ظلت قاعدة للجيش في محافظة الأنبار الغربية تحت الحصار من قبل مسلحي الدولة الإسلامية لمدة أسبوع، وعندما ظهرت قافلة من عربات الهمر المدرعة عند البوابة، ظن الجنود العراقيون في معسكر الصقلاوية بأن المنقذين قد وصلوا. ولكن هذه لم تكن محاولة إنقاذ، فالعجلات كان يقودها مسلحو داعش في مهمات انتحارية، وخلال ثوانٍ في يوم الاحد، تحولت القاعدة إلى مشهد دامٍ لتفجيرات متعددة.
وفي يوم الإثنين، اليوم الذي تلا الهجوم، تحدث خمسة ناجين بينهم ثلاثة ضباط قالوا إن ما بين 300 و500 جندي هم في عداد المفقودين. ويعتقد بأنهم إما قتلى أو مختطفون أو مختبئون في مكان ما. قال مسؤولون في الجيش إن الأعداد أقل بكثير، مما دفع إلى اتهامهم بأنهم يخفون العدد الحقيقي.
إذا كانت حسابات الناجين صحيحة، فإن يوم الأحد يعد اليوم الأكثر كارثية للجيش العراقي منذ انهيار فرق الجيش عندما سيطرت الدولة الإسلامية على مدينة الموصل الشمالية وسط حملة عبر البلاد في حزيران.
على أية حال، سلّطت هذه الحادثة الضوء على عيوب جيش كانت الولايات المتحدة قد أنفقت عليه مليارات الدولارات للتدريب والتجهيز، كما قللت الحادثة من صدقية الجيش باعتباره شريكا بما ان الرئيس أوباما يوسع الغارات الجوية في المحافظات من ضمنها الأنبار. كما زادت الضغط على رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي، الذي استغل معارضوه الحادثة لاتهامه باستخدام نهج متسامح ضد الإرهابيين.
بينما نفذت الطائرات الأميركية ضربات جوية لدعم القوات العراقية في اشتباكات أخرى وقعت مؤخرا، لا يوجد ما يدل على إجراء أية ضربات جوية أميركية ضد مقاتلي الدولة الإسلامية، عدا تقارير غير مؤكدة من المسؤولين العراقيين. أما التقارير التي صدرت في يومي الأحد والاثنين من قبل القيادة المركزية الأميركية فلا يوجد فيها أي ذكر للقاعدة المحتلة العراقية.
في حقيقة الأمر، أن الأزمة بدأت بأسبوع قبل يوم الأحد عندما تم قطع آخر طريق إلى معسكر الصقلاوية شمالي الفلوجة المنتفضة التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية.'إحدى الدباباتين التي كانت من بين المركبات التي تحرس الطريق غادرت للتزود بالوقود، واستغل المسلحون الفرصة لمهاجمة الباقين'، قال ذلك جندي من الفرقة التاسعة الذي كان حاضرا وطلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخوّل بالتحدث إلى وسائل الإعلام.
سقوط وحدات حماية طريق الإمدادات يعني أن خمس كتائب داخل القاعدة كانت محاصرة تماماً.
'لم تكن هناك تعزيزات ولا إمدادات غذائية ولا أدوية ولا ماء، ثم بدأت الذخيرة تنفد'قال الملازم الأول حيدر ماجد، ابن الـ28 ربيعا:'اتصلنا بقادتنا مرات عديدة ، اتصلنا بأعضاء البرلمان، لكنهم تركونا هناك فقط للموت'.
وقال الجنود إنهم طلبوا المساعدة من الجنرال رشيد فليح، قائد العمليات العسكرية للأنبار. وقال لقناة السومرية يوم الاثنين: إن الجنود في القاعدة كانوا يشكون لأنهم كانوا محاصرين و'يشعرون بالملل'.
وأضاف فليح إن الجيش باشر تسليم الإمدادات بينما كانت القاعدة تحت الحصار. ولكن الجنود بلغوا عدم وصول الإمدادات، والعطش أجبرهم في النهاية على حفر الارض لشرب المياه القذرة والمالحة. وأضاف ماجد:'حتى لو كان الأمر خطرا لطائرات الهليكوبتر، كان من واجبهم مساعدتنا'.
وقال الناجون إنهم يواجهون هجمات يومية خلال الأسبوع، وشمل أحدها استخدام غاز الكلور، وكان من المستحيل التحقق من صدقية الاثنين. وقال العقيد إيهاب هاشم، نائب قائد كتيبة القسم الثامن:في حين أن بعض الزملاء اختنقوا في الهجوم أصبحت القنابل قليلة في القاعدة.
