أربيل 11 تشرين الاول/أكتوبر (PNA)- فقد الكثيرون من الصحفيين والمحللين السياسيين، الذين عملوا ضمن المكينة الإعلامية لرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، وظائفهم مؤخراً، فيما ترفض المؤسسات الإعلامية المحايدة الاستعانة بهم. ومن بين الصحفيين الذين تقطعت بهم السبل حسين عسلاوي، الصحفي العراقي الشاب الذي وجد نفسه مضطراً لترك مؤسسته الإعلامية التي يعمل بها بعدما باتت مهددة بالإغلاق نتيجة مرورها بأزمة مالية، وباتت المؤسسة تبحث عن مستثمر يمولها لتعويض الدعم الذي كانت تأمل أن تحصل عليه من قبل المالكي، الذي وعدها بذلك في حال فاز بولاية ثالثة. عسلاوي، الذي شغل موقع مدير الأخبار في القناة التابعة لهذه المؤسسة، بدأ يفقد زملائه الذين يعتمد عليهم في العمل الواحد بعد الآخر بسبب تقليص إدارة المؤسسة لأعدادهم تزامنا مع ترجيحات بأن تُغلق قريباً مع صعوبة إيجاد المستثمر المنشود. وقال عسلاوي "قدمت استقالتي إلى إدارة القناة لأنني لم أعد أرى أن العمل فيها يسير وفق ما تم الاتفاق عليه عند تأسيسها والسبب يعود لربط إدارة القناة مصيرها بشخص نوري المالكي، وتحديداً ولايته الثالثة كرئيس لمجلس الوزراء، وهو ما أوصل الأمور إلى هذا الحد بعد خسارة المالكي في هذا الصراع". وأضاف "إدارة المؤسسة استغلّت سعي المالكي للحصول على الولاية الثالثة فاستندت إلى هذا الأمر في البداية لتمويل موازنتها التشغيلية، إلا أنها لم تحسب حساب عدم تحقيق المالكي لرغبته رغم تحذيراتنا لها وهو ما حدث أخيراً". ويستبعد عسلاوي أن تجد المؤسسة من يموِّل قناتها في المرحلة الحالية، وهو ما يهدد وجودها مثل الكثير من القنوات التلفزيونية العراقية التي باتت اليوم مهددة بالإغلاق أو أُغلقت فعلاً بعد تلاشي حلم المالكي في الولاية الثالثة. وعلق، اثناء حديث له مع موقع "نقاش" الاخباري العراقي، قائلا "إدارة المؤسسة حصلت على مبلغ مالي هائل من المالكي قبل مدة قليلة من الانتخابات ضمن موازنة خُصصت لهذا الغرض مقابل دعم تطلعاته الرئاسية وهذا الدعم كان مشروطاً بتغيير سياسة القناة بما يتلائم وهذا التوّجه، وهو أمر فاجأ الكثير من العاملين في القناة". تجربة عسلاوي تشابه تجارب عاملين كثر في مؤسسات عراقية ربطت مصيرها بمصير شخص ما في العملية السياسية، وصحفيون فعلوا الأمر ذاته. الخروج عن الحيادية غير أن هناك رأياً آخر يذهب إلى الدفاع عن موقف الصحفيين في هذا الإطار، فالصحفي والكاتب محمود المفرجي يرى إن المؤسسات التي تربط نفسها بشخصية سياسية هي التي تتأثر وليس الصحفيين الذين يعملون في تلك المؤسسات، ودافع بشدة عن خروج الصحفي في الكثير من الأحيان عن الحيادية. وقال المفرجي في ظل الأزمات السياسية وتحول مشهد الشعوب إلى مشاهد طائفية وعرقية تصبح الحيادية ضرباً من الخيال، ومن الطبيعي ان يتمترس الجميع خلف الطائفة والعرق والجذور القومية". وواوضح "الصحفي فرد من أفراد الشعب فمن الطبيعي أن يتأثر بهذه المؤثرات ويتحول إلى مدافع عن طائفة أو عن عرق ينتمي إليه وهذا الأمر بدى واضحاً من خلال الأزمات الأخيرة التي مرت على العراق حيث تبّنى الصحفيون العراقيون مواقف سياسية واضحة". وانضم الكثير من الصحفيين والمحللين السياسيين وغيرهم من خبراء أمنيين وقانونيين في السنوات الماضية إلى الفريق المكلّف بالترويج الإعلامي للولاية الثالثة لرئيس الوزراء العرقي السابق قبل أن يتلاشى هذا الحلم لدى المالكي أو الذين باتت مصالحهم مرتبطة بتحقيقه، لتتوقف بذلك الماكينة الإعلامية المصّنِعة لهذا الهدف. ومع توقف هذه الماكينة وجد هؤلاء أنفسهم خارج الحسابات سواء بالنسبة لمؤسسة المالكي والمقربين منه أو لبقية المؤسسات الإعلامية التي لم تعد تهتم كثيراً لظهورهم عبر وسائلها المرئية او المسموعة وحتى المقروءة، والأبعد من ذلك إن هذه المؤسسات لا تريد تشغيل هكذا شخصيات لأسباب عدة تلخصها بأنهم باتوا "أوراقا محروقة". ويروي الصحفي العراقي محمد عبدالكريم تجربته، التي يصفها بالرهان الخاسر، في العمل ضمن ما تُعرف بالماكينة