الوطنية، وستعاد الحياة لمرسوم الولاء السيئ الذكر لترومان، بل وسيطعمون للكلاب، وقد يعاد الحياة لمنظمات قامعي الإضرابات والمظاهرات، والكوكلاس كلان لتكلف باغتيال قادة تلك المظاهرات، وربما يربط بعضهم في مداخن تدفئة المنازل كما حدث لمواطن أمريكي أسود ذات يوم.
ما العمل؟:
أمام هذا الخطر المحدق بأمم العالم، فليس أمام أمم العالم غير التوحد أمام هذا الخطر، والتوقف عن إتباع سياسة القطيع في تجنب الوقوع فريسة للذئاب، والمتمثلة في طلب النجاة الفردي، الذي لن يؤدي إلاّ إلى هلاك كامل القطيع. فسياسات النائي بالنفس التي تتبعها الأمم التي لم يصلها قطار الاغتيال بعد،
لم تجدِ سوريا وليبيا نفعاً حين كانتا تتفرجان على غزو العراق، ولو قاتل البلدان مع العراق لكان من الممكن أن يتردد صنّاع القرار في الولايات المتحدة في استهداف بلد عربي جديد، لكن محاولاتهم الدءوبة لنيل رضاء الذئب الأمريكي، هو ما جعلهم فريسته القادمة. ولعل بقية الدول أو بقية الأمم تعتبر من الدرسين الليبي والسوري، ليتوحدوا أمام هذا الخطر المحدق، الذي يضرب بفعل سذاجة الشعوب في سوريا وأوكرانيا وكمبوديا في ذات الوقت، وقبل أن تتعافى ضحاياه في وأفغانستان والعراق واليمن وليبيا ومصر وتونس من ضرباته القاتلة. وعلى الذين يتحالفون مع الذئب الأمريكي، أن يعوا بأنّ الذئاب لا حلفاء لهم، وإنّهم سيفترسونهم في النهاية إذا انتهوا من غيرهم،