موسوعة كاملة حول أدب الأطفال الإنكليزي Children’s English literature
أدب الأطفال الإنكليزي Children’s English literature
ترجمة عمار شرقية
ظهر أدب الأطفال إلى الوجود في إنكلترا مع بدايات الثورة الصناعية و تنامي التيارات الرومانسية التي تمجد الخيال و الطفولة و الحياة الرعوية وتنظر بحنين و شوق إلى الماضي و إلى الطفولة المفقودة .
لقد تمكن كتاب أدب الأطفال من تكوين عوالم قابلة للتصديق انطلاقاً من عناصر أولية خيالية و ذلك في محاكاة لطبيعة الطفل الذي يصنع أثناء لعبه عوالم خيالية يعيش فيها أو يهرب إليها من واقعه .
و الأمر الأكثر أهمية ليس مدى قابلية هذا الموضوع أو ذاك للتصديق بل مدى تناسق و انسجام العناصر الخيالية التي استخدمت في كتابة العمل الأدبي مع بعضها البعض و امتثالها لقواعد معينة فالخيال بلا قواعد تحكمه يصبح مجرد سخافة و هذيان , بل إن ألعاب الأطفال مع بعضهم البعض تخضع لقواعد صارمة هم الذين يضعونها و هم الذين يلتزمون بها .
وفي أحايين كثيرة يقتصر الخيال في أدب الأطفال على جزئية معينة وسأذكر مثالين ليسا من أدب الأطفال الإنكليزي فالمثال الأول هو رواية ( نيلز Nils ) أو المغامرات المدهشة لنيلز Wonderful Adventures of Nils لهانز كريستيان اندرسين Hans Christian Andersen فهذه الرواية تبدأ بشكل خيالي و ذلك عندما يتحول صبي شقي يسيء معاملة الحيوانات إلى قزم صغير يسافر على متن الإوز البري و يستطيع التحدث مع الحيوانات المختلفة و لكن الرواية تسير بعد ذلك بشكل واقعي ولا تقع فيها أية أحداث خيالية و كذلك الأمر بالنسبة إلى رواية الأمير الصغير ( الرحالة الصغير) Le Petit Prince 1945 لمؤلفها Antoine de Saint-Exupery و تتحدث هذه الرواية عن صبي صغير يعيش في كوكب آخر و يأتي لزيارة الأرض حيث تتخذ أحداث هذه الرواية منحىً واقعياً بمجرد وصول الأمير الصغير إلى كوكب الأرض .
أدب الأطفال في العصر الفيكتوري
**********************
بدأ انتشار قصص الأشباح في العصر الفيكتوري وبدأ هوس الإنكليز بهذه القصص بعد ترجمة إدغار تيلور Edgar Taylor للقصص الشائعة الألمانية German Popular Stories 1832 , وفي العام 1837 كتب روبرت ساوثي Robert Southey رواية الدببة الثلاثة The Three Bears كما نشرت كاثرين سنكلير Catherine Sinclair قصة العم داود الهزلية عن العمالقة والجن’s Nonsensical Story of Giants and Fairies Uncle David كما نشرت كاثرين في العام 1839 رواية بيت العطلة Holiday House وفي هذه الرواية تمجد المؤلفة الخيال الخصب الذي يميز الأطفال , كما كتب جون راسكن John Ruskin في العام 1841 رواية ملك النهر الذهبي The King of the Golden River و نشرها بعد عشرة أعوام .
وفي العام 1842 كتب روبرت براونينغ Robert Browning قصة زمار هاميلين المبقع
The Pied Piper of Hamelin وهي قصة الأطفال الشهيرة التي تتحدث عن عازف مزمار يخلص المدينة من غزو الجرذان و ذلك عندما يجعل تلك الجرذان تتبعه أثناء عزفه إلى أن يقوم بإغراقها في البحر , لكن أهالي تلك المدينة يتنكرون لهذا العازف بعد ذلك و يرفضون منحه المكافئة التي وعدوه بها لذلك فإنه يجعل أطفال المدينة يتبعونه أثناء عزفه و يأخذهم بعيداً عن ذويهم .
كما كتب فرانسيس باغيت Francis Paget رواية أحزان الأنانية The Sorrows of Selfishness في العام 1844 وفي العام 1849 كتب مارك ليمون Mark Lemon قصة الدمية المسحورة The Enchanted Doll .
لكن الملاحظ أن الأطفال غير موجودون كشخصيات رئيسية في هذه الأعمال الأدبية حيث أن هذا الأمر لم يحدث قبل العام 1860 حيث بدأ الأدباء يجعلون من الأطفال شخصيات رئيسية و أبطال لرواياتهم , كما أن أحداث تلك الروايات كانت تقع في عوالم خيالية لاصلة لها بالواقع .
إن ظهور الأطفال كشخصيات رئيسية في أدب الأطفال بدأ في رواية إليزابيث كيربي Elizabeth Kirby الفتاة الصغيرة التي كانت تعرف ما سوف يحدث The Little Girl Who Knew What Was Going To Happen و تتحدث هذه القصة عن خطورة أن يعرف الإنسان أكثر مما ينبغي .
لقد سار أدب الأطفال منذ نشأته في خطين متوازيين , الخط الأول هو خط ظاهري يهدف إل تسلية الطفل و تنمية خياله أما الخط الثاني فهو خط خفي يهدف إلى تلقين الطفل القيم الأخلاقية , لكن بعض الأعمال الأدبية كانت تغلب أحد هذين الخطين على الآخر كما هي الحال في كتاب التفاهة A Book of Nonsense لمؤلفه إدوارد لير Edward Lear 1846 حيث كان هذا الكتاب خالياً من أي مضمون توجيهي .
ومع أن الشائع أن تتميز قصص الأطفال بحبكة بسيطة فإن كثيراً من الأعمال الأدبية الموجهة للأطفال لم تمتثل لهذه القاعدة كقصة أليس في بلاد العجائب Alice in Wonderland 1856 لمؤلفها لويس كارول Lewis Carroll فهذه القصة لا تسير في اتجاه محدد فأحداث هذه القصة تشبه في مسيرتها تداعيات الأحلام فهي مجموعة من الصور و الأحداث الغريبة التي لاترتبط ببعضها البعض , كما أن كل عنصر من عناصر هذه القصة يتميز بمرونة و قابلية للتحول كما هي الأشياء في الحلم , فحجم أليس يتغير و كذلك فإن طفل الكونتيسة يتحول إلى خنزير , وهذه المرونة و القابلية للتحول نجدها كذلك في رواية أني كيري Anne Keary بيت الآنسة كولكل المدهش Mrs Calkill’s Wonderful House , حيث يتحول الأولاد الأشقياء في هذه الرواية إلى خضراوات و حشرات .
