إغتيال الفكر ومحو التاريخ العربي ..
بقلم هاني شاهين
” يقول المؤرخ البريطاني هوبل: “إن أردت أن تلغي شعباً ما تبدأ أولاً بشل ذاكرته، ثم تلغي كتبه وثقافته وتاريخه، ثم تكتب له كتاباً واحداً فقط وتنسب له ثقافة هذا الكتاب، وتخترع تاريخاً من هذا الكتاب وتمنع عنه أي كُتب أخرى عندئذ ينسى هذا الشعب من كان وماذا كان وينساه العالم”.
خسر العالم العربي والإسلامي العديد من العلماء البارزين في شتى المجالات العلمية والثقافية منذ فجر الإسلام وما زال الى يومنا هذا يخسر بسبب الجهل، الخيانة والعمالة المستشرية في هوائنا الذي نستنشقه. لا يمكننا إحصاء أو حصر هذه الكارثة الحضارية بعدد أو مكان معين في العالم العربي، فما حصل عبر التاريخ كان مجزرة بحق العلم والفكر والتطور والإزدهار، كان مجزرة بحق الإنسان والدين في كل بقعة من الأرض العربية والإسلامية بل في كل بقعة من هذا العالم، والوضع المزري الذي نعيشه اليوم هو أكبر برهان على الجرائم التي ارتكبت بحق العلم والعلماء العرب والمسلمين عبر التاريخ.
السبب الرئيسي الذي كان وراء الإغتيالات هو خوف الحكام من الفكر المستنير والعلم البليغ الذي يمكن أن يسبب بتعريتهم وإظهارهم على حقيقتهم وبالتالي خسارتهم لملكهم، كما كان للدول الغربية اليد الطولة في إغتيال العلماء العرب منذ أوائل القرن العشرين بالتعاون مع عملائهم في الداخل العربي، خاصة علماء الطاقة والصواريخ في سورية، مصر، لبنان، العراق وفي ظل الصراع الدائر في المنطقة. نستذكر هنا بما شهده علماء العراق وسورية بعد العدوان الصهيوني الأعرابي عليهما وتغلغل الموساد وأجهزة الإستخبارات الغربية وعصابات القتل المأجورة والتكفيرية.
سوياً سنغوص في أعماق التاريخ لنتعرف على أسماء هؤلاء العظام الذين قُتلوا ظلماً أو ماتوا حسرةً وقهراً. هؤلاء الذين ساهموا في نشر العلم والمعرفة في جميع أنحاء العالم وكان لهم الفضل الكبير في عزة العرب ووضعهم على خارطة التنافس العلمي والثقافي.
إليكم بعض الأمثلة على هذه الفضاعات الوحشية التي دفعت ثمنها الشعوب غالياً، مع العلم أن هذه الأمثلة القليلة هي ما تم توثيقها في المراجع التاريخية، أما تلك التي تعرضت للنسيان و لم تذكر في أي مرجع فهي كثيرة جداً.
إغتيالات القرن العشرين
1. أول العلماء الشهداء في القرن العشرين هو العالم اللبناني حسن كامل الصباح (أدونيس الشرق) من نوابغ المخترعين وكبار المكتشفين ورائد من رواد العلم البارزين على مستوى العالم والذي تنسب له مئات الاختراعات في مجال الكهرباء والطاقة والهندسة، وهو الذي اخترع جهازًا لنقل الصورة عام 1930، ويستخدم اليوم في التصوير الكهروضوئي، وهو الأساس الذي ترتكز عليه السينما الحديثة، وخاصة السينما سكوب بالإضافة إلى التليفزيون. وفي العام نفسه اخترع جهازًا لتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية مستمرة وأراد نقل هذه التقنية لإنارة الدول العربية ولكنه أغتيل في حادث سير مدبر في الولايات المتحدة عام 1935 وكان عمره آنذاك لم يتعدى الأربعين عاما، وأحاط حادث اغتياله الغموض إلى يومنا هذا.
