بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمَّد وعلى آله الطيبين الطاهرين الهداة المهديين.
التصور والتصديق
سماحة العلاّمة الشيخ إبراهيـم الأنصـاري
ينقسم العلم الحصولي الارتسامي إلى قسمين هما: التصور والتصديق.
التصـور : هو : "إدراك الشيء إدراكاً ساذجاً"ونعني من الإدراك الساذج، الإدراك هو الخالي من الحكم، بمعنى أنه لا يقترن معه الإيجاب ولا السلب، (الإثبات أو النفي)، ولا يصاحبه الإذعان واليقين.
التصـديق :هو : "الإدراك المشتمل على الحكم"فهو إدراك مشتمل على الإثبات أو النفي، مضافا إلى الإذعان واليقين بثبوت الشيء أو ثبوت شيء لشيء. والحكم بمطابقة النسبة للواقع أو عدم مطابقتها له.
توضيح ذلك :إنَّ الإنسان عندما يدرك شيئاً، فهذا لا يعني أنّه صدَّق بوجوده أو عدمه، أو بكيفياته وحالاته من طوله وعرضه وارتفاعه ولونه وغير ذلك، فإنَّ مجرد الإدراك لا يلزمه التصديق فربَّ مُدركٍ للشيء ومتصوِّر له، دون أن يذعن به حيث أنّ التصور هو الإدراك الساذج غير المقترن بالتصديق والإذعان كتصور الهواء وتصور الجبل، وتصوُّر الكَرم أو الشجاعة، أو البخل أو الخوف، وكتصور الحرمة أو الوجوب، أو كتصوُّر جبل من نور أو إنسان ذي رؤوسٍ ثلاثة أو تصوُّر حرارة الجوّ أو حسن الكرم أو قبح البخل، وكذلك ما لو تصوَّر النِسَب غير المتحقِّقة في الواقع الخارجي، كتمني الوصول إلى مقام المخلَصين أو تمنَّى الجهاد تحت راية الإمام المعصوم عليه السلام، أو ترجِّي بلوغ الأسباب في قول فرعون : {لعلِّي أبلغ الأسباب}أو الأمر أو النهي أو الاستفهام، وكذلك المضاف مهما طالت الإضافة،
والصفة والموصوف مهما كثرت الصفات، والصلة والموصول، وطرفٌ من الجملة الشرطية
مثل: {و ألَّو استقاموا على الطريقة} من دون ذكر جواب الشرط، فكلُّ هذه الموارد تعدُّ من التصوُّرات الساذجة من غير تصديقٍ وإذعان، لأنَّه ليس وراءها إذعان ولا حكم حيث لا تشتمل على نسبةٍ مطابقة للإدراك أو غير مطابقة، وإن كانت هناك نسبة فهي غير تامَّة أو أنها تامَّة. وأمّا التصديق فهو: "الإدراك المقترن بالإذعان بالنسبة، والحكم بمطابقتها للواقع أو عدم مطابقتها"وذلك كما لو قلنا: "الغيبة حرام" وأذعنّا بالحكم -أعني حرمة الغيبة- وأمّا إذا شككنا فهو من التصوُّر غير المستتبع للحكم. كذلك لو قلنا "الحلم حسن"، "الزهد حسن"، "الجوُّ حارٌّ"؛ فكل هذه القضايا تصديقيَّة، ونعني بالتصديق: "التصور المستتبع للحكم والإذعان". ومن هنا نعرف أنَّ متعلَّق التصديق ينحصر في شيءٍ واحد وهو: النسبة الحُكمية بين الموضوع والمحمول عند الإذعان بمطابقتها للواقع أو عدم مطابقتها له. فنحن حيث أذعنّا بحرمة الغيبة وبحسن الحلم وبحرارة الجوّ وصدَّقنا بها، صارت هذه التصورات المتعلِّقة بالنسبة الحكمية ملازمة للتصديق والإذعان؛ وكذلك لو أذعنّا بخلافها، كما لو أذعنّا بأن الجو ليس بحار -بل هو بارد- فقد صدقنا بالنسبة، ولكن في هذه المرَّة يكون التصديق متعلِّقاً بخلاف النسبة بين طرفي الخبر حيث أنّها غير مطابقة للواقع.
نتـائج ثلاثـة :ومن هنا يمكننا أن نستنتج أموراً ثلاثة :الأوَّل: التصديق لا يتعلق بالمفردات أصلاً بل يختصُّ بالنسبة الرابطة بين مفردة وأخرى كالمبتدأ والخبر، أو الموضوع والمحمول(سيأتي في القسم الثاني شرح هذين المصطلحين، راجع ص154). الثاني: بما أنَّ النسبة التِّي يتعلَّق بها التصديق، يتوقف وجودها على طرفين رئيسيين هما: (الموضوع والمحمول)، فلا بدَّ إذاً من تصوُّرهما أوَّلاً وتصوُّر النسبة ثانياً ثمَّ التصديق بها.
فإذاً يتوقَّف كلُ تصديق على تصوُّرات ثلاثة
هي:1- تصور الموضوع. 2- تصوُّر المحمول. 3- تصوُّر النسبة.
وأما سائر القيود المرتبطة بالطرفين، كالأوصاف والأحوال، فتصوُّرها يكون ضمنياً تابعاً لهما.
الثالث: إنَّ إطلاق كلمة التصديق على التصوُّر اللازم للتصديق، إطلاقٌ مجازيٌّ ليس بحقيقي،
والمبرر لهذا التجوُّز هو التلازم بينهما فسمينا الملزوم (التصور) باسم لازمه (التصديق).
راق لي فنقلته لكم
دمتم بود