خدعة المهاجمين
الهجوم الكبير حدث يوم الأحد. وقال الجنود الذين تمت مقابلتهم بأن قادة الجيش قد أرسلوا بلاغا عبر جهاز الاتصال'اللاسلكي'بأنه كانت هناك مهمة إنقاذ قيد التنفيذ وبأنه تم إحكام السيطرة على جسر قريب. وبعد فترة وجيزة، وصل الجيش في عربات مدرعة وشاحنات عسكرية عراقية، والرجال كانوا يرتدون زي قوات مكافحة الإرهاب العراقية.
'كنا نظن أن هذا هو الدعم الموعود الذي وعدنا به'قال ذلك النقيب أحمد حسين من الشعبة الثامنة. واضاف:'وكانت عربات همفي الثلاثة الأولى متقدمة عن البقية مع بعض الشاحنات العسكرية. نحن سمحنا لهم بالدخول فورا'.
انفجرت واحدة من طراز همفي في وسط المخيم. بينما تحركت العجلتان الباقيتان الى محيط القاعدة وتفجرتا. وتمكنوا من عرقلة قافلة الدولة الإسلامية عند المدخل، حيث قال الناجون بأن داعش نفذت عدة تفجيرات انتحارية عندما حاول أفرادها اقتحام القاعدة.
'جمعت جنودي وقلت: نحن ذاهبون للموت على أي حال. دعونا نحاول الخروج'، قال حسين مضيفا أن نحو 400 جندي آخرين هربوا تحت نيران كثيفة في قافلة. وتركوا وراءهم الآخرين.
أولئك الذين هربوا انقسموا إلى ثلاث مجموعات، وتركوا في نهاية المطاف سياراتهم بعدما تعرض بعضهم للضرب بقنابل على جانب الطريق. استمروا على الأقدام، مجتازين نحو ميلين من الأراضي المسيطر عليها من قبل الدولة الإسلامية حتى وصلوا إلى معسكر طارق، الذي يبعد نحو أربعة أميال.
'كنت في المجموعة الأولى و كان هناك نحو 150 جنديا في كل مجموعة'وأضاف'فقط ما يقارب النصف من كل المجموعات نجا'.'مهمة الإنقاذ التي جرى إخبار الجنود بأنها في طريقها لنجدتهم'فشلت مئة بالمئة'حسبما قال فـ'على الجسر الذي قيل إنهم أمنوه، وجدت بقايا تلك المهمة: عربات الجيش المحترقة'.
'لا أحد يعرف عدد الموتى من الناس'قال الجندي من الفيلق التاسع، الذي قضى أياما مختبئا في منزل مع 60 جنديا غيره'واضاف:'استمررنا بالحركة ولم ننظر أبدا للخلف. أولئك الذين ماتوا، ماتوا. أولئك الذين اعتقلوا اعتقلوا. ركضنا فقط لنحافظ على حياتنا'.
حسين يقدّر أن 250 جنديا لقوا حتفهم في معسكر الصقلاوية، وبين 100 و150 في عداد المفقودين. وقدّر هاشم ان عدد القتلى والمفقودين يتراوح بين الـ 400 و500 جندي.
ولكن كانت هناك آمال بأن البعض في طريقهم عائدين. هناك مجموعة من 13جنديا على اتصال، وفقا لهاشم، يقولون إنهم يختبئون في الأهوار، و13 جندياً آخرين في بستان من الأشجار. ونصحهم بالانتظار حتى الليل ليوفر لهم الغطاء اللازم في محاولتهم للنجاة خلال بقية الرحلة.
ردّ الحكومة
اعترفت وزارة الدفاع العراقية يوم الأحد أنها فقدت الاتصال مع بعض من جنودها خلال الحادث لكنها لم تذكر كم ذهب في عداد المفقودين. وقال فليح أن من الممكن'عدّهم بيد واحدة.'
'يبدو ان وزارة الدفاع تحاول ان تخفّض الارقام'، قال ذلك مثال الآلوسي عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي وأضاف'إذا فقدنا الناس فإن هذا يثبت بأن الهيكل العسكري والستراتيجية العسكرية ليست قادرة على محاربة داعش'مختصر اسم الدولة الاسلامية للعراق و بلاد الشام. وأضاف:'قالوا ان الموصل كانت مفاجأة - ما هو العذر هذه المرة؟'
حيدر العبادي، الذي يشغل أيضا منصب القائد العام للقوات المسلحة، أصدر بيانا يوم الاثنين قائلا انه سيتم استجواب قادة الجيش بتهمة الإهمال. وتضمن البيان ان رئيس الوزراء قد أصدر أمرا بتسليم الإمدادات للجنود المحاصرين قبل أربعة أيام.
بالنسبة لبعض الجنود، كان الحادث هو الأحدث - والأخير - في سلسلة الإذلال. وقال حسين انه سيترك الجيش للانضمام إلى ميليشيا شيعية.
وأضاف:'ليس لدينا أي قيادة ولكن بالنسبة للميليشيات قيادتهم هي معهم في الميدان؛ يراعون جنودهم'.
لاف داي موريس/ عن واشنطن بوست،