0
مازالت عادة الزواج القبلي منتشرة في كثير من البلدان العربية خاصة الخليجية منها، حيث يعتبره البعض شرطاً لابد منه، مهما كانت الأسباب أو الظروف، فلا تقبل العائلات تزويج بناتها لرجال لا ينتمون إلى قبيلتهم، أو يشترطون عليهم أن يكونوا من نسب يوازي عائلتهم اجتماعياً.
في المقابل لا يقبل أهل الشاب زواجه من غير بنات القبيلة، ولا تنتهي معضلة هذا النوع من الزواج عند هذا الحد، فالمتزوجون من غير القبليين يُعتبرون منبوذين اجتماعياً هم وأولادهم، ما يجعل أي شخص يفكر مرات ومرات قبل أن يُقدم على هذا النوع من الزواج، يأتي هذا في الوقت الذي يرى فيه آخرون أن الزواج القبلي شكلٌ من أشكال العنف الممارس ضد المرأة، فهو سجن بلا قضبان، كما يصفه باحثون في علم الاجتماع وناشطون في حقوق المرأة.
تسبب في طلاق 80 %
يشير السيد جاسم محمد «من دبي» إلى أن «الشريعة الإسلامية أوردت نصوصاً كثيرة تنفّر من التعصب في الزواج، ولكن هناك آباء يصرون على تزويج أبنائهم وبناتهم من الأقارب،
وهنا تقف العادات والتقاليد حصناً منيعاً أمام سعادة الأبناء، وربما السبب في كثرة حالات الطلاق التي وصلت إلى 80% في بعض المجتمعات القبلية».
عصبية نسائية
أما جيداء التميمى «من السعودية» فتقول: «يعتقد البعض أن المرأة في السعودية تحتكم للحب في الارتباط بزوج المستقبل، ولكن ما لا تكشفه الأضواء هو أن سعوديات كثيرات يشبهن الرجال في عصبيتهن القبلية،
حيث ترفض الكثيرات الارتباط برجل من خارج قبيلتها، وعن قناعة شديدة بخلاف أولئك اللواتي يبلغن سن العنوسة أو أكثر ظلماً وإجباراً من رجال عائلتها لرفضهم تزويجها من خارج القبيلة، حتى وإن كان الزواج برجل من قبيلة أخرى مكافئ لقبيلتهم في النسب والمكانة».
بدعة قبلية
بينما تقول فدوى اليامي «27 عاماً»: «لن أرفض رجلاً لأنه ليس من قبيلتي، كما أن عائلتي أيضاً ليس لديها مانع، ولكن هناك فتيات من قبيلتي لا يقبلن الزواج من خارج القبيلة،
وهؤلاء أقول لهن إذا أتاكُن من ترضون دينه وخلقه فلا تردوه لاختلاف قبيلته، لأن العنصرية القبلية بدعة ظهرت مع تتابع العقود، وليست سنة عن النبي الكريم، وليست من شيم الإسلام».
أسباب تافهة
كما ترى فوز البارقي «33 عاماً» أن «بعض بنات القبائل يفضلن الزواج من رجال من داخل قبيلتهن لأسباب تافهة وغير مبررة لرفض الأزواج الذين قد يتقدمون من خارج القبيلة»،
مضيفة: «بعضهن لا تتعمد رفض العريس الذي من خارج قبيلتها إلا لأنها تريد زوجاً من داخل قبيلتها، حتى تضمن القرب من الأهل والتواصل المستمر مع الجميع في كل مناسبة وحضور أي دعوة».
قمة الهرم الثقافي
بينما يقول أحمد النوبي «58 عاماً ـ أعزب»: «تنتشر عادة الزواج القبلي في مصر داخل المدن الحدودية مثل بعض بلدان جنوب الصعيد والنوبة، وسيناء في الشرق ومطروح في الغرب»
مضيفاً: «يقع الزواج القبلي على قمة هرم الموروث الثقافي في النوبة (أقصى جنوب مصر) وعلى حدود السودان، فلا يسمح أبداً لفتاة أو رجل بالزواج إلا من القبيلة التي ينتميان إليها، ولا مجال للمناقشة في هذا الأمر، ومن يخرج عن هذا العرف يكون جزاؤه الموت أو الطرد من القبيلة».