وخلال العصر الفيكتوري كذلك كانت بعض الأعمال تعتمد على إخافة الأولاد من الإتيان بالتصرفات السيئة كالقصة المترجمة ستروويلبيتار Struwwelpeter لهنريك هوفمان Heinrich Hoffman , فالصبي الذي كان لا يقلم أظافره في هذه القصة يتحول إلى وحش مخيف , كما ظهر كذلك الرجل المقص ذو الأرجل الحمراء الطويلة للصبي المشاكس الذي كان يمص إبهامه بشكل دائم و قام بقطع إبهام الصبي بمقصه .
وفي رواية أطفال الماء The Water-Babies يتحول توم إلى مخلوق شائك لأنه كان يسرق الحلويات , وفي رواية تحت سلالم الثلج Down the Snow Stairs 1887 التي كتبتها أليس كوركران Alice Corkran يتعرض الأطفال الأشقياء لعذاب الجحيم .
وفي قصة الأنف The Nose 1871 لإدوارد ناتشبول هيوجسن Edward Knatchbull-Hugessen يقوم رجل بانتزاع أنفه من وجهه و يقلبه رأساً على عقب , وفي رواية الأم الجديدة The New Mother 1882 التي كتبتها لوسي لين كليفورد Lucy Lane Cliffoed تهجر الأم أبنائها الأشقياء و تأتي بدلاً منها أم مخيفة , كما ظهر في أدب الأطفال في العصر الفكتوري الاهتمام بالحياة الآخرة و الحياة بعد الموت و عذاب جهنم .
إن أحداث رواية أطفال الماء تدور حول فكرة أن الجسد يصنع الروح لذلك فإن توم طفل الماء يتحول من شكل لآخر وفقاً لسلوكه و تصرفاته حيث أن مؤلف هذه الرواية كينغسلي Kingsley قد ضمنها الكثير من الأفكار الفلسفية و الأخلاقية .
وبالرغم من اهتمام أدباء العصر الفيكتوري بغرس القيم الأخلاقية عند الطفل فإن أليس في رواية أليس في بلاد العجائب هي أول طفل لم يتعلم أي درس أخلاقي من أحداث الرواية التي كان أحد شخصياتها , بل إن أليس كانت أكثر عقلانية من الكبار في هذه القصة كملكة القلوب Queen of Hearts المختلة عقلياً و الفارس الأبيض المغفل و غيرهم .
لقد كتب لويس كارول قصة أخرى مشابهة لقصة أليس في بلاد العجائب وهي قصة ( من خلال المرآة) Through the Looking-Glass 1871 و هذه القصة عبارة عن متاهة من الأحداث التي لا تؤدي إلى أي شيء فإما أن تعود بك هذه الأحداث إلى الخلف أو أن تبقيك في مكانك , أما لعبة الشطرنج في هذه القصة فهي رمز لعذاب الآخرة و يعتقد بعض النقاد أن لويس كارول قد تأثر بالكوميديا الإلهية The Divine Comedy لدانتي Dante مع أن كارول قد صرح مراراً بأنه لم يقرأ الكوميديا الإلهية.
بعد العام 1870 كان معظم كتاب الأطفال من النساء كما أن قصص الأطفال أصبحت تكتب على شكل مسلسلات معدة للنشر في مجلات الأطفال كمجلة العمة جودي’s Aunt Judy
Magazine و مجلة ( كلمات طيبة لليافعين ) Good Words for the Young , شيء آخر لابد من ملاحظته خلال هذه الفترة فقد لاحظنا في الأمثلة السابقة أن الروايات السابقة كانت تدور حول طفل يدخل إلى عالم الكبار كما هي حال أليس في بلاد العجائب , أما بالنسبة لما بعد العام 1870 فقد أصبح الأدباء مهتمين بدخول عالم الطفل متأثرين بتنامي علم النفس .
لقد كان الروائي الاسكتلندي جورج ماكدونالد George Mac Donald يرى بأن الحياة المادية غالباً ما تكون مجرد وهم و أن الخيال قد يكون أكثر واقعيةً من الواقع ذاته و هذا ما نراه في روايته ( على متن الرياح الشمالية ) At the Back of the North Wind 1871 و في هذه الرواية تزور سيدة الرياح الشمالية الصبي دايموند ابن الحوذي ( سائق العربة) و تحمله على ظهرها إلى بلاد غريبة لكن هذا الصبي يمرض بعد ذلك و يموت .
و كتب جورج ماكدونالد كذلك ( كتب الأميرة –الأميرة و العفريت ) Princess ‘s Book , The Princess and the Goblin 1872 و تتمحور هذه الرواية حول الإيمان باللامرئيات , وكذلك الأمر في رواية الأميرة و كوردي The Princess and Curdi 1883 و كوردي هو صديق الأميرة الصغير .
وفي العام 1874 كتبت كريستينا روسيتي Christina Rossetti مجموعة قصصية أسمتها ( اللوحات المتكلمة ) Speaking Likenesses وفي إحدى هذه القصص نجد الطفلة المدللة و السيئة الطباع فلورا تتخيل حدوث أشياء مرعبة تعكس نفسيتها المتكبرة فالرعب في هذه القصة لا يتأتى من خارج الطفل بل إنه ينبع من ذاته و يعكس سوء تربيته , وفي قصة فلورا Flora هنالك إحساس بالبرانويا paranoia أو الذهان الكبريائي و من هذه الناحية فإن قصة فلورا تشبه قصيدة سابقة لروسيتي اسمها ( سوق العفريت ) Goblin Market 1862 وتتحدث هذه القصيدة عن فتاة تشتري فواكه من العفاريت .
إن موضوع الموت لم يكن غريباً على أدب الأطفال في العصر الفيكتوري فقد تناول جورج ماكدونالد موضوع الموت في رواياته كما هي الحال في رواية ( على متن الرياح الشمالية ) التي يموت فيها ابن الحوذي .
كما أن موضوع الموت هو موضوع مركزي في رواية دينا مالوك Dina Mulock الأمير الأعرج الصغير و عباءته المسافرة The Little Lame Prince and his Traveling Cloak 1874 فالأمير الصغير في هذه الرواية يفكر في والدته المتوفاة و ينظر باشتياق إلى الجبل الجميل الذي رحلت إليه بعد موتها , كما أن إحدى العرافات تعطيه بساطاً سحرياً ليجوب العالم به .
