Sunday, January, 08, 2011
ضرير "مالك الحزين" يبصر، وكذلك قارئ إبراهيم أصلان
يوظف إبراهيم أصلان كافة الحواس في كتاباته الروائية
توفي السبت في القاهرة الروائي ابراهيم اصلان مؤلف رواية "مالك الحزين" وأحد ابرز كتاب الستينات في مصر عن عمر يناهز 77 عاما إثر اصابته بأزمة صحية.
وقال نجل المتوفي أن والده توفي بعد ظهر السبت بعد اسبوع من اصابته بنزلة برد.وأوضح أن والده "تناول دواء لمعالجة البرد إلا أن هذه الادوية اثرت على عضلة القلب واربكت وظائفه".
وولد ابراهيم أصلان مولود في محافظة الغربية إلا انه عاش غالبية سنوات عمره في ضاحية امبابة الشعبية في القاهرة.
وبدأ مشواره الادبي بكتابة القصة القصيرة واصدر اول مجموعاته القصصية "بحيرة المساء" التي جذبت بشدة له الكاتب والمفكر يحيى حقي الذي وقف إلى جانبه وساهم بنشر الكثير من اعماله القصصية في مجلة "المجلة" كان يرأس تحريرها.
وفي نهاية الستينات ساهم الروائي المصري الراحل نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للاداب والناقدة الراحلة لطيفة الزيات في نقل اصلان من عمله كموظف بسيط في البريد للتفرغ للانتاج الثقافي.
وحظيت باكورة رواياته "مالك الحزين" باهتمام المثقفين المصريين والعرب وجمهور القراء وقد اختيرت واحدة من بين اهم مئة رواية عربية.
واستوحى أحد كبار المخرجين المصريين دواود عبد السيد من هذه الرواية قصة فيلمه "الكيت كات" الذي اختير من ابين اهم مئة فيلم انتجتها السينما المصرية منذ انطلاقها قبل اكثر من 112 عاما وحقق الفيلم نجاحا باهرا عند عرضه في السينما.
وعمل ابراهيم اصلان رئيسا للقسم الادبي في جريدة الحياة اللندنية منذ بداية التسعينات وحتى رحيله كما تولى ايضا منصب مدير سلسلة نشر في هيئة قصور الثقافة مهتمة بنشر الابداعات العربية وكان لنشره رواية "وليمة الاعشاب البحر" لحيدر حيدر أزمة اثارها التيار الاسلامي.
وبعد اندلاع ثورة 25 يناير ضد نظام الرئيس السابق حسني مبارك اختير أصلان ليكون احد المشرفين على انتقاء الكتب التي يمكن للهيئة المصرية العامة للكتاب ان تنشرها.
ومن أعمال أصلان التي صدرت مؤخرا عن دار الشروق "عصافير النيل" ورواية "حكايات فضل الله عثمان" و"وردية ليل" المستوحاة من عمله كساعي بريد و"خلوة الغلبان".
______________________________________
من لا يذكر شخصية الشيخ حسني، أحد شخصيات رواية "مالك الحزين"، الضرير، الذي لا تسعفه بصيرته برصد يوميات أبناء الحي فقط، بل هو يقود الدراجة، في شوارع القاهرة، كأي شخص مبصر.
تلك الشخصية، كأنها مجاز لمنظور أصلان للتصوير الروائي، ورغبته بتحدي المستحيل: أن يجعل القارئ يبصر لا من خلال عينيه بل من خلال "بصيرته"، التي هي في لغته النقد الأدبي "القدرة التخيلية".
هذا ما قاله الكاتب الذي رحل اليوم عن عالمنا في مقابلة مع مجلة "دويتشة فيله" الألمانية، حيث عبر عن أحساسه بعجز اللغة عن نقل الصورة بسهولة نقل الكاميرا لها.
مهمة الكاميرا سهلة، فهي لها عين (عدسة) ترى، كالإنسان، ولذلك فهمتها سهلة نوعا ما.
أما اللغة، فتلك حكاية أخرى.
أحد الشعراء، السوري عابد إسماعيل، قال في تعبيره عن ذلك "اللغة هي أكبر خيانة في حق المعنى"، وهو بذلك يعني أن نقل المعنى من ذهن الكاتب إلى إدراك القارئ باستخدام اللغة كوسيط هو مهمة في غاية الصعوبة، وهي لا بد تفقد المعنى جزءا من سماته.