الإعلامية للمالكي. وقال عبدالكريم "بدأت العمل مع ما يعرف بالمكتب الإعلامي للمالكي منذ عام 2007 واتفق معي أحد الأشخاص العاملين في هذا المكتب على تأدية خدمات صحفية للمالكي من خلال نشر الأخبار التي يطلبون نشرها في وسائل الإعلام التي أتعامل معها من وكالات إخبارية وصحف". واضاف "كنت أتقاضى مبلغاً مالياً شهرياً تحت مسمى المكافأة نظير هذا الأمر، ثم تطور الأمر بعد طلب مكتب المالكي أن أقوم بعمل المحلل السياسي من خلال نشر مقالات تدافع عن كل ما يقوم به والظهور في وسائل الإعلام بهذا المسمى للهدف نفسه". ومنذ تكليف الرئيس العراقي فؤاد معصوم لحيدر العبادي بتشكيل الحكومة ومحمد عبد الكريم لا يتقاضى أي مبالغ مالية من المالكي الذي بات نائبا للرئيس، والأسوأ أن محمد تقدم بطلب للعمل ضمن أكثر من مؤسسة إعلامية إلا أنه فوجئ برفض هذه المؤسسات لطلباته رغم كونه من الصحفيين البارعين في عملهم، والسبب هو رفض إداراتها لوجود صحفي معروف بانتمائه ودفاعه عن جهة ما داخل هذه المؤسسات. ومن بين المؤيدين لهذا التوجه حيدر الشمري، رئيس تحرير وكالة إخبارية عاملة في العراق. وقال الشمري "وجود محمد عبدالكريم أو أي شخص في نفس حالته وإن كان سيلتزم بالمعايير التي نتبعها هنا في وكالتنا الإخبارية ستبعث رسالة مفادها أن وكالتنا منحازة إلى المالكي وهذا مخالف لتوجهاتها". وأضاف "رهان هؤلاء الصحفيين على شخص معين هو رهان خاسر ولا بد أن يتحملوا تبعاته لأن على الصحفي أن يكون متيقناً أكثر من غيره فالمناصب لا تدوم لأي شخص". مؤسسة المالكي تقدّر أعداد الذين عملوا ضمن الماكينة الإعلامية للمالكي أو لولايته الثالثة بين 200-300 شخص معظمهم من الصحفيين والمحللين السياسيين والخبراء الأمنيين والقانونيين أيضاً وغيرهم ممن له سبب أو صفة تمكنانه من الظهور في وسائل الإعلام للدفاع عن قرار أصدره المالكي أو قانون يريد تشريعه أو أي إجراء آخر. ويتقاضى هؤلاء مبالغ مالية تحت مسمى المكافآت تتراوح بين 100 دولار أميركي شهريا، لمن يقدم خدمات توصف بالثانوية، والفي دولار لمن يظهر أمام وسائل الإعلام بصورة مستمرة بصفة محلل سياسي أو خبير قانوني. غير أن هناك من تقاضى مكافآت كبيرة جداً وصلت إلى حد الحصول على سيارة حديثة أو قطعة أرض أو وحدة سكنية أو الحصول على مقاولة ما، فضلاً عن السفرات السياحية داخل وخارج العراق ضمن الإيفادات الرسمية للمالكي وغيرها. ومن بين المطلعين على حركة تلك الشخصيات المحلل السياسي خالد البياتي، الذي قال "هناك شخصيات نراها اليوم عادت لتؤدي دورها التي كانت تمثله إبان حقبة المالكي ولكن لحساب جهات أخرى ليست بالضرورة شخصيات بعينها". واكد ان "هذا الأمر يعكس تفننها في تبّني فكر معين أو مشروع معين والدفاع عنه باستخدام مبررات لها تكون في ظاهرها وطنية لكنها في الحقيقة تخفي الهدف المبتغى". وعلى ما يبدو فان مشغلي الماكينة الإعلامية، التي صُنعت مؤخرا لرئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي، سيعيدون أخطاء نظرائهم في عهد المالكي. علي الأعرجي، أحد العاملين في الماكنة الجديدة، قال أن العاملين اليوم ينفذون ادواراً محددة ويتقاضون عنها أجوراً معينة، وهم أما من الموظفين في مجلس الوزراء العراقي أو من المنتمين لمكتب العبادي أو حزبه وهم لا يريدون أن يتبنوا فكر العبادي والدفاع عن قراراته وإجراءاته كما كان الأمر في السابق، بل إن مصطلح الماكينة الإعلامية غير موجود مطلقاً في حال تمت مقارنة الحال بين المالكي والعبادي. واثبتت تجربة الماكينة الإعلامية، رغم نجاحها لسنوات طويلة بالنسبة لمشغليها، ان لها سلبيات، وفي حال الفشل تطغى تلك السلبيات على كل تلك النجاحات المتحققة، فالهدف الأسمى لها، في حالة المالكي، والمتمثل بالولاية الثالثة لم يتحقق وهو ما شكل الضربة القاضية للعاملين فيها، سيناريو لا يريد أحد من الصحفيين أو المحللين والخبراء تكراره ولاسيما أن العبادي لا يزال في ولايته الأولى. - See more at: http://www.peyamner.com/Arabic/PNAne....m3BUSNU4.dpuf