ماري لويزا موليسوورث Mary Louisa Molesworth كتبت في العام1875 قصة ( جنيات بكرة الخياطة ) The Reel Fairies و تتحدث هذه القصة عن فتاة انطوائية تدعى لويزا تتخذ من بكرات الخيطان أصدقاء وهميين لها , لكن بكرات الخياطة هذه تتحول إلى كائنات حية و تحاول إرغام لويزا على أن تصبح ملكة لهم , لذلك فإن لويزا تقلع عن الانعزال عن الحياة , وهنالك قصة أخرى تهدف إلى منع الأولاد من الاستغراق في الخيال وهي قصة ( كون و الأشخاص الصغار) Con and the Little People 1875 و تتحدث هذه القصة عن خطف الجن للصبي كون .
وضمن سياق القصصة التربوية الهادفة كتبت جوليانا هوريشا Juliana Horatia قصة ( أرض الدمى الضائعة) The Land of Lost Toys 1869 وفي هذه القصة يتوجب على الأولاد الأشقياء أن يذهبوا إلى أرض الدمى و أن يقوموا بإصلاح الدمى التي قاموا بكسرها .
وفي قصة إميليا و الأقزام Amelia and the Dwarfs 1870 فإن إميليا تسجن تحت الأرض لكي تنظف الملابس التي جعلتها تتسخ كما أن عليها أن تعيش على الطعام الذي رفضت تناوله وأن تقوم بإصلاح ما أتلفته .
أما قصة ( بينجي في أرض الوحوش) Benjy in Beastland 1870 فتتحدث عن عقاب الأولاد الذين يسيئون معاملة الحيوانات .
وفي قصة الأم الجديدة The New Mother يستمع طفلين إلى خرافات إحدى الفتيات ولا يصغون إلى نصائح والدتهم لذلك فإن والدتهم تتركهم و تأتي بدلاً منها أم جديدة مخيفة ذات عيون زجاجية و ذيل خشبي … و قد كتبت لوسي لين كليفورد قصصاً أخرى كقصة ( توني الخشبي) Wooden Tony 1892 , وكما رأينا سابقاً في قصة الأم الجديدة فإن الأولاد قد خذلوا والدتهم بعدم استماعهم إلى نصائحها , لكننا في قصة توني الخشبي نجد أن الأهل هم من خذلوا أولادهم فأحداث هذه القصة تجري في السويد و تتحدث عن ابن نجار خيالي و متوحد autistic لذلك فإن والده ينظر إليه كصبي لا فائدة منه فالأب في هذه القصة هو شخص جشع يعبد المال بخلاف ابنه ذو الطبيعة الحالمة .
لقد كان والد توني يدعوه باستمرار بلقب ( توني الخشبي) لأنه كان يراه صبياً بليداً و قد تحول هذا اللقب إلى حقيقة عندما قام أحد المشعوذين عابري الطريق بتصغير توني و تحويله إلى دمية خشبية و كأن هذا المشعوذ قد حقق مشيئة الأب فالآباء يقررون أحياناًً مصير أبنائهم .
لقد كتبت الأديبة ( ماري دي مورغن ) Mary De Morgen قصصاً مثل ( على المدبسة ) On a Pincushion 1877 و ( قلادة الأميرة فلوريموند) The Necklace of Princess Florimonde 1880 و في هذه القصص تظهر ماري ازدرائها للأفكار المادية كما تظهر ميولاً جمالية و تأثراً بحركة ما قبل الرفائيلية Pre –Raphaelite .
اندرو لانغ Andrew Lang كتب عدة قصص للأطفال مثل قصة ( ذهب فيرنلي )The Gold of Fairnilee 1888 وتتحدث هذه القصة عن قيام الجن باختطاف أحد الصبية و أخذه إلى بلاد الجن , كما كتب لانغ كذلك قصة ( الأميرة لا أحد ) The Princess Nobody 1884 كما كتب كذلك قصة ( الأمير بريغيو) Prince Prigio 1889 و قصة ( الأمير ريكاردو ) Prince Ricardo 1893 و غيرها حيث كتب لانغ 12 قصة للأطفال .
لقد استوحى لانغ قصتي الأمير بريغيو و الأمير ريكاردو إلى حد ما من قصة( الوردة و الخاتم )
The Rose and the Ring التي كتبها ثاكري Thackeray , كما أن لانغ قد استوحى كثيراً من الأفكار من كتاب ( الجيولوجيا للأطفال –السيدة كيف و السيدة لماذا) Book of geology for children ,Madam How and Lady Why 1869 لكنغلسي Kinglsey .
إن قصة ( الأمير السعيد) The Happy Prince 1888 لأوسكار وايلد Oscar Wilde واحدة من أجمل قصص الأطفال في الأدب الإنكليزي و يعتقد بأن اوسكار وايلد قد استوحى هذه القصة من كتابات كريستيان أندرسن Christian Andersen و تتحدث هذه القصة عن أمير لم يعرف الحزن في حياته , لكن تمثال هذا الأمير الذي صنع تخليداً لذكراه بعد أن وضع في ساحة المدينة أصبح يرى بؤس الناس وقد صادق هذا التمثال أحد طيور السنونو المهاجرة و كان هذا التمثال يطلب من السنونو أن ينتزع قطع الذهب التي تغطيه و أن يعطيها للفقراء كما طلب من الطائر أن ينتزع عينيه التين كانتا عبارة عن جوهرتين و عندما حل الشتاء مات طائر السنونو من البرد لأنه كان مشغولاً بمنح الذهب للمحتاجين فلم يتمكن من الهجرة إلى البلاد الدافئة مع بقية الطيور , كما أن تمثال الأمير السعيد الذي كان يزين ساحة المدينة قد أصبح تمثالاً بشعاً لذلك فقد أمر عمدة المدينة بإزالته .
