لماذا فقد العيد بهجته ولماذا لم تعُد له نكهة وفرحة الماضي؟

فقديماً، وليس بالقديم البعيد كنا نترقبه بملابسنا الجديدة وبخطط النزهات والرحلات والزيارات، كنا لا ننام ليلة العيد، ننتظر طلوع الشمس لنخرج لصلاة العيد بملابسنا الجديدة،

ثم نتبادل الزيارات وننتظر العيدية من كبار العائلة، أما المحطة التالية فهي الملاهي، دور السينما، الرحلات البحرية وما شابه، رحلات مميزة كانت لا تتم إلا في أيام العيد. أما الآن فقد اختلف الوضع ولم يعُد للعيد بريقه كما كان،

يقول البعض تواصلنا الدائم مع الأصحاب والأقارب هو ما جعل من زيارات العيد أمراً روتينياً لا قيمة له.

في حين أن يجد آخرون في توافر وسائل الترفيه «التي كانت حكراً على العيد» بأي وقت وعلى مدار السنة أمراً أفقد هذه الأيام بريقها في أعيننا، وبالتأكيد كثر هم من يجدون في التكنولوجيا التي غزت مناحي الحياة سبباً في القضاء على بهجة العيد وسرقة فرحته.








تراب الطريق


في البداية تقول أسماء نبيل، موظفة من مصر: «أتفق معكم في أن فرحة العيد سرقت من الأجيال الجديدة ولم تعُد له بهجته كما كان الحال على أيامنا، أذكر أننا كنا نستعد لهذا اليوم قبلها بأسبوعين على الأقل،

حيث تأخذنا أمنا إلى محلات وسط البلد لنشتري ملابس العيد من الألف إلى الياء، كما يقولون، فكانت كل الملابس التي نرتديها جديدة،

وأذكر أني كنت أتسلل إلى غرفتي وأرتدي تلك الملابس وأرى نفسي في المرآة وأنا في قمة السعادة ثم أعيدها إلى دولاب ملابسي، ويوم العيد كنت أحرص على ألا تتسخ، حتى الحذاء كنت أخاف عليه من تراب الطريق،

أما الفسح فكانت إما في الملاهي أو الرحلات النيلية بعد أن نكون قد أخذنا عيديتنا من أبينا وأقاربنا، لكن جيل هذه الأيام أصبح يحتفل بالعيد على طريقته الخاصة ولم يعد يفعل مثلما كنا نفعل، ربما لأن كل وسائل الترفيه تعمل طوال العام أو لأن اهتماماتهم اختلفت عن اهتماماتنا».







أعياد الإنترنت


تضيف نورهان فرح «جامعية» من القاهرة: «أرى الأجيال الجديدة تحتفل بالعيد على طريقتها الخاصة، أغلبهم يركز على استغلال العيدية فى استبدال الموبايل أو النوت بجهاز أحدث، أو بالذهاب إلى النوادي والسفر بصحبة أصدقائهم إلى المدن الساحلية في رحلات طويلة، ولم نعد نلحظ اهتمامهم بالتواصل العائلي أو قضاء العيد مع الأهل،

خاصة الأجداد والجدات، فقد صنع هؤلاء عالماً منفصلاً عن عالمنا وفقدوا قيمة التواصل مع الأسرة وأصبح تواصلهم الأهم مع جروبات مواقع التواصل الاجتماعي»!









فقدان البريق


أما أحمد الشوال، جامعي من مصر فيقول: «أتصور أن هذا التحول والتغير في استقبال العيد أصبح لا يلفت إلا أنظار الأجيال القديمة أما الجيل الحالي فقد نال قسطاً وافراً من الراحة والمتعة جعل أيامه العادية لا تقل متعة عن أيام الأعياد عند الأجيال السابقة،

فهذا الجيل يشتري ملابس جديدة كل شهر دون ارتباط بحلول العيد الذي كانت تؤجل عمليات الشراء حتى يقترب موعده، وهذا الجيل أيضاً يذهب إلى الملاهي كل يوم إن أراد فهي تعمل على مدار العام، كما يستطيع التنزه مع أصحابه وقتما يشاء وأينما يريد».







الأحياء البسيطة


لكن أيمن يوسف «موظف» من القاهرة مازال يرى للعيد بهجته وفرحته في الأحياء الشعبية أو الريفية أو الفقيرة، هذه الفئات مازالت تحافظ على طقوس العيد كما لو كانت من الزمن الجميل، تخرج لشراء الملابس الجديدة لأبنائها وبناتها،

تمنحهم العيدية بعد صلاة العيد، تسمح لهم بالخروج والتنزه والذهاب إلى دور السينما والملاهي في أيام العيد فقط، ومازالت الأسر هناك تواظب على التواصل وتبادل الزيارات والتهاني طوال أيام العيد بعكس الأحياء الراقية التي لا تشعر معها بأي مظهر من مظاهر العيد».