هذا كان مأزق الكاتب إبراهيم أصلان أيضا، فهو يدرك صعوبة مهمته ككاتب، لذلك هو يستنجد بكل حواس القراء "السمعية والبصرية وحتى حاسة الشم" كما قال في تلك المقابلة مع المجلة الألمانية، حتى يوصل "الصورة" إلى القارئ بأقرب شكل ممكن لما يدور في خيال الكاتب.
"جيل الغاضبين"
ينتمي إبراهيم أصلان إلى جيل من الروائيين المصريين الذين نشطوا في نهاية الستينيات وحقبة السبعينيات من القرن الماضي.
هناك سمات مشتركة تربط بين إبراهيم أصلان وعبدالحكيم قاسم (الذي رحل عن عالمنا في وقت مبكر) وصنع الله إبراهيم وجمال الغيطاني، الذين ينتمون إلى ذلك الجيل: الصدمة التي أصابتهم بها الهزيمة التي منيت بها الجيوش العربية أمام الجيش الإسرائيلي، وتأثير ذلك على أدبهم.
كان أدب هؤاء "الشبان الغاضبين" مجددا في عوالمه وأسلوبه، تجريبيا في بعض نواحيه، وشكل نوعا من الثورة على تقاليد الكتابة التي كانت سائدة حتى ذلك الوقت.
"الأدب الغاضب" من حيث هو رد فعل لتراجيديا سياسية إنسانية هو شيء مألوف، فقد عرف في أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية التي أنتجت مدارس غير تقليدية في الكتابة المسرحية والروائية، وجيلا عرف باسم "الغاضبين"، الذين ميز كتاباتهم الإحباط وفقدان الثقة بمؤسسات المجتمع السياسية والدينية والأخلاقية (جون أوزبورن، كينغسلي إيميس، هارولد بنتر، صموئيل بيكيت ، إدوارد أولبي).
تباينت أساليب "كتاب الغضب" المصريين في التعبير الفني عن غضبهم، فمنهم من استشرف المستقبل، وأحدهم استلهم الماضي (الكاتب جمال الغيطاني، ربما كرد فعل مغاير لردود فعل الآخرين الذين رأوا في كثير من سمات الماضي أشباحا للتخلف، بينما الغيطاني تشبث بالتراث اللغوي والتاريخي) .
إبراهيم أصلان، الذي قدم تناولا جديدا للواقع الاجتماعي وشخصياته بقي مخلصا للرؤية التقليدية للعالم الروائي، الذي يتمسك بعناصر التشويق والمتعة فيه (بعكس الروائي إدوار الخراط مثلا، الذي يقول انه ليس مطلوبا من الرواية أن تكون ممتعة)، وهو، أصلان، يقول "إذا اخترعت شخصية واخترعت لها سيكولوجية واخترعت لها مصيرا، فقد اخترعت جثة".
في هذا يختلف أصلان عن الكثيرين من الروائيين المجددين في العالم، الذين يرون أن "الاختراع" و "الخيال الجامح" هو عنصر أساسي من عناصر الإبداع، وتزخر رواياتهم بالمصائر والمسارات الغرائبية "المخترعة".
أحبته الكاميرا
كانت كتابات إبراهيم أصلان مفضلة لدى مخرجي الأفلام الروائية، فقد تحول أكثر من عمل من أعماله الى فيلم سينمائي، وأبرزها كان فيلم "الكيت كات" الذي بني على رواية "مالك الحزين".
ومع أن الفيلم أسقط بعض عناصر الرواية، وهذا شيء طبيعي، إلا أن الكاتب كان راضيا عنه، لأنه احتفظ بالأجواء الأساسية للرواية.
ليس صعبا معرفة سر الود المتبادل بين كتابات أصلان والمخرجين السنيمائيين، وهو يكمن في فلسفة الكتابة الروائية التي أشرنا إليها آنفا، والقائمة على تجنيد كل الحواس لاستحضار الأجواء والشخصيات، مسهلا بذلك مهمة المخرج البصرية.
بدأ إبراهيم أصلان حياته الأدبية بكتابة القصة القصيرة، ومن مجموعاته القصصية : بحيرة المساء، وهي مجموعته القصصية الأولى التي صدرت في أواخر الستينيات، وكذلك يوسف والرداء، ووردية ليل.
ومن أعماله الروائية:
مالك الحزين وعصافير النيل.