عادة مهلكة
وكانت لأحمد خميس المطوع «من دبي» وجهة نظر خاصة عبر عنها بقوله: «إن الزواج القبلي ربما أصبح مدمراً، وكان سائداً في القديم، حيث كانت القبيلة ترتحل بحثاً عن مصدر رزقها، لأن اعتماد القبيلة كان على الإبل والضأن وغيرها من المواشي،
فلابد من توافر المرعى والماء لهذه القطعان، فكانت تنشب بين القبائل حروب من أجل مواقع الرعي، ففقدها يعني هلاك القبيلة وضعفها بين القبائل، فكان الغزو والسطو والسلب والنهب، ما أحدث فرقة بين القبائل وتباعداً بينها، وكان لكل قبيلة موقعها الخاص لذلك وجد الزواج القبلي،
فلولا وجوده لبارت بنات القبيلة وقل تعدادها، وضعفت، وكان الرجل يتزوج أربع نساء لزيادة النسل، وكانت ابنة العم أولى بابن عمها».
أقوى نسلاً
وتدلي فجر الوذيناني «25 عاماً ـ طالبة بكلية الطب» بدلوها قائلة: «إن الزواج من العائلة مضرٌ أكثر من الزواج من القبيلة نفسها»، مضيفة: «إذا كانت قبيلة الفتاة كبيرة فمن الأفضل أن تتزوج من نفس قبيلتها،
لأن النسل لن يتأثر, ولكن إذا كانت قبيلتها صغيرة فمن الأفضل الزواج من خارجها لأنه سيكون أقوى نسلاً، وطبعاً الزواج من داخل العائلة أخطر من الزواج من القبيلة نفسها من الناحية البيولوجية».
باطل شرعاً
كما تقول «جمالات. ن ـ 50 عاماً ـ نوبية»: «أرفض الزواج القبلي مع احترامي للعادات والتقاليد، وأراه أحد أشكال العنف ضد المرأة، ومخالفاً لتعاليم الدين الإسلامي الذي منحها الحرية في اختيار شريك حياتها،
وجعل موافقتها شرطاً من شروط صحة الزواج، فبعض المذاهب ترى أن الزواج بالإكراه باطل شرعاً، وأنا هنا لن أتحدث عن الحالات التي يتم فيها الزواج القبلي برضا وقبول العروسين ولكني أتحدث عن المكرهين على هذا الزواج نتيجة عدم التكافؤ أو الحب بين الطرفين، خاصة من ناحية العريس، فأحياناً تجبر الفتاة على الزواج من ابن عمها رغم أنها جامعية وهو أمي يجهل القراءة والكتابة، فأين العدل هنا؟».
الخارج أفضل
أما نوال الصبحي «43 عاماً» فترى أن الزواج من خارج القبيلة أفضل من كل النواحي الصحية, والاجتماعية والأسرية, حيث تقول: «الزواج من خارج القبيلة أضمن من ناحية تجنب المشكلات الوراثية والنسلية،
وأيضاً أكثر أمناً من المشكلات في حال حدوث أي سوء تفاهم بين الزوجين، لأن أي خلاف بين أي زوجين من داخل قبيلة واحدة قد تنتشر أسراره بسرعة لأن العائلة واحدة، وتحيط بهم نفس القبيلة ونفس الأشخاص، وهذا أكثر سهولة في نقل الكلام والخلافات».
أكثر رومانسية
وتؤكد لينا العابد «24 عاماً» أنها مع الزواج من العائلة أو القبيلة لأنه أكثر رومانسية، حيث تقول: «بعض صديقاتي يعتقدن أن زواج الفتاة من خارج قبيلتها أفضل لأنه سيحبها ويشعر بفضول ورغبة ناحيتها أكثر,
ولكني ضد هذا الاعتقاد وأرى أن الرجل إذا كان من نفس قبيلة الفتاة فسوف يحبها ويدللها أكثر ويشعر بمسؤولية أكبر ناحيتها».
