Sunday, January,01, 2012
المتقدمون بالسّن يتسابقون على الدراسات العليا لتحسين أوضاعهم الإقتصادية
جامعات العراق.. بيئة عشائرية بسبب التدخلات الخارجية في شؤونها
جامعيون عراقيون خلال تخرجهم من كلية الصيدلة
يتفق خبراء عراقيون على ان العبرة ليست في الكمية العددية من الجامعات والطلاب التي بلغ زخمها الحدود القصوى، بل في توفر الكوادر العلمية الجيدة والكفوءة، والموضوعية في القبول، والحد من التزوير والواسطة في الحصول على اللقب الأكاديمي، وإعادة التقييم الموضوعي لمن يشك في قدراتهم العلمية والأكاديمية.
________________________________
يستعد احمد الرهيمي لإكمال رسالة الدكتوراه على رغم تجاوزه سن الخمسين بعد فترة انقطاع عن الدراسة دامت عقد من السنين.ولم ينطفئ حلم إكمال الدراسة في نفس الرهيمي طوال السنوات حتى أتيحت له الفرصة اليوم في جامعة أهلية، وحال الرهيمي يشبه حال كثير من العراقيين الذين يقبلون على الدراسات الجامعية والعليا على رغم تقدمهم في العمر.ويرجع الرهيمي أسباب الإقبال الواسع للدراسات الجامعية والعليا من قبل المتقدمين في العمر الى الدخل المادي الجيد الذي توفره الوظيفة المقرونة بشهادة جامعية، إضافة إلى ان الدراسات العليا تتيح للشخص الانضمام إلى السلك الجامعي وما يحمله من امتيازات مادية ووجاهة اجتماعية في نفس الوقت.
دور متناقض
ويشهد العراق منذ عام 2003، ازديادا مضطردا في اعداد الجامعات في كل المحافظات، حيث يأمل العراقيون ان تساهم الجامعات في توفير القوى العاملة ذات الخبرة والكفاءة.لكن الواقع، بحسب الباحث الاجتماعي كريم السلطاني، يشير الى أن الجامعات تقوم اليوم بدور معاكس، فهي تخرج سنويا أعدادا هائلة من العاطلين من أصحاب الشهادات من ان دون ان يكون لهم دور في تنمية الموارد البشرية وتدريبها.
تحسين الحالة الاقتصادية
ورغم ان الأغلبية من خريجي العراق المتقدمين في العمر يحملون شهادات البكلوريوس، الا ان الكثير منهم لم يتسن لهم الحصول على الوظيفة المناسبة، ولهذا وجدوا في فرصة اكمال الماجستير او الدكتوراه نافذة للانخراط في سلك التعليم الجامعي بغية تحسين الحالة الاقتصادية.ويقول المهندس الزراعي فوزي تركي الذي تخرج من كلية الزراعة في جامعة بغداد عام 1978 لكنه طيلة السنين المنصرمة لم يجد له عملا حاله حال الكثير من مهندسي الزراعة في العراق، انه يستعد اليوم لإكمال دراسة الدكتوراه، بعد الحصول على الماجستير قبل نحو سنتين.
ويتابع: "شهادة الدكتوراه ستوفر لي عملا مناسبا في إحدى الجامعات، بحسب الوضع الحالي وآمل ان لا تتغير الأمور نحو الأسوأ، لان هناك بوادر تضخم في أعداد المتقدمين للحصول على وظائف في السلك الجامعي".لكن الدكتور أمين حسن المتابع لشؤون الجامعات في العراق، يرى ان الازدياد المضطرد في أعداد الخريجين في الجامعات العراقية، وتزايد أعداد هذه الجامعات، إضافة إلى كثرة اعداد المنخرطين في الدراسات العليا، يكشف عن أزمة وظائف ستحدث في المستقبل اذا استمر الأمر على هذا النحو.ويوضح أن "اغلب الخريجين من صغيري الأعمار لا يجدون وظائف ينخرطون بها، فكيف سيكون الأمر مع المتقدمين في السن؟". ويضيف: "أغلب المنخرطين في الدراسات العليا من كبار السن الذين يعولون على الانخراط في التعليم الجامعي، لكن هذا القطاع ربما سيغلق في القريب العاجل بوجه أي تعيينات بسبب التضخم في الاعداد المتقدمة وقلة الميزانية المخصصة للتوسع في التعليم الجامعي الذي يتمدد بشكل عشوائي الى حد كبير وربما فاق الحدود المرسومة له".