2. مصطفى مشرفة “اينشتانين العرب” كان واحد من اهم واشهر العلماء العرب فى القرن العشرين حتى ان اينشتاين عندما علم بوفاة هذا الرجل قال ان اليوم قد مات نصف العلم، وقد مات مسموما عام 1950.
3. الفيزيائية المصرية وعالمة الذرة سميرة موسى التي تلقت عروضا مغرية لتبقى في الولايات المتحدة ولكنها رفضت حيث قالت عبارتها الشهيرة “ينتظرني وطن غال اسمه مصر” فتعرضت لحادث سيارة مدبر وتوفيت عام 1951.
4. عالم الذرة المصري سمير نجيب الذي قتل أيضا في حادث سيارة مدبر في الولايات المتحدة عام1967
5. عالم الذرة المصري نبيل قليني الذي اختطف واختفى في براغ عام 1975 وما زال الى الآن.
6. العالم النووي المصري يحيى المشد الذي عمل في العراق ووجد مهشم الرأس في غرفته في فندق المريديان في باريس عام 1980.
7. عالم الذرة الفلسطيني نبيل أحمد فليفل الذي اختفى فجأة ثم وجدت جثته في منطقة بيت عور الفلسطينية عام 1984 وطويت القضية من دون أي تحقيق.
8. عالم الفضاء المصري المختص في علم الصواريخ سعيد السيد بدير الذي هرب من امريكا بعد تهديده بالقتل ثم قتل في الاسكندرية عام 1988.
9. العالم النووي اللبناني رمال حسن رمال أحد أهم علماء الذرة التي كانت الدوائر العلمية تعتبره أحد أهم الشخصيات التي ستصنع مستقبل فرنسا العلمي والذي قتل بعد تهديدات خلال عمله في فرنسا عام 1991.
10. الباحثة المصرية في الوثائق الصهيونية الدكتورة سلوى حبيب التي تم ذبحها في شقتها بعد انتهائها من كتابة كتابها الأخير “التغلغل الصهيوني في أفريقيا”
11. المؤلف والمؤرخ والباحث المصري الدكتور جمال حمدان الذي عثر على جثته عام 1993 نصفها الأسفل محروق.
12. وجرّاحة الدماغ من الجزيرة العربية الدكتورة سامية عبد الرحيم ميمني التي كان لها أكبر الأثر في قلب موازين عمليات جراحات المخ والأعصاب وقد توفيت في ظروف غامضة حيث قتلت خنقا في شقتها ووجدت جثتها في إحدى المدن الاميركية داخل ثلاجة عاطلة عن العمل.
13. وفي كارثة أقل ما يقال فيها أنها تمثل أكثر مآسي القرن الحادي والعشرين، تم استهداف وقتل أكثر من 350 عالما و200 أستاذ جامعي من العقول والأدمغة العراقية من مختلف الاختصاصات أثناء الإحتلال الأمريكي وكان هؤلاء يمثلون نخبة العراق المميزة التي كانت رأسمال العراق الفكري والعلمي على مر عشرات السنين من العمل والعلم المتواصل. ومن أهم العلماء الشهداء الذين استهدفتهم يد الاجرام الصهيونية نذكر محمد الراوي، عماد سرسم، محمد الدليمي، عبدالله الفضل، محمد حسين علي، علي عبدالحسين، محمد حسين طالقاني، محي الدين حسين، مروان الهيتي، محمد الازميرلي وآخرون كثر.
باسم الدين والحُكّام يُقتل العلماء
1. العالم والفقيه والحكيم الإمام علي بن أبي طالب صاحب كتاب نهج البلاغة (599م- 661م) ابن عم النبي محمد (ص) وزوج ابنته فاطمة ووالد الحسن والحسين، ضُرب على رأسه بسيف مسموم وهو يؤم المسلمين في مسجد الكوفة. والذي قال عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب”، “من أحب أن ينظر إلى إسرافيل في هيبته، و إلى ميكائيل في رتبته، وإلى جبرائيل في جلالته، وإلى آدم في سلمه، وإلى نوح في خشيته، وإلى إبراهيم في خلته، وإلى يعقوب في حزنه، وإلى يوسف في جماله، وإلى موسى في مناجاته، وإلى أيوب في صبره، وإلى يحيى في زهده، وإلى يونس في سنته، وإلى عيسى في ورعه، وإلى محمد في حسبه وخلقه، فلينظر إلى علي، فإن فيه تسعين خصلة من خصال الأنبياء جمع الله فيه ولم يجمع لأحد غيره”.