ظلم للفتاة
يقول السيد أحمد «من دبي»: «أنا ضد فكرة الزواج القبلي لأنها تظلم الفتاة في كثير من الأحيان، ولكن هذه العادة اليوم في الإمارات تكاد تكون قد اندثرت، فأصبح الشاب يتزوج من قبيلة أخرى طالما أنه يتصف بالخلق والرجولة والشجاعة ويعتز بنسبه».
يمنع المشكلات
أما خالد الحازمي «30 عاماً» فله وجهة نظر أخرى
لا يؤيد فيها زواج الفتاة من خارج قبيلتها لأسباب يراها منطقية حيث قال: «الزواج من داخل القبيلة يجنب الزوجين أي مشكلات بسبب الاختلاف في العادات والتقاليد والأعراف وطريقة التربية، ولكن بالطبع له سلبيات منها المشكلات الصحية التي قد تواجه الأبناء في المستقبل».
تضييع للحقوق
من جهته، أوضح المحامي أحمد بن خالد السديري أن الكفاءة عند بعض الفقهاء هي لمن يستطيع أن يقدم المهر،
ومنهم من قال من يستطيع أن ينفق على المرأة، ولا يكون من مهنة وضيعة، وسنّها الفقهاء دفعاً للمضرة والشقاق بين أفراد الأسرة الواحدة، إلا أنه شرعاً لا يتوجب ذلك, مضيفاً: «نُقل عن الإمام أحمد بن حنبل أنه لم يرَ في النسب شرطاً من شروط الكفاءة، وإنما يكفي أن يكون ذا مهنة، بمعنى أن يصرف عليها،
وليس هناك من أوصاف ما تسيء إليه، وفي النهاية إذا تزوجت المرأة برضاها أو دخل بها يسقط حق الفسخ».
العنوسة هي العقاب
ويوضح المحامي والمستشار القانوني زامل شبيب الركاض أن عضل البنات ومنعهن من الزواج في حال لم يتقدم لهن سوى رجال من خارج قبائلهن مشكلة إنسانية واجتماعية تعاني منها بعض المجتمعات نتيجة التقاليد التي تفرض على الفتاة حتى تذعن لكل ما يراه ولي أمرها،
بدون أن يكون لها الحق في إبداء وجهة نظرها بأمر الزواج الذي هو حق من حقوقها الشرعية إيجاباً ونفياً، مؤكداً أن المشكلة تكمن في منع تزويج الفتاة من الأكفاء من غير العائلة أو القبيلة وإصرار ولي أمرها على تزويجها من أحد أقاربها الذي قد لا ترغب الفتاة بالزواج منه فيمنعها أولياؤها من الزواج من غيره إرغاماً لها على قريبها أو معاقبتها بالبقاء بدون زواج.
أشبه بالعصور الوسطى!
بينما قال محمد حمادي، أخصائي اجتماعي «من دبي»: «إن ظاهرة الزواج القبلي في سن صغيرة منتشرة، خصوصاً بين الأسر ذات القبلية، والذين يرفضون رفضاً قاطعاً زواج بناتهم من قبائل أخرى، حتى لا تخرج أملاكهم من عقارات أو أراض زراعية لآخرين، وهذا يمثل لهم تقاليد ترسّخت في نفوسهم ولا يقبلون بديلاً عنها،
ومن الصعب اختلاط بناتهم أو شبابهم بأناس آخرين، وعندما نقول لهم العقل وخطورة زواج الأقارب من الناحية الصحية يقولون الشرع، وهذا أشبه بما كان يحدث في العصور الوسطى التي كانت تحكمها العادات والتقاليد بطريقة موقوتة بها نوع من الجمود الذي لا يتيح للعقل أي فكر، وهناك بعض الحالات التي تغير من موقعها الجغرافي وتعزل من القبيلة وتتزوج من خارجها».