الأحياء الراقية


توافقه في الرأي باكينام مجدي، طالبة جامعية من القاهرة وتضيف: «عدم توافر الإمكانات المادية لسكان المناطق الريفية أو الفقيرة وراء تمسكهم بمظاهر العيد وبهجته وفرحته، بعكس أبناء وبنات الأحياء الراقية أو الثرية الذين تستحوذ التكنولوجيا الحديثة في مجالات الاتصالات والتواصل الاجتماعى على اهتماماتهم».





انحسار العادات


من قطر يرى خليفة الرميحي، إعلامي، أن العيد كان إلى زمن قريب فرصة لصلة الأرحام ومناسبة للصفح والتواصل مع المعارف، حيث أفرغ اليوم من شحناته العائلية بسبب الترهل الذي أصاب العلاقات الاجتماعية،

مشيراً إلى أن التقاليد والعادات التي تصاحب العيد بدأت تنحسر وتتراجع رغم الجهود التي يتم بذلها من أجل الحفاظ على العلاقات العائلية والإنسانية خلال مثل هذه المناسبات. وينتقد الرميحي بعض العادات التي أصبحت سائدة اليوم في المجتمع خلال العيد والمتمثلة في اعتماد الناس على الوسائل الحديثة في التواصل مع بعضهم البعض،

حيث أصبحت الرسائل الهاتفية عنواناً للمودة والوفاء بين المعارف إلى درجة أنه من كثرة الاعتماد على مثل هذه الوسيلة يمكن إرسالها لنفس الشخص أكثر من مرة.


ويضيف الرميحي: «بهجة العيد المسروقة رافقها أيضاً عدم اهتمام الأطفال حتى بقيمة العيدية التي أصبحت تصل إلى 500 ريال دون أن تدخل البهجة على قلوب الصغار في الوقت الذي كان فيه الطفل سابقاً يبتهج لمجرد حصوله على ريال أو خمسة ريالات كعيدية».


لم يعد لها وجود
بدورها تقول أمينة محمود، مقيمة مصرية بالدوحة، إن البهجة التي كانت تشعر بها يوم العيد لم يعد لها وجود اليوم بعد التغيرات التي عرفتها العادات الاجتماعية،


مشيرة إلى أن الزيارات قلّت بين الأهل وأصبحت تقتصر على الرسائل الهاتفية وفي أحسن الأحوال الاتصالات المباشرة، وهو ما يتنافى وذلك الزمان الذي كان الجميع يشعر بأن المجتمع كله عائلة واحدة نظراً لتقارب البيوت وقداسة الرابطة العائلية واتباع تعاليم الإسلام.






مظاهر الاحتفالات متوفرة طوال العام


من مصر تقول الدكتورة عزة كريم، أستاذ علم الاجتماع والخبيرة بمركز البحوث الاجتماعية بالقاهرة: «لاشك أن بهجة العيد كانت تتحقق عندما كانت العائلة كلها بكبارها وصغارها تجتمع عند كبير العائلة فى البيت الكبير،

مما كان يضفي على ذلك اليوم بريقاً وبهجة تختلف عن غيره من أيام السنة، ولكن اختفاء هذه العادة مع تفتت البيت الكبير جعل اليوم يمر بشكل عادي،

أيضاً رأينا كثيراً من المظاهر التي كانت مرتبطة بالعيد أصبحت عادية ومتاحة طوال العام مثل الملاهي أو الرحلات أو حتى عادة شراء الملابس فضلاً عن أن العيد أصبح اليوم مناسبة لدى الكثيرين من أجل السفر إلى الخارج وليس لإعادة اللحمة بين أفراد العائلة فليتنا نتكاتف مرة أخرى لنعيد للعيد بهجته».






دور الأجداد إحياء مشاعر البهجة


من قطر ترى الدكتورة أمينة الهيل، أخصائية علم النفس، أن العيد مازال عنواناً للفرح وأن التغيرات التي طرأت على العادات والتقاليد تعد أمراً طبيعياً في ظل التقدم الاجتماعي والتكنولوجي

وتضيف: «قديماً كانت الأسرة مهيأة نفسياً لاستقبال العيد بالفرحة والبهجة، وكانت تدخر كل شيء جديد وجميل لهذا اليوم، الأولاد يشترون الملابس للعيد ويؤجلون نزهاتهم ورحلاتهم الترفيهية حتى يحل هذا اليوم السار،

والأب والأم يقومان بطلاء البيت أو تجديد الأثاث وربما شراء سيارة كلما اقترب العيد، أي أن أفراد الأسرة كانوا مهيئين نفسياً لاستقبال هذا الحدث السعيد، ولكن مع حالة التفكك الأسري والنفسي التي طرأت على المجتمع وتقوقع الفرد في عوالمه الافتراضية مع مواقع التواصل الاجتماعي قتلت مشاعر الفرحة بالعيد،

ولم يعد الجيل الجديد يكترث بالتواصل المباشر مع عائلته وأحياناً أسرته في هذا اليوم تحديداً، مما جعله يتحول إلى يوم عادي بالنسبة لهم».

وتشدد الهيل على أهمية دور جيل الآباء والأمهات والأجداد والجدات فى إحياء المشاعر في الجيل الجديد من جديد، فالعيد مازال فرصة لصلة الرحم.










روتانا