السر في الإقبال الكبير
ويتحدث الدكتور سبتي حسين عن السر في الإقبال الكبير لمتقدمي العمر على اكمال الدراسات العليا، ويعتبر ان الدافع لن يكون في كل الأحوال هو السعي للتحصيل العلمي.ويضيف: "المشكلة، ان المتقدمين للدراسات العليا يودون الدراسة في الجامعة التي تقع في نفس المدينة، واغلب الكوادر التدريسية تربطها علاقات قربى وعلاقات اجتماعية مع الطلاب الكبار في السن، وهؤلاء يشجعونهم على الانخراط في الدراسات العليا حيث يذللون لهم الكثير من الصعوبات، بل ويغطون على الكثير من العيوب، فترى ان الطالب يحصل على الدكتوراه خلال فترة سنتين او ثلاث بدون جهد حقيقي ومستوى أكاديمي يؤهله حقا لنيل تلك الشهادة.
والمحصلة النهائية، بحسب حسين، "هي وجود كم هائل من أصحاب الشهادات العليا لكنهم يفاجئوك بضحالة مستواهم العلمي وتواضع مستواهم الأكاديمي".
ويرى ان الأعوام التي تلت العام 2003 أثمرت عن أصحاب شهادات درسوا حقا في جامعات العراق، "لكن تحت ذريعة الظروف الاستثنائية، إضافة إلى المجاملات والاخوانيات على حساب الحقيقة العلمية ونتج عن ذلك نيلهم شهادات لا يستحقونها".
ويقول إن الحالة ما زالت موجودة، والحصول على الشهادة عبر " الواسطة " مازال ممكنا، لكنه بدقة اقل قياسا الى السنوات السابقة. وبحسب سبتي، فان من جراء ذلك كله تحوّل بعض جامعات العراق الى بيئة (عشائرية) بسبب التدخلات الخارجية في شؤونها، بسبب غياب العلاقة الصحية بين نظم التعليم والأنظمة الاجتماعية السائدة.
سهولة الحصول على الشهادات
ويشير طلاب عراقيون الى نتائج سهولة منح الشهادات الجامعية في العراق. فثمة أساتذة لا تتوفر فيهم المستويات الأكاديمية والعالمية المطلوبة مما يفقد الطلاب فرصة الحصول على المعلومة بالأسلوب المناسب والدقة المطلوبة.وهذا الأمر ليس وليد اليوم في العراق، ففي عهد النظام العراقي السابق كان الانتماء الى حزب السلطة الحاكم احد الوسائل للقبول في الدراسات العليا، وتمخض عن ذلك مستويات علمية متواضعة.
لكن الأمر اليوم يشيع بدرجة اكبر بعد ان كان الأمر في زمن النظام السابق ظاهرة محدودة تشمل بعض الموالين لسياسيات الحزب الحاكم.
الشهادات المزورة
وإضافة إلى الشهادات التي تمنح عبر الواسطة، هناك الشهادات المزورة التي مازال أصحابها يتبوءون المناصب الأكاديمية ومراكز الدولة، ولم يكتشف أمرهم إلى الآن.وبحسب المحامي والباحث القانوني سعد الدراجي، فان الكثير منهم معروفون لكن ثمة تحابي ومجاملة، وتغطية لهم من قبل جهات مسؤولة، والمشكلة الكبرى ان هؤلاء يظهرون في وسائل الإعلام ويطلقون على أنفسهم ألقابا أكاديمية لا يحملونها او إنهم حصلوا عليها في غفلة من الرقابة والقانون في خضم فوضى 2003 الإدارية والسياسية والقانونية والأكاديمية.
ويضيف: "ثمة من يحمل الشهادة المتوسطة قبل العام 2003، وبعد سنة من هذه التاريخ طلع على الناس بشهادة الدكتوراه. و ثمة أسماء في الوسط الإعلامي والثقافي والسياسي العراقي، معروفة لكثيرين، ولا يحتاج المرء عناء طويلا لاكتشافها".
إعادة التقييم
ووفق تقارير عراقية فانه تم الكشف عن 3165 وثيقة دراسية مزورة وحصول عراقيين على شهادات دراسية في اختصاصات حساسة ومهمة مقابل ثمن.
وبحسب تقرير لمكتب مفتش وزارة التعليم العالي العراقية فان 2769 وثيقة دراسية مزورة تم كشفها خلال العامين الماضيين. وبحسب الدراجي فان أهم خطوة أقدم عليها العراق هو إرسال البعثات الدراسية الى خارج العراق بغية الحصول على أكاديميين يتمتعون بمستوى علمي وأكاديمي متقدم.
ويعتبر خبراء عراقيون ان العبرة ليس في الكمية العددية من الجامعات والطلاب، بل في توفر الكوادر العلمية الجيدة و الكفوءة، والموضوعية في القبول، والحد من التزوير في الحصول على اللقب الأكاديمي، وإعادة التقييم الموضوعي لمن يشك في قدراتهم العلمية والأكاديمية، وطرد أصحاب الشهادات المزورة وعدم التهاون في حسم ملفاتهم.