كان وسيماً حد الدهشة… غنياً منذ الولادة… ملعقته الذهب كانت مضرجة بالنفط… كان أول من تعلم…
وأول من بنى بيتاً كبيراً دفن فيه كل كنوزه… هو… ذو قامة طويلة ووجه رجولي بإمتياز…
لكنه كان أرملاً… تركت له زوجته الحسناء ثمانية عشر طفلاً… كانَ بيته العملاق أمنية كل أهل المنطقة…
ولكن من سوء حظه… كانت له جارتان حسناوان جداً… داهيتان… متلونتان…
تهرول أبنته الصغيرة بغداد إليه…
- “بابا بابا خالة ايران دكت علينا الباب وتريد تشوفك”
- ” بابا كم مرة گلتلچ لتفتحيلها الباب هذه إمرأة لعوب حاطة عينها على بيتنا تريد تتزوجني دتاخذة
اني اخر عمري أجيبلكم مرة أب!؟”
يركض نجف برفقة أنبار… يلعبون سوياً ويدافعون عن بعضهم البعض في المدرسة ضد أولاد
الجارتين الداهيتين… ويأتون كل مساء إلى الأب الوقور كما عهدوه ماسكاً كتابه ويقرأ بنهم…
- “بابا عراق…!”
- “اي بابا…”
- ” خالة تركيا دزتلك استكان الچاي هذا وتگولك أريد أحچي وياك”
- “ملعونة هاي تركيا خوش چاي تسوي بس يا ولدي مية مرة گايللكم هاي المرة لعوب…
عينها على بيتنا وتريد تتزوجني حتى تاخذه… آخر عمري أجيبلكم مرة أب!؟”
تمر الايام بسرعة وعائلة عراق تكبر… وتكبر قاعدة الذكريات المشتركة بينهم…
كانت موصل لا تحب أن تقص قصصها إلا لكربلاء، وزاخوا متعلقة جداً ببصرة…
وكانت ديالى بيت سر أختها عمارة… وتلك ناصرية لها قصصٌ طويلة مع أختها التوأم سامراء…
كانت عائلة عراق من أرقى عوائل المنطقة… هم الأذكى في المدرسة والاحسن ترتيباً وألافخم هنداماً…
وفي ليلة حالكة ذهب عراق إلى المكتبة… ليخطف بعدها ويقع فريسة سجنٍ طويل…
ظل أولاده وحيدين يرسمون كل يوم أحلامهم على الورق بأماني رجوع والدهم من الغياب…
وبعد غياب سنين عجاف… وصل الاب إلى بيته تعب منهك… مريض، أكلته الايام
وعبأه السجن تراباً والماً… حينَ وصل بيته صدم بشكل الباب المتهرئ المفتت…
فرأى أولاده وقد تجمع بعضهم في حضن إيران والآخرون في حضن تركيا…
سألهم والدمع يجلد خده… فقام أحدهم ليصرخ بوجهه…
- “لم تخبرنا الحقيقة نحن أولاد تركيا كل تلك السنين وأنت تكذب علينا وتلفق الأكاذيب كي لا نرجع لحنانها…”
صرخ الاخر:
- “كذلك فعلت مع أمنا إيران تلك المرأة الملكة… حرمتنا من حنانها من حبها من أولادها إخواني…”
ثم صرخ آخرون: “أنت لم تخبرنا الحقيقة أنت كذاب… أنت لست أبانا جئت بنا إلى أحضانك كي تسرق تركتنا من الورث…”
جثى عراق على ركبتيه طويلاً… تنز به سموم كلماتهم حتى بلل الدمع معطفه… قالَ لهم
“أنتم أولادي وأمكم إلهة الجمال في أساطير الخليقة… أمكم عشتار”… لم يسمعه أحد…
صرخ الجميع وعمت الفوضى… بدى ضعيفاً مهزوزاً مريضاً… لم يعد قادراً على الصراخ حتى
جائت صغيرته بغداد تجر ذيل المعطف المأكول وهي بوجهٍ مغبر من رائحة البارود في المنزل…
قالت:
- “أبي أبي أخبرني… ومن تكون أمي..!؟” فنظر إليها نظرة طويلة… بغداد المدللة الجميلة…
حافية بقدمين متعبين وساقٍ ملطخة بالطين وبقايا التراب… قال يا بغداد… أمك مجهولة الهوية…
كما الجثث فيكِ…! إنَ كيدهن عظيم