إن روايات أوسكار وايلد ( بغض النظر عن سيرته الذاتية) تدور حول التضحية التي تؤدي في النهاية إلى الموت كتضحية تمثال الأمير السعيد بحياته من أجل الآخرين و تضحية طائر السنونو بحياته كذلك ,كما أن قصص اوسكار وايلد تنتهي بقيام أبطالها بتضحيات عظيمة من أجل الآخرين فقصة ( العملاق الأناني ) The Selfish Giant تنتهي بتخلي العملاق عن أنانيته و هو الأمر الذي قضى عليه ….” ابتسم الطفل للعملاق و قال له: لقد سمحت لي مرة بأن ألعب في حديقتك و اليوم سوف تأتي أنت إلى حديقتي التي هي الفردوس , وعندما أتى الأولاد بعد الظهيرة وجدوا العملاق يرقد ميتاً تحت الشجرة والزهور البيضاء تغطيه بشكل كامل ” .
لقد تأثر لورانس هاوسمان Laurence Housman إلى حد كبير بكتابات أوسكار وايلد و هذا التأثر يتبدى في العديد من القصص التي كتبها كقصة ( مزرعة في ارض الجن ) A Farm in Fairyland 1894 و قصة ( حقل البرسيم ) The Field of Clover 1898 و ( بيت الفرح ) The House of Joy 1895 .
وفي العام 1898 كتب كينيث غراهام Kenneth Grahame قصة ( التنين المتردد ) The Reluctant Dragon حيث تصور هذه القصة تنيناً كسولاً يتردد في الهجوم على القديس جورج St.George لكنه يوافق في النهاية على التظاهر بأنه يخوض المعركة من أجل سمعة التنانين .
وفي العام 1895 كتب روديارد كيبلينغ Rudyard Kipling كتب الأدغال و تتحدث هذه الرواية عن صبي الأدغال ماوكلي Mowgli وهو صبي هندي قامت الذئاب بتربيته و قد استوحى روديارد كيبلينغ هذه الرواية من الاعتقاد الشائع في الهند بأن الذئاب تقوم أحيانا بتربية الأطفال الذين يضلون طريقهم في الغابات ( انظر دراسة أطفال البراري – أمالا و كامالا ) .
وفي العام 1890 كتبت ماغي براون Maggie Brown قصة ( مطلوب ملك ) أو ( كيف استطاع ميرل أن يصحح ألحان الحضانة ) How Merle Set the Nursery Rhymes to Rights و تتحدث هذه القصة عن طفل يأتي إلى أرض أغاني الحضانة و يهزم العملاق الشرير الذي جعل أغاني الحضانة تنتهي بشكل حزين و يقوم بتنصيب ملك طيب لأرض أغاني الحضانة
ويعتقد كثير من النقاد بأن هذه القصة تقوم على فكرة إمبريالية و هي فكرة فرض التغيير من الخارج وهو المبدأ الذي اتبعته الدول الامبريالية مع دول العالم الثالث و ذلك باحتلال تلك الدول بغرض تمكين جهات موالية لها من الحكم .
أدب الأطفال في القرن العشرين
*******************
إن من أهم السمات التي ميزت أدب الأطفال بعد العام 1900 كانت استخدام الحيوانات ككائنات عاقلة تستطيع الكلام و ترتدي الثياب كما هي الحال في قصص ( بتريكس بوتر ) Beatrix Potter .
لقد كانت قصة ( بيتربان) Peterpan 1904التي كتبتها نسبت E.Nesbit من أنجح قصص الأطفال التي كتبت في بدايات القرن العشرين و قد كتبت نسبت أعمالاً متعددة للأطفال كان السفر عبر الزمن من أهم المواضيع التي تناولتها هذه الأعمال كما هي الحال في ( قصة امليت) The Story of Amulet 1906 و ( بيت أردن – أو عائلة أردن) The House of Arden وقصة Harding ‘s Luck 1906 , وكذلك فقد كتبت نسبت روايات للكبار مثل المنزل الأحمر The Read House و شجرة الغار في شارع فيتزروي Daphne in Fitzroy Street
و شهر عسل لايصدق The Incredible Honeymoon و القبرة The Lark .
وكتبت نسبت قصصاً كثيرة للأطفال مثل ( خمس أولاد وشيء) Five Children and It 1902 وتتحدث هذه القصة عن لقاء مجموعة من الأولاد مع جنية الرمال , كما كتبت كذلك قصة طائر العنقاء و السجادة The Phoenix and the Carpet 1904 و جزيرة التسع دوامات The Island of Nine Whirlpools وفي هذه القصة يحاول الأمير أن ينقذ الأميرة من جزيرة التسع دوامات التي يحرسها أحد التنانين كما كتبت نسبت كذلك قصة ( ميليساند) Melisande و تتحدث هذه القصة عن لعنة تصيب الأميرة و تجعل شعرها يطول بشكل سريع جداً و يحاول الأمير أن يقص شعر الأميرة لكن سرعة نمو شعرها تزداد بمعدل الضعف عند قصه لذلك تخطر للأمير فكرة أن يقص الأميرة عن شعرها بدلاً من أن يقص شعرها عنها و كتبت نسبت قصة القلعة المسحورة The Enchanted Castle كذلك في العام 1907 .
لقد كانت نسبت تهتم بالعلاقات الرياضية في أعمالها الأدبية بشكل مشابه لما نجده في أعمال لويس كارول مؤلف أليس في بلاد العجائب و غيره من الكتاب الذين كانوا من العلماء أمثال كنغسلي Kingsley و جورج ماكدونالد George Mac Donald و موليسوورث Molesworth و ماري دي مورغان Mary De Morgan و لوسي لين كليف Lucy Lane Cliff .
و كانت نسبت من أوائل كتاب الأطفال الذين استخدموا في أعمالهم الأدبية السفر عبر الزمن time-travel , كما أنها كانت من أوائل الأدباء الذين كتبوا روايات طويلة للأطفال ذات موضوع واحد و ليس مجموعات قصصية منفصلة عن بعضها البعض .
و بالنسبة لموضوع السفر عبر الزمن فإن كيبلينغ Kipling كان قد كتب قصة ( عفريت بوك هل ) Puck of Pook Hill في العام 1906 تقريباً و تتحدث هذه القصة عن زيارة بعض البريطانيين القدماء لطفلين ولا تتحدث عن سفر الأطفال عبر الزمن ففي موضوع السفر عبر الأزمنة هنالك فرق بين أن يأتي شخص من عصور قديمة لرؤيتك و بين أن تسافر أنت إلى تلك العصور الغابرة .
وفي هذه القصة يستمع الطفلين ” دان ” و ” آنا ” إلى تاريخ بريطانيا و قد كتب كيبلينغ كذلك كتاباً مماثلاً أسماه مكافآت و عفاريت Rewards and Fairies 1910 , لكن ترتيب الأحداث التاريخية في هذين الكتابين كان ترتيباً سيئاً للغاية حيث وضع كيبلينغ الاحتلال النورماندي لبريطانيا قبل الاحتلال الروماني كما أنه وضع الملكة إليزابيث قبل العصر الحديدي .
