الدار البيضاء - خديجة الفتحي
في معرضها الجديد الموسوم "حنين إلى الأزمنة الهاربة"، والمقام بالمركب الثقافي "كمال الزبدي" بالدار البيضاء، تحتفي الفنانة المغربية أسماء الطاهري بشاعرية أمكنة مستوحاة من العمارة المغربية، وتتناول في أعمال أخرى تيمة الجسد في بعده الوجودي، وفق أسلوب يجمع بين التشخيص والتجريد، الواقعي والشعري.
وفي استعادتها للأثر المعماري للمدينة المغربية العتيقة (الشاون، حي الأحباس بالدار البيضاء، أصيلة..)، تستند الفنانة إلى رؤية تتقصى مجموع المشهد في أبعاده الثلاثية، بما يضمن المنظور الهندسي للفضاء في مستواه التراتبي لخلق ما يسمى تقنية "وهم العين"، وفق سلم التدرج اللوني وجدلية الضوء والظل، مع إبراز معالم الأثر القديمة (طلاء متقشر، لطخة تعتري سطح الجدار، نوافذ حديدية أصابها الصدأ...).
ويقول الناقد الفني عبدالواحد المهتاني، في تصريح لـ"العربية نت"، إن الطاهري في أعمالها الجديدة استطاعت أن تصوغ بنية فنية أعطت للقديم ألقه بإعادة اكتشافه وهو يتوارى في الزمن، يمر تاركا الأثر بما طواه داخله وما يلبث وراءه من مخزون.
ويضيف: هذه الأعمال تستثير الانفعال لدى المتلقي، وتدفع به إلى الاندماج مع العوالم الداخلية لهذه الفضاءات والأمكنة، وهو ما يضفي نوعا من التوافقية في وحدة الإحساس فيما بين الفنانة وبين تجربة المشاهد.
وعلى مستوى الشكل، يشير المهتاني إلى أن اللون في أعمال الفنانة أسماء الطاهري، شبه لا نهائي الطبقات والتشكل، ويهدف إلى خلق نوع من التوافق التشكيلي واستحداث جو بصري، حيث تصبح الأشياء المرسومة في التصوير اللوني خاضعة لضوء وصبغة خاصين.
وتتوزع الألوان، وهي زيتية، على القماش ما بين أصباغ فاتحة وحادة، باردة ودافئة، وفي كل لوحة لابد من وجود اللون الترابي، وإن اختلف تركيزه بين الواحدة والأخرى.
وللخطوط كذلك عند الطاهري، حسب المتحدث، تأثيراتها الفرعية مثل الألوان في إراحة النظر، وتوازن الأجزاء التي تتألف منها الصورة وتعطيها تناسقها، وما في الخط المنحني والشبه دائري والدائري من سلاسة، وما في الخط المستقيم من حسم، كلها تسهم في خلق المتعة الجمالية.
في أعمال أخرى للطاهري، يتبدى الجسد ككتل هادئة وأخرى متحركة، غير أنها تتوحد في الصياغة رسوما شكلية، إشارية ولونية، ملامح وجوهها منطفئة، ومعالمها مجهولة، تعكس حالات فكرية ونفسية وجمالية مشحونة بطاقة تعبيرية، تم تصريفها بصيغ دلالية في تجليات مختلفة ومتضادة في بعض الأحيان.
في هذا السياق، تحضر في أعمال الفنانة، الكمنجات، كعلامات أو أنصاف علامات، تبدو على شكل أطياف بارزة الخصر في استعارة للجسد الأنثوي، فيما تأخذ أحيانا شكل فواصل موسيقية، كما تقدم أسماء شخوصا حيوية راقصة، منتعشة، حالمة، متعطشة لنداء الحرية، وللغواية.
وفي وضعيات أخرى، يبرز الجسد الأنثوي في حالة خلوة، عزلة في أقصى حالاتها وتوترها، ويراوح بين الحيرة والعجز والانزواء والصمت والإنصات لصمت بعيد، والإنهاك والألم والعذاب والحنين والخوف والانطواء.
وتتنوع كتل الجسد ما بين مغلقة وملتبسة وشبه محروقة ومعنفة ومجروحة ومتجمدة ومجهدة، وهي تسكن في حالة استغراق داخلي، ربما في حالة اكتئاب.