تشكل ثقافة الحوار اللبنة الأولى من لبنات احترام الرأي والرأي الأخر، ومقدمة لبناء أسس الديمقراطية باعتبارها ضرورة إنسانية وحضارية. إن الحوار في معناه الصحيح لا يقوم ولا يؤدي إلى الهدف المنشود إلا إذا كان هناك احترام متبادل بين الأطراف المتحاورة من حيث، احترام كل جانب لوجهة نظر الجانب الآخر. وبهذا المعنى فإن الحوار يعني التسامح واحترام حرية الآخرين حتى في حالة وجود اختلاف في الرأي، ذلك أن احترام الآخر لا يعني بالضرورة القبول بوجهة نظره.
والحوار يبنى على وجود رؤى مختلفة، أي أنه يجري تحديداً مع الآخر المختلف، ويكون الهدف منه إثراء الفكر وترسيخ قيمة التسامح بين الناس ومد جسور التفاهم بين الأمم والشعوب، وفي الوقت ذاته الانفتاح على الآخر لفهم وجهة نظره ثم للتفاهم معه، بما يقود إلى فهم متبادل، كما أنه الطريق إلى استيعاب المعطيات والوقائع المكونة لمواقف الطرفين المتحاورين، ثم إلى تفاهمها. لذلك نجد أن من آداب الحوار حسن الخطاب وعدم الاستفزاز أو ازدراء الآخرين، فالحوار غير الجدال وعليه فإن احترام أراء الآخرين شرط نجاحه.
معنى هذا أن الحوار يحمل معنى التسامح وقبول الآخر ، فضلا عن احترام وعقلانية وروح التعايش والود بين أطرافه ، وكل هذا ضد :
1. الإقصاء أو استبعاد الطرف الآخر.
2. الاستفزاز أو العنف أو التشويه والتقليل من قدر الآخر.
3. الصراع وفرض الرأي الواحد .
أن أي حوار يستلزم من حيث المبدأ تحديداً مسبقاً لأمرين أساسيين: الأمر الأول هو التفاهم على ماذا نتحاور، والأمر الآخر هو التفاهم لماذا نتحاور. فلا بد من تحديد منطلقات وقواعد الحوار ، أي السياق الإطاري للحوار بما يتضمنه هذا السياق من موضوع الحوار وأهدافه وحدوده وقواعده وأسسه.
من ذلك أنه يتم توقع وجود اختلافات في وجهات النظر، وكما يشاع "الاختلاف لا يفسد للود قضية". فحدوث الاختلاف على مختلف المستويات في المجتمع الواحد هو أمر طبيعي، حيث لا يمكن أن تتفق جميع مكونات المجتمع بكافة انتماءاته السياسية واختلافاته الأيديولوجية والثقافية على وجهة نظر موحدة. والمجتمع الذي يعرف مثل هذا الاتفاق يعد مجتمعاً ساكناً وجامداً، فبالتعددية يزدهر المجتمع وبالتنوع يصبح حيويا بممارسة الحوار الذي من شأنه الوصول إلى اتفاق مبني على ثوابت ومعطيات الإصلاح والتنمية .
والتنشئة على ثقافة الحوار أصبحت ضرورة في المجتمعات المعاصرة ، وذلك من خلال قنوات وآليات متنوعة ، تبدأ من الأسرة والمدرسة وصولاً إلى الإعلام والانترنت والمؤسسة الدينية ومنظمات المجتمع المدني.
ويتوقع دائماً أن تعمل هذه المؤسسات والقنوات في أطار يكفل الانسجام وعدم التضارب في المضامين التي تقدمها للنشء، وأفراد المجتمع لتربيتهم على ثقافة وقيم الحوار وقبول الآخر.
ولعل من أهم أهداف ومهام معهد البحرين للتنمية السياسية تعزيز ونشر ثقافة الحوار وتبادل الرأي، وبناء عليه نفذ المعهد العديد من البرامج والمحاضرات والندوات .
إن على الجميع، أفراداً ومؤسسات، واجب المبادرة بتنمية التفكير وتطوير آليات تأسيس وعي جديد، وذلك بالانفتاح على تجارب الثقافات المختلفة، واستخدام الإعلام المرئي والمسموع بشكل جاد للحث على ثقافة الحوار، وممارسة الحريات ضمن إطار القانون ، والانتقال بالثقافة والفن والتفكير من حالات الفوضوية والتعصب إلى جودة الأداء وانفتاح التفكير وقبول الآخر وتقبل النقد والاعتراف بالخطأ. إنها مبادئ لابد من غرسها في عقول أبناء الجيل الجديد، بالإضافة إلى أوساط الطبقة المثقفة والمتعلمة، بما يجعل طريقة ممارستها بين تلك الأوساط وسيلة للانتقال إلى باقي شرائح المجتمع، على اعتبار أن نخبة المثقفين تشكل القاطرة لباقي جماعات وفئات المجتمع في توجهها نحو التطور والوعي والبناء والنهضة..