وبالإضافة على موضوع السفر عبر الزمن فقد تناول أدب الأطفال في بدايات القرن العشرين موضوع الحياة الرعوية pastoral كما هي الحال في قصة الرياح في الصفصاف The Wind in the Willows 1908 التي كتبها كينيث غراهام Kenneth Grahame و قصة The Three Mulla-Mulgars 1910 لووتار دي لا مار Water de la Mare و قصة ” صبي صغير مفقود ” A Little Boy Lost 1910 لهادسون W.H.Hudson.
بعد الحرب العالمية الأولى أهمل أدب الأطفال إلى حد كبير و بدلاً من الكتابات القيمة التي انتشرت قبل الحرب بدأت تظهر للوجود قصص المغامرات و القصص المصورة comics التي كانت تهدف بشكل رئيسي إلى تسلية الأطفال و ملئ أوقات فراغهم , لكن هذا لم يعني انعدام وجود الأعمال الأدبية في تلك الفترة مثل قصة ” بستان التفاح ” Apple Orchard 1912 لمارتن بيبين Martin Pippin وهي قصة تجمع بين الخيال و محبة الطبيعة بشكل مشابه لمسرحية وليم شكسبير ” كما تشاء ” As You Like it ” حيث تجري أحداث هذه القصة في عالم خيالي من عوالم العصور الوسطى و قد دعي هذا العالم باسم Morrisian وهذا العالم الخيالي كان مسرحاً لأحداث الكثير من القصص الخيالية التي كتبت في العام 1920 .
أما أحداث قصص دي لا مار فإنها تدور في المنازل و أبطال هذه القصص أشخاص خاملون أو مسجونون و هذه الروايات غالباً ما تدور حول صراع الأجيال كما أن المؤلف يكثر من التفكير في الموت في أشعاره التي تتحدث عن الطفولة , وكذلك فإن قصص الأشباح التي كتبها دي لا مار للكبار تدور كذلك حول مواضيع مشابهة مثل قصة ” عمة سيتون ” Seton ‘s Aunt 1923 و ” الحجرة الخضراء ” The Green Room ” 1925 و All Hallows 1926 و Crew 1930 و قصة ” عائد من الموت ” A Revenant 1936 و بشكل عام فإن معظم قصص دي لا مار تدور حول السجن و الاحتجاز ومن ثم الهروب نحو الحرية و ربما هروب الروح من سجن الجسد .
لقد كتب الشاعر جون ماسفيلد John Masfield عدداً من قصص الأطفال مثل The Midnight Folk 1927 و ” صندوق المسرة ” The Box of Delight 1935 حيث يقوم أبطال هذه القصص برحلات إلى أمريكا الجنوبية كما يقومون برحلات عبر الزمن بهدف البحث عن كنوز مفقودة , وقد كتب ماسفيلد قصص مغامرت أخرى مثل Sard Harker 1924 و
Odtaa 1926.
إن الاختلاف بين دي لامار و ماسفيلد يكمن في أن قصص دي لا مار تنطلق ابتدءاً من شخصيات و ظروف واقعية و اعتيادية ثم تدخل بعد ذلك في أحداث خيالية أما ماسفيلد فإنه يمزج في قصصه الخيال مع الواقع , و كذلك فإن دي لا مار يكتب قصصه كإنسان راشد يكتب للأطفال فهو في كتاباته يدرك الحياة كشخص راشد بينما نجد أن ماسفيلد يكتب للأطفال من منظور و عقلية الطفل , بالإضافة إلى أن هنالك لمسة رعوية و محبة للطبيعة في كتابات ماسفيلد يقابلها بغض و نظرة عدائية للتقنيات الصناعية .
لقد شهد العام 1920 انتشاراً واسعاً لقصص الحيوانات Animal stories أي القصص التي تصور الحيوانات ككائنات عاقلة كما ذكرت سابقاً و هذه القصص كانت تعكس الرغبة في الهروب من المجتمعات البشرية إلى مجتمع الحيوانات الأقل شراً و من أشهر تلك الأعمال الأدبية نجد سلسلة الدكتور دوليتل Doctor Dolittle و هذه القصص هي مزيج من الخيال و الحقائق العلمية لذلك يمكن القول بأن هذه القصص هي من قصص الخيال العلمي فهي تتحدث عن الدكتور دوليتل الذي يقوم بتعليم الحيوانات و تثقيفها إلى أن تصبح متحضرة كالإنسان و لكن دون أن تكتسب شروره و مفاسده و موبقاته , و الدكتور دوليتل لم يكتفي بتثقيف الحيوانات و تعليمها بل إنه هو نفسه قد تعلم الكثير منها .
لقد كتب Lofting Hugh قصة الدكتور دوليتل بعد أن تأثر بالمعاملة السيئة التي كانت الخيول تلاقيها في الريف الإنكليزي لذلك فقد جعل من بطل رواياته أي الدكتور دوليتل صديقاً حميماً للحيوانات ولم يسمح إلا لاثنين من بني البشر بالانضمام إلى مجتمع الدكتور دوليتل و حيواناته .
لقد دعي آخر كتاب من سلسلة الدكتور دوليتل باسم ” عودة الدكتور دوليتل” Doctor Dolittle Return 1933 حيث يصور هذا الكتاب عودة الدكتور دوليتل من القمر ككائن عملاق يسعى لإنقاذ الحيوانات .
شيء آخر لابد من ملاحظته في أدب الأطفال الإنكليزي الذي كتب في العام 1920 , فقبل العام 1914 كانت قصص الأطفال تحوي جنياً طيباً يرشد الأولاد إلى طريق السعادة أما بعد العام 1920 فقد كان على شخصيات قصص الأطفال أن تبحث بنفسها عن طريق السعادة , و كذلك فإن علينا أن نلاحظ غياب الأطفال عن القصص التي كتبت في العام 1920 ( كقصة الدكتور دوليتل مثلاً التي لا تحوي أطفال) لكن الأطفال قد عادوا مجدداً كشخصيات رئيسية في العام 1930 .
