مفهوم الحرية الشخصية:
الحرية الشخصية تتعلق بكيان الفرد وكرامته وهي مصدر القيمة الانسانية ومن الاسباب الرئيسية للتقدم والرقي نحو المثل العليا ، واذا كانت الحرية قد نشأت مع الانسان منذ ولادته( الانسان يولد حرا) الذي كرره جان جاك روسو ابان القرن الثامن عشر ودافع عنها فولتير ومونتسكيو وماورد عن لسان الخليفة عمر بن الخطاب (رض) برسالته الى عمر بن العاص(متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرار) باعتبارها اهم الحريات الاساسية.
ان المراد من مفهوم الحرية الشخصية هي الحرية الفردية في الذهاب والاياب والتنقل بدون قيود او شروط واحترام الخصوصية الشخصية واجراء التصرفات في كل مايتعلق بذات الانسان على ان يكون وفقا للنظام العام والاداب .
وقد شهد العالم قديما وحديثا ثورات كان من اسبابها الرئيسية تعسف الملوك والحكام ومن ابرز تلك الانتصارات وثيقة العهد الاعظم(المكناكارتا) التي اجبر الملك جون سنة 1215 على توقيعهاونزل فيها عن صلاحياته القضائية واخذ على نفسة بان لايقبض او يحبس او يوقف او يعدم أي فرد الا بموجب قرار صادر طبقا للقانون .
بعد هذا العرض البسيط لابد من استعراض هذا المفهوم وفقا للدستور العراقي والاعلانات والمواثيق الدولية ذات العلاقة ...
اولا: الدستور العراقي 2006
بما ان المماس بحرية الانسان الشخصية لاتبرره الا المصلحة العليا للمجتمع وهو مبدأ استثنائي يجب عدم التوسع فيه وقد تناول الدستور المركز القانوني للفرد وفقا للمواد التالية:
المادة 19/ثالثا : التقاضي مصون ومكفول للجميع وحق الانسان في الدفاع المقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة، وكذلك الفقرة الخامسة من المادة اعلاه(المتهم برئ حتى تثبت ادانته)، والفقرة التاسعة على اعتبار العقوبة شخصية. وقد تأيدت هذه النصوص بنصوص صريحة في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 حيث نصت المادة الاولى (لاعقاب على فعل او امتناع الا بناء على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه ولا يجوز فرض عقوبات او اجراءات احترازية مالم ينص عليها القانون. وكذلك ماورد في المادتين 322 و 325 من القانون المذكور..
كما ان قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 اورد في نصوصه ضمانات متعددة في خصوص الحرية الشخصية خاصة عند القبض والتوقيف والاستجواب كما ورد في الباب الخامس المواد 87 / 91 / 109 / ومابعدها وايضا قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 اكد هذه الضمانة ( على ان الاصل براءة الذمة). وايضا القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 ....
ثانيا : اعلان حقوق الانسان والمواطن الفرنسي والحرية الشخصية
تعتبر الوثيقة التي اصدرتها الجمعية الوطنية الفرنسية عام 1789 على اثر الثورة الفرنسية افضل وثيقة اكدت حماية الحقوق والحريات ( ان الناس يولدون احرارا ويعيشون احرارا) ، وايضا ماورد في المادة 4 من الوثيقة( تقوم الحرية الشخصية على حق المواطن في ان يمارس كل عمل لايضر بالاخرين). اما المادة 7 فتضمنت (حماية الامن للمواطن والمحافظة على حريته(لايجوز اتهام أي شخص او توقيفه او سجنه الا في الحا لات والاشكال التي يحددها القانون ، والمادة 9 تمسكت بالقاعدة التي اقرتها الشرائع القديمة مثل قانون حمورابي وهي(الاصل براءة الذمة ويعد كل شخص بريئا مالم تثبت ادانته) ، كما ان المادة 16 اعتبرت كل مجتمع لايصون حقوق المواطن وحرياته يعتبر مجتمعا بلا دستور .
هذا وقد تناولت اكثر الدول عددا من الاعلانات ومنها الاعلان الامريكي للاستقلال لعام 1776 كذلك اصدر الحزب الشيوعي السوفيتي عام 1918 اعلان حقوق جماهير العمال..