2. الجعد بن درهم (667م- 724م) تم ذبحه كأضحية في أول أيام عيد الأضحى.
3. قُتل عبد الله بن المقفع وهو في مقتبل العمرولم يتجاوز السادسة والثلاثين عند موته (724م ـ 759م) وكان سفيان بن معاوية يبيّت له الحقد، فطلبه، ولما حضر فقيّده وأخذ يقطعه عضواً فعضواً ويرمي به في التنور ويجبره على أكل جسده مشويًا حتى لفظ آخر أنفاسه ومات.
4. سُجن أبو الكيمياء جابر ابن حيان حتى وافته المنية سنة 815 م.
5. ضُرب عنق الإمام أحمد بن نصرالخزاعي سنة 846م وحُزّ رأسه وداروا به في الأزقة بقي الرأس منصوبا ببغداد
والبدن مصلوبا بسامراء ست سنين إلى أن أُنزل.
6. كفّروا وصلبوا الفيلسوف الحسين بن منصور الحلاّج سنة 922م.
7. اضطُّهد وحُوصر الإمام أبو جعفر الطبري المؤرخ والمفسر والفقيه حتى توفي سنة 923م.
8. نفيَ أبو الحسن ابن المنمر الطرابلسي (959م- 1000م) ثم تم هدم ضريحه ونبش قبره بعد أكثر من الف عام على وفاته من قبل ثوار الناتو في ليبيا.
9. سُجن الشاعر والفيلسوف الأديب أبو العلاء المعري (973م-1057م) ثم تم قطع رأس النصب التذكاري من قبل ثوار الناتو في سورية.
10. اتهم بالفساد وذبح الفقيه العالم شهاب الدين يحيى السهروردي سنة 1190م.
11. اتهم الشاعر والكاتب والمؤرخ والفيلسوف والطبيب والسياسي لسان الدين بن الخطيب (1313م- 1374م) بالإلحاد فقتلوه خنقًا في سجنه واخرجوا جثته في الغد ودفنت بالمقبرة الواقعة تجاه باب المحروق أحد ابواب فاس القديمة ثم أخرجت جثته في اليوم التالي وطرحت فوق القبر وأضرمت حولها النار فأحترق شعر الرأس، وأسودت البشرة ثم أعيدت الجثة إلى القبر وتركت لتثوى الثواء الأخير.
12. وتم تكفير الفيلسوف أبو نصر محمد الفارابي (874م- 950م)، وأبو بكر الرازي (865م- 925م) وهو أحد أعظم أطباء الإنسانية على الإطلاق، والفيلسوف وأبو الطب الحديث ابن سينا (980م- 1037م)، وفيلسوف العرب يعقوب بن إسحاق الكندي (801م- 873م)، والعالم الفقيه أبو حامد الغزالي (1058م- 1111م). وحرقوا كتب أبو الفرج الأصفهاني (897م- 967م) والغزالي وابن رشد (1126م- 1198م).
حرق الكتب وتدمير المكتبات العربية عبر التاريخ لقد بنى العرب حضارات شامخة في البلدان التي فتحوها شرقاً وغرباً كالحضارة العباسية والفاطمية والأندلسية، إلا أن تلك الحضارات أخذت في الأفول بمجرد القضاء على المكتبات وحرق الكتب ومضايقة الأدباء والعلماء والمفكرين والكتاب. إن حرق الكتب وتدمير المكتبات يعد من بين أهم الكوارث التي واجهت الحضارة العربية والإسلامية منذ تاريخها الطويل وحتى يومنا هذا، وكانت أحد الأسباب الرئيسية في تخلف الأمة العربية عن النهضة العلمية وسر ضعفها، وجعلها نهباً للمستعمر الأجنبي.
للحديث تتمه