وكردة فعل على سلسلة الدكتور دوليتل التي تمجد مجتمعات الحيوانات كتب ميلن A.A.Milne مجموعة كتب ” بو” The Pooh Books كقصة Winnie –the- Pooh 1926 و قصة
The House at Pooh Corner 1928 , و بخلاف الصورة التي رأينا عليها الحيوانات في سلسلة الدكتور دوليتل من حيث أنها كائنات ذكية و حكيمة و متحضرة فإن الحيوانات تصور في هذه المجموعة القصصية على أنها كائنات تتميز بالحمق بما فيها ( بو ) الدب الذي يتميز بعقله الصغير .
إن العالم الذي صوره ميلن في هذه السلسلة هو عالم من اللهو و اللعب و هو عالم لا يكترث للوقت ولا للظروف ولا للمنطق لذلك فإن أجواء هذا العالم ملائمة للأولاد .
و بخلاف عالم الطفولة الوردي الذي نراه في كتابات ميلن فإن هنالك روايات رسمت صورةً سوداء للطفولة و هذه الروايات هي روايات للكبار لكنها تدور حول أطفال تعرضوا لظروف بشعة كما هي الحال في رواية ” رياح مرتفعة في جامايكا ” High Wind in Jamaica 1929 لمؤلفها ريتشسارد هيوز Richard Hughes و تتحدث هذه القصة عن اختطاف القراصنة لسبعة أطفال حيث يموت أحد أولئك الأولاد و يتعرض آخر للاعتداء , وهذا التصوير القاتم للطفولة نراه في رواية ” دورة البرغي ” The Turn of the Screw 1898 التي كتبها هنري جيمس Henry James ورواية ” سيد الذباب ” Lord of the Flies 1954 التي كتبها وليم غولدينغ William Golding .
قبيل الحرب العالمية الثانية ظهرت أعمال أدبية خيالية تتجاهل الواقع و تتهرب منه ربما رغبة في تلطيف الجو المشحون باحتمالات الحرب ومن هذه الأعمال ” ساكن الحفر ” The Hobbit التي كتبها توكن Tolkien في العام 1937 و رواية ” السيف في الصخرة ” The Sword in the Stone التي كتبها وايت White في تلك الفترة , و في العام 1939 كتبت هيلدا لويس Hilda Lewis قصة ” السفينة التي تطير ” The Ship that Flew كما كتب اليسون اتلي Alison Uttley قصة مسافر في الزمن A traveller in Time و تتحدث هاتين القصتين عن السفر عبر الزمن .
لقد كانت قصص الأطفال قبل العام 1930 تتوجه بشكل رئيسي إلى أطفال الطبقات الوسطى البرجوازية bourgeois و أطفال الطبقات الارستقراطية , أما بعد العام 1930 فقد بدأ كتاب هذه القصص يلتفتون إلى أطفال الطبقات الفقيرة و ذلك بتقديم قصص أبطالها ينتمون إلى الطبقات الفقيرة , ففي قصة ” مغامرات الحصان الخشبي الصغير ” Adventure of the Little Wooden Horse التي كتبتها أرسولا موري ويليام Ursula Moray William كان على بطل هذه القصة أن يعمل في المناجم و أن يدفع العربات الثقيلة و أن يعمل أجيراً عند الحداد و عاملاً في المزارع و هذه القصة مستوحاة من قصة الدمية الخشبية ” بينوكيو ” Pinocchio التي كتبها كولودي Collodi وهي قصة الصبي الخشبي الذي يطول أنفه كلما كذب .
لكن التوجه نحو أطفال الطبقات الفقيرة لم يكن خطاً عاماً في العام 1930 فهنالك أعمال أدبية مثل ” العصا السحرية الماشية ” The Magic Walking-Stick 1932 لجون بوكان John Buchan و قصة السفينة التي تطير التي ذكرتها سابقاً شذت عن هذه القاعدة فأطفال الطبقات في هذه القصص يتميزون بقدرات عجيبة نظراً لامتلاكهم أشياء سحرية كالملاعق الفضية و النسب الرفيع و في الحقيقة فإن فترة ماقبل الحرب العالمية قد شهدت تمايزاً و انحيازاً طبقياً و عنصرياً إلى اقصى الدرجات كردة فعل على انتشار الأفكار الشيوعية التي تمجد الطبقة العاملة ( طبقة البروليتاريا Proletariat ) .
إن قصة ” السيف في الصخرة ” The Sword in the Stone التي ذكرتها سابقاً تتحدث عن صبي يتم تدريبه ليصبح الملك آرثر… و يوماً ما يجد الصبي سيفاً مغروساً في إحدى مقابر لندن فيسحبه من الصخرة التي كان منغرساً فيها و في ذلك نبوءة و دلالة رمزية على الحرب المقبلة التي ستخوضها إنكلترا و دعوة للاستعداد لتلك الحرب .
كما قام توكين Tolkien في تلك الفترة بكتابة قصة ” سيد الخواتم ” The Lord of the Rings وقد كتبها توكين على نهج قصة ” ساكن الحفر ” The Hobbit التي كتبها سابقاً و قد نالت هذه القصة نصيباً وافراً من الشهرة لم تنله قصصه الأخرى .
وفي العام 1939 كتبت اليسون اتلي Alison Uttley قصة ( مسافر عبر الزمن ) A Traveller in Time و تسرد هذه القصة حكاية فتاة تسافر عبر الزمن لتلتقي بأسلافها الذين عاشوا في العصر الإليزابيثي و موضوع هذه القصة مشابه لموضوع قصة The House of Arden التي تتحدث عن عائلة ” أردن ” خلال العصر الإليزابيثي وهي القصة التي كتبها نسبت Nesbit .
لقد كانت فترة الحرب العالمية الثانية من أشد المحن التي تعرضت لها بريطانيا في تاريخها حيث شكلت هذه الحرب تهديداً حقيقياً لوجود هذه الدولة و لعل أكبر مؤشر على إحساس الحكومة البريطانية بهذا التهديد بالفناء كان إرسالها لأكبر عدد ممكن من أطفال المدارس في البواخر إلى كندا و الولايات المتحدة , مع أن البحرية الألمانية التي كانت تغلق مضيق جبل طارق تمكنت من إغراق عدد كبير من تلك البواخر التي كانت تغادر وعلى متنها الكثير من تلامذة المدارس و تعود محملة بالوقود والمؤن و الأسلحة , ولم يكن أمام البوارج الحربية البريطانية التي كانت ترافق البواخر المدنية سوى أن تضحي بنفسها في معاركة محسومة سلفاً و أن و تتوقف أمام البحرية الألمانية التي لا تقهر حتى تشغلها إلى أن تصبح البواخر المدنية بعيدةً عن مرمى نيرانها كما كان قباطنة تلك البواخر يحرصون على السير في أرتال و أن تفصل مسافة كبيرة بين كل باخرة و أخرى بحيث ينجو أكبر عدد ممكن منها .
