أنت لا تحس بالفانلة على جسمك إلا في اللحظة التي تلبسها ..
وفي اللحظة التي تخلعها
.. أما في الساعات الطويلة بين اللحظتين ..
وهي على جسمك فأنت لا تحس بها ..
إنها على جسمك ..
. تلامس جلدك وتلتف حول صدرك وظهرك وذراعيك
ولكنك لا تحس بها ولا تشعر بوجودها ..
والمرأة بالمثل ..
تحس بها وأنت تشرع في الزواج منها
في فترة التعارف والخطوبة وكَتب الكتاب وشهر العسل
..فإذا لبستها تمامًا كالفانلة وأحاطت بصدرك وذراعيك فقدت الشعور بوجودها ..
وأصبحت مثل قطعة أثاث في البيت تدخل كل يوم لتجدها في مكانها
. مثل المنظر تطل عليه من نافذتك يثيرك للمرة الأولى
ثم يصبح عاديًا ثم تنساه تمامًا ..
وتظل المرأة منسية كالفانلة ..
حتى تأتي اللحظة التي يدب فيها الخلاف بينك وبينها
ويتأرجح الزواج على هاوية الطلاق وتبدأ في خلعها كما تخلع فانلتك
.. وفي تلك اللحظة تعود للشعور بها بعنف وترتجف من خشية فراقها ...
إن الزواج الذي يسمونه الزواج السعيد
الزواج الذي يدوم فيه الوداد وتنتظم فيه العلاقة بين الزوجين
في سياق رتيب هادىء
.. يفتر فيه شعور كل واحد بالآخر وينطفىء الوهج من قلب الإثنين ..
ما السر ؟ ..
السر في كيمياء الأعصاب ..
إن أعصابنا مصنوعة بطريقة خاصة
.. تحس بلحظات الإنتقال ولا تحس بالإستمرار ..
حينما تفتح الشباك فجأة تسمع دوشة الشارع تملأ أذنيك ..
ثم تخف الدوشة شيئًا فشيئًا حينما يستمر صخبها في أذنك ..
وحينما تركب الأسانسير تشعر به في لحظة تحركه
.. وفي لحظة توقفه ..
أما في الدقيقة الطويلة بين اللحظتين
.. فأنت لا تشعر به لأن حركته تكون مستمرة ..
وحينما تنظر للشمس لأول مرة ..تغشى عينيك
.. ولكنك حينما تتعود عليها تبحلق فيها دون أن تتأثر ..
وحينما تعيش متمتعًا بصحة مستمرة لا تحس بهذه الصحة
.. ولا تتذكرها إلا حينما تمرض ..
وحينما تدخل السجن تفقد وزنك في الشهور الأولى ،
لأنك تحس بالفارق بين هواء الحرية وهواء الزنزانة
.. ثم تتعود على الزنزانة فتفقد إحساسك بضيقها ..
.. وتبدأ تأكل بشهية وتسمن ..
إن الدوام قاتل الشعور
.. لأن أعصابنا عاجزة بطبيعتها عن الإحساس بالمنبهات التي تدوم ..
نحن مصنعون من الفناء
.. ولا ندرك الأشياء إلا في لحظة فنائها ..
.. نشعر بثروتنا حينما تفر من يدنا ..
.. ونشعر بصحتنا حينما نخسرها ..
.. ونشعر بحبنا حينما نفقده ..
فإذا دام شيء في يدنا فإننا نفقد الإحساس به .."
* * *
:: للدكتور مصطفى محمود رحمه الله..
تحياتي للجميع