جيراننا ... وهمو شرُّ الجوار لنا
حميد آل جويبرها مر عام آخر على العراق وهو يلعق جراحه الفاغرة ، بينما خطت بلدان اخرى هي ادنى منه في كل الاعتبارات خطوات جبارة لرسم مستقبل سافر لابنائها قادر على مواجهة المصاعب التي تتحدى الانسان المعاصر.
اقول قولي هذا وانا استحضر قصيدة امير الشعراء احمد شوقي "نهج البردة" في مدح الرسول الكريم محمد "ص" حيث يقول :
يارب هبت شعوب من منيتها ... واستيقظت امم من رقدة العدم.
وليس بعيدا منا كثيرا شعوب هبت من رقدة العدم ، فقارة آسيا التي نحن منها شهد عدد من بلدانها طفرة اقتصادية مذهلة بامكانيات متواضعة لا يدعمها نفط ولا حتى سياحة . وقد اصبحت بين رمشة عين واخرى ملاذا آمنا لرؤوس الاموال العابرة ومدرسة عملاقة لطلاب العلم وورشة عمل كبرى لمن لا يعرف للترهل معنى .
مَن زعم - بحسن قصد او سوئه - بان الفساد في العراق هو وحده الذي اوصلنا الى هذا المستوى المتدني في التنمية والاقتصاد فقد جافى الحقيقة الدامغة . الفساد موجود ، نعم . وبابشع صوره ، نعم . لكن ان ننحي باللائمة على الفساد فقط في تخلفنا عن الركب الحضاري فهذا ما لا يقبله منطق ولا ضمير .
اذن ما الذي اوصلنا الى ما نحن فيه اليوم من تراجع فاحش في كل شيء ، الا مداخيل النفط النجومية التي لو انها وضعت في بلد مستقر لاكل الناس من تحتهم ومن فوقهم .
ايضا لا يخفى على احد التركة الثقيلة التي ورثها النظام الحالي من النظام البائد . فالخزينة كانت تعوي فيها الرياح فكانها هي ريطة رُبْدُ كما يقول الشاعر ، والبنى التحتية منهارة الى مديات مرعبة وسوء الادارة كان يفاقم من الوضع يوما بعد يوم والحصار الدولي والداخلي اتيا على الاخضر واليابس. لكن هل الفساد والتركة الثقيلة هما العاملان اللذان جعلا بعض العراقيين في لحظات غضب يتمنون عودة نظام لا يتمناه عاقل في ساعة رضا .
لا يراودني ادنى شك بان الاجابة لا .
فهنالك بلدان تعاني من آفة الفساد ما يفوق ارقام الفساد في بلادنا اضعافا مضاعفة، وفي نفس الوقت توجد بلدان ورثت تركة ثقيلة من سابقاتها من الانظمة لكنها نهضت بخطى متسارعة تقفز على تضاريس الزمن. مشكلتنا في العراق جغرافية بحتة ، فان تكون جارا للمملكة السعودية فان ذلك يوجب عليك ان تدفع ثمنا باهضا لجريمة الجيرة النكراء التي لا سبد لنا فيها ولا لبد، وان تكون ضمن منظومة عربية متخلفة لم يعد ثمة مبرر لان تكون عضوا فيها ، فعليك ان تدفع ضريبة تلك العضوية المكلفة شئت ام ابيت .
واني لاتساءل ما الذي جناه العراق من الجامعة العربية وهو احد الذين اقترفوا وزر تاسيسها قبل سبعة وستين عاما . ولو ان العراق كان في مطلع هذه الالفية خاضعا لطروحات الجامعة العربية الآسنة - لا أذن الله - لكان اليوم رئيسنا قصي صدام ووزير دفاعنا ابنه علي ورئيس اللجنة الاولمبية اخوه الكسيح عدي والزعيم الروحي للبلاد بطل تحرير الحفرة صدام ابراهيم الحسن، لكن الله سلم فبعث لنا جنودا من بشر اشداء وليس من عسل كجنود معاوية الجبناء .
والادهى والامر ، ان العراق يدفع مئة وخمسين مليون دولار هي بدل اشتراكه السنوي لهذه المنظمة الفاشلة .
صحيح ان عصرنا هو عصر التكتلات والمنظمات الاقليمية ، لكن ان ننخرط ونواصل الانخراط في مؤسسة عرقية لم تجلب لنا الا التخلف والاعياء فهذا مما لا يقبل به وطني منصف . وليت مشكلتنا انحصرت مع الجامعة العربية كمنظومة فقط ، فجيران العراق الذين اقض الله مضاجعهم الواحد بعد الاخر وسلب النوم من عيونهم من دون ان تهدي الاستخبارات العراقية مفخخة واحدة لعواصمهم ، هؤلاء لم نجن من جيرتهم الا دسائس المخابرات ومؤامرات اجهزة الامن ومذابح امراء الدولة الاسلامية الموقرة في بلاد الرافدين .
منذ ست سنوات وشغل الرياض الشاغل وهمها الاول محصور في اطار احباط تجربة العراق الجديد لكي لا يسري " فايروسها الشيعي" القاتل الى اوردة وشرايين اليشاميغ الحمراء المنكسة.
ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا والعراق بين مفخخة انفجرت في الصباح و تخطيط لمفخخة ستنفجر عند المساء وعلى الخط الافقي الواصل بين هاتين النقطتين تتشظى لحوم الابرياء شيبة وشباب. وبترفع الرجال الرجال الذين يتشرف تراب بلدهم باحتضان الجسد الطاهر لاشرف خلق الله بعد الرسول ،عصبنا جراحنا بحزننا الحسيني المبارك ، وتجاوزنا بكبر منقصة الاحقاد والضغائن فلم نقابل الجبن بالجبن ولا الرصاص الغادر بالرصاص الغادر ، حتى اذهل هذا الموقف المتعالي القاصي قبل الداني .
في زيارتي الاخيرة للعراق قبل ثلاث سنوات كشف لي صديق يشغل منصبا امنيا رفيع المستوى في وزارة الداخلية بان المئات من الشباب المتحمس كانوا يعلنون عن استعدادهم للقيام بفعل مماثل في عواصم عربية متورطة ، مقابل عمليات التفجير المسعورة التي كانت تنفذ في العراق ، والجواب كان اتي رفضا قاطعا فلو فعلناها لاصبحنا من سنخهم الهجين.
يابى الله ذلك لنا وحجور طهرت ان نقابل الخسة بالخسة والدناءة بالدناءة والقتل الاعمى بالقتل الاعمى .
والا فما معنى ان يكون تراب العراق يحتضن اجداث اطهر خلق الله طرا بعد الرسول وفي مقدمهم الشامخ علي بن ابي طالب .
حكم الجغرافية هو فوق الامنيات والتطلعات واحلام راس السنة الوردية . ولو كان الامر بالاحلام لاقتلعنا حدود العراق وسكنا الى جوار ماليزيا او هونغ كونغ ، فاي كادح فيهما يشرف الف عقال عربي احمر مصنوع في الصين ليغطي رؤوسا طائفية خاوية لا تجيد الا لغة الذبح الاسلامي اين منها الحجاج بن يوسف الثقفي .