ومع ذلك كله فإن الأدباء لم يتوقفوا عن كتابة الأعمال الأدبية الخاصة بالأطفال خلال الحرب حيث ظهرت خلال تلك الفترة الكثير من تلك الأعمال كقصة ” البيت المفعم بالدخان ” Smoky-House الذي كتبته اليزابيث غودج Elizabeth Goudge في العام 1940 و تدور أحداث هذه القصة في إحدى القرى بعد الحرب النابليونية Napoleonic Wars حيث كان تهريب البضائع يعتبر عملاً بطولياً و حيث كان هذا الأمر يتم بمعونة الجن و العفاريت, و يأتي إلى تلك القرية أحد الجواسيس متنكراً في هيئة موسيقي لإرشاد السلطات إلى المهربين الذين كانت المشنقة بانتظارهم .
وفي العام 1944 كتب كروفت ديكينسون Croft Dickinson قصة ” بوروبيل ” Borrobil وهي قصة مقتبسة من قصة ” ساكن الحفر” The Hobbit التي كتبها توكين , كما كتب ايريك لينكليتار Eric Linklater في العام 1944 قصة ” الرياح على القمر ” The Wind on the Moon و في العام 1949 كتب لينكليتار قصة ” القراصنة في البحر الأخضر العميق ” The Pirates in the Deep Green Sea المقتبسة من رواية ماسفيلد ” صندوق المسرات ” Box of Delights حيث تجري أحداث هذه القصة في أعماق البحار .
و كتبت ماري نورتون Mary Norton قصة ” بيدكنوب السحرية ” The Magic Bedknob حيث يقوم ثلاثة أولاد في هذه القصة بمساعدة ساحرة ناشئة في القرية اثناء تدربها على فنون السحر لذلك فإن هذه الساحرة تمنحهم بعض القدرات السحرية و في هذه القصة تخبر هذه المشعوذة الأولاد بأن الساحر لايستطيع أن يحصل على المال لذلك فإن السحرة يعيشون في أكواخ و بيوت متهالكة .
وقد اتبعت ماري نورتون هذه القصة بقصة Bonfires and Broomsticks 1947 وفي هذه القصة يسافر الأولاد الذين تعرفنا عليهم في القصة السابقة إلى الماضي إلى عصر الملك تشارلز الثاني و يجلبون معهم من ذلك العصر أحد السحرة و تقع المشعوذة الناشئة التي تحدثنا عنها في القصة السابقة في غرام هذا الساحر لكن ذلك الساحر يعود إلى عصره مجدداً خلال حريق لندن الكبير The Great Fire of London لذلك يلقى القبض عليه و يحكم عليه بالحرق بتهمة ممارسة السحر و الشعوذة لذلك يحاول الأولاد إنقاذه .
وفي العام 1945 ظهرت قصة ” الشجرة التي جلست ” The Tree That Sat Down لبفرلي نيكولس Beverley Nichols و في هذه القصة تدير إحدى الفتيات محلاً تجارياً صغيراً داخل شجرة صفصاف قديمة , لكن سام الشرير يقيم سوقاً تجارية على مبادئ الخديعة و الغش لذلك فإن هذه القصة تقوم على المقارنة بين الأعمال التجارية القائمة على الصدق و السمعة الحسنة و بين الأعمال التجارية التي تقوم على الغش و التدليس .
إن أبطال هذه القصة يشبهون شخصية ويلي لومان Willy Loman في مسرحية ” موت بائع متجول ” Death of Salesman للمسرحي الأمريكي آرثر ميلر Arthur Miller .
و هذه القصة هي عبارة عن جزء من سلسلة ظهرت في تلك الفترة تضمنت كذلك قصة ” الجدول الذي توقف عن الجريان ” The Stream That Stood Still 1948 و قصة ” جبل السحر “
The Mountain of Magic 1950 , وكذلك فإن هنالك تشابهاً واضحاً بين قصة الجدول الذي توقف عن الجريان و بين قصة قراصنة البحر الأخضر العميق من حيث وقوع الأحداث في قاع البحار ومن حيث وصف طريقة التنفس تحت الماء .
كما ظهرت في تلك الفترة كتب قاطرات السكة الحديدية التي كتبها أودري Awdry كقصة قاطرات السكة الحديدية الثلاث The Three Railway Engines 1945وقصة القاطرة البخارية توماس Thomas the Tank Engine 1946 , وقد ظهر عشرين كتاباً من هذه السلسلة ما بين العام 1949 و العام 1972 و في هذه السلسلة شهد أدب الأطفال لأول مرة تمجيد الآلة , وقد ذكرت سابقاً بأنه في النصف الأول من القرن العشرين أي مابين العام 1900 و العام 1950 تقريباً كان هنالك ميل شديد لدى كتاب الأطفال إلى استخدام الحيوانات كشخصيات في أعمالهم الأدبية , و في الفترة التي تلت العام 1940 كان معظم الكتاب يعتبرون الحيوانات أقل شراً وخسة من الإنسان كما في قصة ماوكلي التي كتبها كيبلينغ و قصة الدكتور دوليتل ولكن ابتداءً من العام 1950 أصبح الإنسان و ليس الحيوانات هو المحور الأساسي لقصص الأطفال .
وفي العام 1946 تقريباً وضع بنجامين سبوك Benjamin Spock كتاباً أسماه العناية بالطفل و الرضيع Baby and Child Care و هذا الكتاب يمتلك أهمية خاصة في علم النفس حيث كان الاتجاه التربوي السائد سابقاً اتجاه سلوكي Behaviorist أي أن المجتمع يأتي أولاً فإذا كان الطفل غير متوافق مع مجتمعه فينبغي تقويمه حتى يتوافق مع مع ذلك المجتمع , لكن سبوك كان يرى بأن الطفل يأتي في المقام الأول و ليس المجتمع وقد كان لنظرية سبوك هذه تأثير واضح على أدب الأطفال , على أن بعض الأعمال الأدبية قد توافقت بشكل عفوي مع نظرية سبوك التي لم تنتشر في بريطانيا إلا بعد العام 1955 ومن هذه الأعمال قصة ” بيت الدمى ” The Doll’s House و تتحدث هذه القصة عن عائلة من الدمى تجمع المحبة بين أفرادها أكثر مما تجمع بينهم الطاعة العمياء و صلة الدم .
