كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) قمة في العبادة والخضوع والخشوع أمام الله عزّ وجلّ، حتى لقب بزين العابدين وسيد الساجدين.
فكان (عليه السلام) قد اصفر لونه من السهر، ورمضت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته وانخرم أنفه من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة.
وكان (عليه السلام) إذا توضأ للصلاة يصفر لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء، فيقول: «أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم»[49].
وكان (عليه السلام) إذا مشى لا يجاوز يده فخذه، ولا يخطر بيده وعليه السكينة والخشوع، وإذا قام إلى الصلاة أخذته الرعدة، فيقول لمن يسأله: «أريد أن أقوم بين يدي ربي وأناجيه فلهذا تأخذني الرعدة»[50].
وقد وقع الحريق والنار في بيت الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وكان ساجدا في صلاته، فجعلوا يقولون له: يا ابن رسول الله، يا ابن رسول الله، النار النار، فما رفع رأسه من سجود حتى أطفئت، فقيل له: ما الذي ألهاك عنها، فقال: «نار الآخرة»[51].
وكان (عليه السلام) يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة، فإذا أصبح سقط مغشيا عليه، وكانت الريح تميله كالسنبلة[52].
وعن زرارة بن أعين قال: سمع قائل في جوف الليل وهو يقول: أين الزاهدون في الدنيا، الراغبون في الآخرة، فهتف هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولا يرى شخصه ذاك علي بن الحسين[53].
وعن سعيد بن كلثوم قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)، فذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فأطراه ومدحه بما هو أهله، ثم قال: «والله ما أكل علي بن أبي طالب، من الدنيا حراما قط حتى مضى لسبيله، وما عرض له أمران قط هما لله رضى، إلا أخذ بأشدهما عليه في دينه، وما نزلت برسول الله (صلى الله عليه وآله) نازلة قط، إلا دعاه فقدمه ثقة به، وما أطاق أحد عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، من هذه الأمة غيره، وإن كان ليعمل عمل رجل، كأن وجهه بين الجنة والنار، يرجو ثواب هذه ويخاف عقاب هذه، ولقد أعتق من ماله ألف مملوك، في طلب وجه الله والنجاة من النار، مما كد بيديه ورشح منه جبينه، وأنه كان ليقوت أهله بالزيت والخل والعجوة، وما كان لباسه إلا الكرابيس، إذا فضل شيء عن يده من كمه دعا بالجلم فقصه، ولا أشبهه من ولده ولا من أهل بيته، أحد أقرب شبها به في لباسه وفقهه، من علي بن الحسين (عليه السلام)، ولقد دخل أبو جعفر ابنه (عليه السلام) عليه، فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفر لونه من السهر، ورمصت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته وانخرم أنفه من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة، قال أبو جعفر (عليه السلام): فلم أملك حين رأيته بتلك الحال البكاء، فبكيت رحمة له، وإذا هو يفكر فالتفت إلي بعد هنيهة من دخولي، وقال: يا بني أعطني بعض تلك الصحف، التي فيها عبادة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فأعطيته فقرأ فيها شيئا يسيرا، ثم تركها من يده تضجرا، وقال: من يقوى على عبادة علي (عليه السلام)»[54].