عرافة سودانية تنبأت قبل 40 عاما ان العراق سيقع في قبضة الشياطين
العراق في قبضة الشياطين
عبد اللطيف السعدون/ كاتب عراقي
كنت سألت، أيام كنت في الخرطوم في سبعينيات القرن الماضي، البصارة السودانية العجفاء، فاطمة، والتي قيل إن رؤساء حكومات يستطلعون طالعهم عندها، عن مستقبلنا، فقالت 'ستسقط بلادكم في قبضة الشياطين، وستواجهون زماناً هجيناً، تخوضون فيه حروباً لا تنتهي، تقاتلون وتقتلون، تمتلئ شوارعكم وأزقتكم بالجثث، وتدمر مدنكم وحاراتكم، وتصطبغ بيوتكم بلون الدم، وسيصبح لون الدم أكثر قتامة وسواداً، من كثرة الدماء التي تسيل على الأرض، ولن تجدوا من يوقف سيلها العرم، ولسوف يتكالب الأغراب عليكم، كما تتكالب الكلاب على فريستها، كما ستجدون من بينكم من يقاتلونكم بأسلحة قاتليهم، فلا يعود واحدكم يعرف كيف يتوقى، وبأي شيء يلوذ، ولا يعرف الآخر منكم من قاتلُه، ومتى قتله'!
أحسب أن المرحلة التي أنذرتنا البصارة بمجيئها، قبل عقود، قد حلت الآن، من دون أن نستعد لها، أو نحتاط لمواجهتها، بل إننا طالما سخرنا من تنبؤات المنجمين وقارئي الكف وضاربي الودع، وطالما زعمنا أن القادم سيكون أفضل، وأننا سنترك لأبنائنا وأحفادنا بلداً موحداً ومزدهراً وواعداً بكل ما هو خير وجميل، لكن الأحداث الماثلة كذّبتنا، والعواصف أحاطت بنا من كل جانب، ونذر الشر تقول لنا إن القادم سوف يكون أسوأ وأسوأ!
يتكرر مصداق هذه النبوءة أمامنا كل يوم، وتصدمنا وثيقة صادرة عن بعثة الأمم المتحدة في العراق، تقول إن 1119 عراقياً قتلوا و1946 آخرين جرحوا خلال الشهر المنصرم، وهذه الأرقام، بحسب الوثيقة، لا تشمل ضحايا عمليات 'الأنبار' التي لم تتمكن البعثة من الوصول إليها، ولا تشمل، أيضاً، ضحايا أحداث العنف، نتيجة موجة التهجير الطائفي، ونقص الخدمات، مثل عدم توفر الماء والغذاء والدواء والرعاية الصحية.
لعلها مفارقة ملفتة أن العراقيين كانوا، قبل مائة عام، أفضل أمناً مما هم عليه اليوم، فقد كتب توماس لييل، الحاكم العسكري البريطاني في العراق عام 1913 'إن جرائم العنف لا تتكرر كثيراً في المجتمع العراقي، أما حالات القتل العمد، فهي غير معروفة ونادرة، والمجرمون باعتراف الجميع نماذج سيئة ومنبوذة'!
مفارقة ملفتة أخرى أن معدل ضحايا العنف والحروب في الصومال، في السنوات الخمس الأخيرة، لم يتجاوز الألفي قتيل سنوياً، وهذا يعني أن عدد ضحايا العنف في العراق أكثر من ستة أضعاف الضحايا في الصومال!
هذا هو سوء الطالع الذي أنذرتنا به البصارة، وهو الذي أوقع العراقيين تحت حكم هذه الحفنة من أدعياء الدين واللصوص والقتلة، طوال أكثر من عقد من السنين العجاف، ولينذرهم بما هو أسوأ إذا لم يتصدَّ لإصلاح الحال من بقي ممتلكاً قدراً، ولو ضئيلاً من الحكمة والنزاهة والشجاعة، ممن يمثلون في ظل المحاصصة الطائفية والعرقية الماثلة عملة نادرة.
وسوء الطالع، أيضاً، أن لا تنبري جموع الشعب لمقارعة مسببي هذه التراجيديات الدموية المغرقة في السواد، وتقذف بهم في مزبلة التاريخ، بعدما استكانت للإذلال اليومي، وقد خدّرها أدعياء الدين، إلى درجة أنها تجزم، على وقع ضربات 'القامات' التي تلهب صدورها، في مواكب مسيرات العذاب إلى ما قبل ألف وأربعمئة عام، أن ما تشهده هو قدر محتوم على هذه الأمة، وأن عليها فقط انتظار ظهور المهدي، لكي تدرك خلاصها!
هكذا، يطول انتظارها إذن، ربما لزمن قد لا ندرك نهايته ونحن أحياء. وهكذا، تتكرر مناحاتها، وتظل شارتها مكسوة بلون الدم، الذي قال المفكر الفلسطني الراحل، هشام شرابي، مرة إنه لون عصرنا، لكن لون عصرنا العراقي، اليوم، هو الدم الأكثر قتامة وسواداً.