27 سبتمبر 2014, 10:0
ليست المرّة الأولى التي يستنشق فيها سكان بغداد روائح غاز الكبريت والبارود؛ بل تكرر الأمر سابقا، حتى أن بعض سكان أحيائها الشمالية اعتقدوا في إحدى المرات أن مدينتهم تعرضت لهجوم بالغازات السامة، فتبين لاحقا أن مصدر الروائح كان تسرب غاز الكلور عقب تفجير إرهابي طال محطة مياه الطارمية (شمالي) العاصمة.
والأسبوع الماضي – تحديدا يومي الخميس والاثنين الفائتين – انتشرت الانبعاثات الخانقة ليلا في أجواء العاصمة التي تعيش وضعا أمنيا مضطربا؛ ما جعل الشائعات والتكهنات تتواتر على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن أسباب هذه الانبعاثات التي لا تزال مجهولة المصدر.
ما زاد حدة الغموض والقلق الشعبي، هو صمت السلطات المعنية (العسكرية، الصحية) التي لم تصدر أي توضيح حول الموضوع الذي خلق نوعا من الهلع بين البغداديين.
تلك المخاوف لها ما يبررها على ما يبدو. إذ كشف مصدر أمني في الفرقة السادسة التابعة للجيش العراقي، عن “إحباط هجوم بالغازات السامة كاد يستهدف بغداد مطلع الشهر الحالي”.
عملية إفشال الهجوم “الجهنمي” تمت بعد “ورود معلومات استخبارية دقيقة من منطقة ريفية تقع شمال العاصمة، كانت ولا تزال معقلا للمتمردين المحليين ورفاقهم من المتشددين الأجانب”، كما يقول المسؤول الأمني لـ”العالم الجديد”.
المصدر ذو الرتبة العسكرية الكبيرة، فضل عدم الكشف عن اسم تلك المنطقة لـ”تأثير ذلك على اللحمة المجتمعية”، مؤكدا أن المجموعة التي كانت تُحضر للهجوم تتكون من 8 أفراد 6 منهم عراقيون كانوا موظفين سابقين في “التصنيع العسكري”، والاثنان الآخران من جنسيات عربية، وهما المخططان الرئيسان للمحاولة الإرهابية.
وفضلا عن تصريحات المسؤول العسكري، تشير الأنباء إلى استخدام إرهابيي “داعش” لغاز الكلور في هجمات على مدينتي الضلوعية والصقلاوية اللتين لا تبعدان كثيرا عن العاصمة وتقعان إلى الشمال والغرب منها.
أحد المصادر الرسمية لتلك الأنباء هو النائب علي البديري، الذي أكد في مؤتمر صحفي عقده مطلع الأسبوع رفقة زملاء له، أن “تنظيم داعش الإرهابي استخدم غاز الكلور في منطقة الصقلاوية بعد محاصرة أكثر من 400 جندي، ما أدى إلى مقتل الكثير منهم نتيجة الاختناق”.
هذا الكلام الخطير لم تنفه ولم تؤكده وزارة الدفاع التي أكتفت بإصدار بيان مقتضب حول الحادثة، أشارت فيه إلى فقدان الاتصال ببعض الجنود في الصقلاوية حيث وقعت معارك حامية بين القوات الحكومية والفصائل “الخارجة عن القانون”.
حتى المؤسسة الصحية المتمثلة بوزارة الصحة، لم تُجب عن استفسارات حول ما إذا كانت المستشفيات الحكومية قد استقبلت مصابين بحالات اختناق جراء هجوم الصقلاوية تحديدا، على الرغم من أن الأسئلة وصلت عبر الهاتف إلى السكرتير الشخصي للمتحدث باسم الوزارة الذي وعد بالإجابة عنها لاحقا، وهو ما لم يحدث في نهاية المطاف.
وللتحقق أكثر من الأنباء الآنفة، يؤكد شهود من سكان الضلوعيةفي تصريح صحفي أن بعض ذويهم وآخرين من أبناء مدينتهم تعرضوا لحالات اختناق نتيجة قصف بغاز الكلور شنه “الدواعش” على مدينتهم منتصف الشهر الحالي.
القصف المذكور، لم يُسفر عن “أي حالات وفاة” مثلما يقول الحاج أبو أحمد الجبوري، أحد وجهاء المدينة، الذي أشار إلى أن “جميع من أصيبوا بحالات الاختناق أسعفوا إلى مستشفيات خارج الضلوعية لتلقي العلاج اللازم، وبعضهم عاد بعد أن تعافى من إصابته”.
وحذرت حكومة بغداد، في 11 حزيران الماضي، من اعتداءات “كيماوية” قد يرتكبها عناصر “داعش” بعد استيلائهم على مستودع سابق للمواد الحربية السامة، في منشأة المثنى التي تقع شمالي بغداد.
السلطات العراقية أبلغت، حينذاك، الأمم المتحدة بأن “الدواعش” سيطروا على موقع كان يحوي سابقا نحو 2.5 ألف محرك صاروخي كيميائي، وغيرها من مواد “سيانيد الصوديوم” المستخدم لإنتاج مادة “التابون” الكيماوية. وبحسب المعلومات فإن مستودع “المثنى” استخدم بشكل نشيط لإنتاج الأسلحة الكيميائية في أثناء الحرب العراقية – الإيرانية، فضلا عن أن المنشأة المذكورة سبق أن أنتجت غازي “السارين” و”الخردل” وكذلك غاز الأعصاب (VX).
ومع صمت السلطات وانتشار الشائعات، راح بعضهم يلمح إلى احتمال وقوع هجوم بالغازات على العاصمة بغداد مستقبلا، بعد أن “توحشت الجماعات الإرهابية.. في ظل غض الطرف المريب من المجتمع الدولي والتواطؤ المشبوه من جهات إقليمية ومحلية داعمة وحاضنة لمعتنقي الأفكار التكفيرية”، وفق قول محمد السوداني الخبير الاستراتيجي في الشأن الأمني.
السوداني، وهو جنرال عسكري متقاعد، لا يستبعد كما غيره من المهتمين بمراقبة وتحليل أفعال الجماعات المتطرفة، قيام أتباع الفكر الراديكالي بشن “هجوم بأسلحة كيميائية محظورة دوليا، يذهب ضحيته مدنيون أبرياء أو عسكريون”، على غرار ما حصل في سورية.
هذا الاعتقاد السائد لدى دوائر المراقبة المحلية، له صدى يتردد أيضا داخل المؤسسة الأمنية التي أعلنت العام الماضي اعتقالها “مجموعات إرهابية” قالت إنها كانت تخطط لقصف زوار الإمام الكاظم (ع) بـ”الأسلحة الكيماوية”.
وسبق للسلطات أن أعلنت، في حزيران من العام المنصرم، إلقاءها القبض على إرهابيين حوّروا “طائرات” تستخدم كلعب للأطفال لتنفيذ هجوم بالأسلحة الكيماوية. وأشارت في حينها إلى أن بعض من تم اعتقاله في هذه العملية سبق له العمل في “هيئة التصنيع العسكري” وهي مؤسسة أنشأها صدام حسين خصيصا لإنتاج معدات حربية بعضها ذات استخدام مزدوج.
ولحين صدور توضيح شافٍ من السلطات الحكومية حول حقيقة ما حصل وملابسات انتشار تلك الغازات السامة في أجواء العاصمة، يبقى التساؤل مطروحا على ألسنة البغداديين “ما قصة روائح الكبريت والبارود التي تنتشر في سماء مدينتا بين الفينة والأخرى؟”.
http://4.hathalyoum.net/iraqnews.php...sit&sid=317203