كواليسه عادات موروثة
تقول الدكتورة إلهام باجنيد، الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية بآداب جامعة الملك عبدالعزيز، حول هذا الموضوع: «تكمن المشكلة في الواقع الاجتماعي الذي يستقر في حسه فصل بين النظرية والتطبيق،
وتقف في كواليسه كثير من العادات والتقاليد الموروثة وأحياناً الأهواء التي تتشبث بالشرع عندما يكون في صفها ولا تأبه له عندما يسير في غير ما تشتهي، وبين هذا وذاك تتميع الحقوق, فكم من الأصوات بُحت وهي تطالب بحقوق المرأة، ومصير هذه الأصوات شماعة الشرع من دون التفات لسلسلة القضايا التي قلب المجتمع حالها،
وتقرر تلك الأصوات أن الحل في إلزام الشرع بمسايرة تلك الأوضاع المقلوبة بدعوى ضرورة تطوير المفاهيم الفقهية وفق المفاهيم العصرية القائمة، ولا يدرون أنهم يزيدون قضايا المرأة تعقيداً ويعسرون أمامها سبل الوصول إلى حلٍ يفك عقدها».
معصية لله ورسوله
يوضح الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، المفتي العام للمملكة العربية السعودية رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، أن مجلس هيئة كبار العلماء درس موضوع التحجير على النساء وإجبارهن على الزواج بمن لا يرغبن الزواج منه،
ومنعهن بمن لا يرغبن بغيره قائلاً: «إن التحجير وإجبار المرأة على الزواج ممن لا توافق عليه ومنعها من الزواج بمن رضيت هي وولي أمرها الزواج به ممن تتوافر فيه الشروط المعتبرة شرعاً أمرٌ لا يجوز، والنصوص الشرعية صريحة بالنهي عنه، والنكاح على هذا الوجه منكر ظاهر،
إذ إن التحجير من أكبر أنواع الظلم والجور، ومن يصر على تحجير الأنثى ويريد أن يقهرها ويتزوجها أو يزوجها بغير رضاها فإنه عاصٍ لله ورسوله، ومن لم ينته عن هذه العادة الجاهلية التي أبطلها الإسلام تجب معاقبته بالسجن،
وعدم الإفراج عنه إلا بعد تخليه عن مطلبه المخالف لأحكام الشرع المطهر، والتزامه بعدم الاعتداء على المرأة أو ولي أمرها أو من يتزوجها، وبعد كفالته من شيخ قبيلته أو أحد ذوي النفوذ فيها بالالتزام وعدم الاعتداء».
برود عاطفي
تقول الدكتورة هبة قطب، خبيرة العلاقات الزوجية والأستاذ بكلية طب قصر العيني: «الزواج القبلي يمثل نوعاً من أنواع ممارسة العنف ضد المرأة، حيث يسلبها حقوقاً أساسية يجب أن تتوافر لها، مثل الحق في الاختيار والشعور بالأمان والراحة،
ومن ثم يؤثر سلباً في المرأة فيتسبب في الكثير من المشكلات في العلاقة بين الطرفين، وكذلك يؤثر في الرجل الذي يصاب بالبرود، إذ يتزوج بفتاة كل ما يجمعه بها أنها ابنة عمه أو من قبيلته فتكون النتيجة حياة أسرية تعيسة».
الإجبار هدر للحقوق
تقول الدكتورة نهاد أبوالقمصان، رئيس الجمعية المصرية لحقوق المرأة: «إن بداية نتائج هذا الزواج مشكلات اجتماعية وعلاقات زوجية غير ناجحة، وفى بعض الأحيان فإن رفض الفتاة الزواج قد يصل ثمنه إلى قتلها أو تركها بدون زواج،
ولا يمكن لفتاة من هذه القبائل أن تفكر في الارتباط من خارج قبيلتها رغم تعارض ذلك مع أبسط قواعد حقوق الإنسان»،
مضيفة: «كم من زواج تم بالإجبار في الإطار القبلي ونتجت منه كوارث ونكبات! ربما تكون البنت مثقفة ومتعلمة تعليماً مميزاً ولكنها تتزوج من ابن عمها حتى لو كان غير متعلم، أو تترك بدون زواج، ما يعد اعتداء على حقوقها الإنسانية».
روتانا