ثالثا: الاعلان العالمي لحقوق الانسان
اذا كانت موسوعة الامم المتحدة عرفت الاعلانات بانه مصطلح دولي في نظام الامم المتحدة يعكس بيان قانونيا صيغ من قبل حكومات او مجموعة حكومات ويشير الى توافق على بيان والالتزام به ، ومنذ تاسيس الامم المتحدة عام 1945 قام المجلس الاقتصادي والاجتماعي بتعيين لجنة حقوق الانسان عام 1946 لاعداد اللائحة الدولية بهذا الشأن وبعد اجتماعات تمخضت الاعمال عن اقرار الاعلان العالمي لحقوق الانسان في 10 كانون الثاني 1948 .
واهم المبادئ الاساسية التي تضمنها الاعلان بخصوص الحرية الشخصية :
المادة ثالثا: لكل شخص الحق في الحياة والحرية والسلامة الشخصية كما اكدت الضمانات القضائية ومبدأ الاصل براءة الذمة .
اما المادة الخامسة فقد تضمنت عدم اللجوء الى وسائل التعذيب والمادة الثانية عشر لايعرض احد في حياته الخاصة او اسرته او مسكنه لاي تعسف ... ولكل شخص الحق في ضمانة القانون ، اما المواد 28 – 30 فقد تضمنت المواد الختامية ومنها لكل انسان الحق في ان يتمتع بنظام اجتماعي تتوفر فيه الحقوق والحريات دون ان يكون لاي دولة او جماعة او فرد القيام بنشاط او عمل يهدف الى هدم تلك الحريات .
رابعا :الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية
ان مفهوم الاتفاقية كما عرفتها موسوعة الامم المتحدة بانها مصطلح دولي يعبر عن اتفاق دولي ثنائي او متعدد الاطراف يمكن ان يكون مفتوحا للدول الاخرى كما عرفتها المادة 2 من اتفاقية فيينا للمعاهدات لعام 1969 بانه اتفاق دولي معقود بين الدول بصورة خطية وخاضعة للقانون الدولي .....
وقد اعدت لجنة حقوق الانسان اتفاقيتين هما اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية والبروتوكول الملحق بهما والثانية اتفاقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وذلك في 16/12/1966 وتاريخ نفاذهما في 1976 وقد اعتبرت هذه الاتفاقيات تجسيدا الى المبادئ والاعلانات الدولية للحرية الشخصية وفق مايلي : -
المادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وهي الحق في الحياة وعدم جواز اتهام أي شخص دون محاكمة وتحريم الاسترقاق وعدم ادانة أي شخص عن فعل لن يشكل جريمة.
كما ان المادة 14/1 من الاتفاقية ان جميع الاشخاص متساوون امام القضاء ولكل فرد الحق عند النظر في تهمة جناية ضده او في حقوقه في مايجب ان تكون محاكمة عادلة ومحكمة مستقلة وحيادية قائمة بموجب القانون، كما ان المادة 14/2 ( من حق كل متهم بارتكاب جريمة ان يعتبر بريئا الى ان يثبت الجرم عليه ).
اما المادة 14/3 ( لكل متهم ان يتمتع اثناء النظر في قضيته وعلى قدم المساواة التامة بالضمانات التي عددتها الفقرات الواردة في المادة علاه وهي ( أ ، ب ، ج ، د ، هـ ، و )
اما المادة 16 (فلكل انسان في كل مكان الحق ان يعترف له بالشخصية القانونية )
الاثار القانونية المترتبة لانضمام الدول الى الاتفاقات والاعلانات الدولية
ان الانضمام الى هذه الاتفاقيات يترتب عليه التزام داخلي ضمن القوانين الوضعية واعتبار الاتفاقية جزء من القانون الداخلي وكذلك التزامات ذات طابع دولي اتجاه المجتمع الدولي المتمثل بالامم المتحدة واللجان التعاهدية التي تختص برصد هذه الاتفاقيات.
وبما ان العراق التزم بمبادئ الاعلان العالمي كما انضم الى الاتفاقيتين (اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية والثانية اتفاقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ) وبموجب القانون رقم 193 لسنة 1970 واستنادا لقانون المعاهدات والاتفاقات الدولية العراقي رقم 111 لسنة 1979 وقانون النشر رقم 78 لسنة 1966 المعدل لذلك اصبح النظام القانوني لتلك الاتفاقيتين وكما ذكرنا ترتب التزام داخلي اتجاه المواطنين والتزام دولي اتجاه المجتمع الدولي المتمثل بالامم المتحدة ولجاناتها ووكالاتها المتخصصة.
المصادر:
القانون الدولي لآرثر ميلر
دبلوماسية حقوق الانسان للدكتور باسيل دار الحكمة 2001
ديباجة الامم المتحدة ونصوص الميثاق 1945
الاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية فيينا لعام 1969
تدوين الدساتير للدكتورة تيرور 1998