وقد شهد العام 1950 كذلك ميل الأدباء إلى أن يجعلوا أبطال قصصهم من الأطفال وأن يركزوا على الطفل و عالمه النفسي .
إن الحرب العالمية الثانية لم تفضي إلى هزيمة ألمانيا و حسب بل إنها أدت كذلك على انهيار بريطانيا العظمى بوصفها إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس وقد أدت انتخابات العام 1945 إلى وصول حزب العمال إلى الحكم وقد تعهد هذا الحزب بتامين التعليم و العلاج المجانيين للجميع .
وفي العام 1950 تقريباً كتب سي .س . لويس C.S.Lewis مدونات تاريخ نارنيا The Chronicles of Narnia , كما كتب كذلك قصة الأسد و المشعوذة و خزانة الملابس
The Lion , the Witch , and the Wardrobe 1950 وتصور هذه القصة التحول من التجمد إلى الحياة حيث ترمز قدرة المشعوذ على تجميد أعدائه إلى الحرب العالمية على الأغلب , لكن الربيع سرعان ما يأتي في هذه الرواية و يبعث الحياة مجدداً و يزيح الشتاء الطويل , وكذلك فقد كتب لويس في العام 1951 قصة الأمير كاسبيان Prince Caspian , كما كتب في العم 1954 قصة الحصان و صبيه The Horse and His Boy كما كتب في العام 1955 قصة ابن أخ المشعوذ Nephew ‘s The Magician .
إن معظم قصص لويس تبدأ بمقدم الأولاد إلى عالم نارنيا Narnia الخيالي و إلى نقطة معينة في تاريخ ذلك العالم الخيالي و أحياناً لايكون وصول الأولاد إلى نارنيا مجرد صدفة , بل يكون تحققاً لنبوءة قديمة كما هي الحال في قصة The Lion , the Witch , and the Wardrobe التي ذكرتها سابقاً .
في العام 1952 ظهرت سلسلة ( المدينين ) الروائية The Borrowers التي كتبتها ماري نورتون Mary Norton و تتحدث هذه السلسلة الروائية عن حياة عائلة مكونة من ثلاثة أقزام كانوا يعيشون في أرضية أحد المنازل وعندما أكتشف أمرهم كان على تلك العائلة أن تبحث عن سكن جديد لها لذلك فإن هذه الروايات تصور رحلة العائلة للبحث عن منزل جديد , وهذه السلسلة الروائية هي أقل خيالية من سلسلة نارنيا Narnia التي ذكرتها سابقاً .
و أبطال هذه القصة الأقزام يذكروننا بالليليبوتيين Lilliputians من سكان جزيرة ليليبوت الأقزام في رواية رحلات غوليفار لجوناثان سويفت لذلك فإن هذه الروايات تشذ عن بقية قصص الأطفال التي انتشرت في تلك المرحلة من حيث أن أبطالها ليسوا من الأطفال .
إن عائلة الأقزام عندما ترغم على مغادرة البيت الدافئ و الآمن الذي كانت تقيم في أرضيته اكتشفت أن المنزل ليس مجرد مكان نقيم فيه و أن المنزل الذي كنا نسكنه و ترغمنا الظروف على مغادرته يسكن فينا و في قلوبنا بعد ذلك فالبيت هو وطن صغير بل إنه الوطن الأول للإنسان و ليس صحيحاً أن الإنسان هو فقط الذي يسكن المكان فكثير من الأمكنة تسكن الإنسان خيراً أو شراً فالزوج المخدوع الذي يسعى للانتقام من رجل الدين عشيق زوجته في الرواية الأمريكية الشهيرة ” الحرف القرمزي ” The Scarlet Letter لناثانيال هاوثورن
Nathaniel Hawthorne يقسم بأنه لن يضع عشيق زوجته في السجن لكنه سيضع السجن في قلبه .
إن المقترضون أو المدينين The Borrowers الذين كانوا يعتمدون في حياتهم على ما يقترضوه أو بالأصح ما يجدوه من طعام و حاجيات في منزل البشر الذين كانوا يسكنون فيه لم يعودوا كذلك بعد مغادرتهم لذلك المنزل إلى الطبيعة و قد يكون في ذلك إشارة إلى الرخاء الاقتصادي الذي عم القارة الأوروبية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية .
في العام 1954 كتبت لوسي بوستون Lucy Boston مجموعة كتب للأطفال أسمتها ” نو الأخضر” Green Knowe و هي عبارة عن نوع من الكتابة مشابه للسيرة الذاتية
Semi-autobiographical و تتحدث هذه القصة عن منزل عمره ألف عام تمتلكه الآنسة اولد نو Mrs.Oldknow و يسكنه بالإضافة إلى سكانه المعاصرين سكانه القدامى كما يأتي الأولاد كذلك لزيارته وربما يرمز أولئك الأولاد إلى المهاجرين الذين بدؤوا يتوافدون إلى إنكلترا بعد الرخاء الاقتصادي فتوافد العمالة و المهاجرين إلى بلد ما هو أكبر مؤشر على الرخاء الاقتصادي الذي يشهده ذلك البلد .
وفي العام 1957 كتب وليم مين William Mayne قصة ” حبل الحشائش ” A Grass Rope . لقد كان مين يهتم بتتبع الماورائيات و الأمور الفلسفية و الميتافيزيقية metaphysical الخبيئة في الكون الفيزيائي المادي , وغالباً ما كان مين يستخدم جملاً قصيرة في كتاباته كما أنه كان يستخدم الحد الأدنى من الصفات و الظروف في جمله حيث أنه كان يعتمد في سرد أحداث رواياته على الأفعال بشكل رئيسي , وفي كثير من رواياته نجد اهتماماً خاصاً بالأرض و ما يخرج منها أو ما هو دفين في باطنها كما هي حال قارع الطبل الضائع منذ القرن الثامن في رواية Earthfasts 1966 و المدفع الدفين في ميدان حرب قديم في رواية ” ميدان الحرب “
The Battlefield 1967 .
وفي العام 1955 كتبت تيريزا ويستلرز Teresa Whistlers رواية ” صبي النهر” The River Boy و تتحدث هذه القصة عن صداقة أحد الصبية مع صبي النهر .
و كتب فيليبا بيرس Philippa Pearce في العام 1958 رواية ” حديقة منتصف الليل الخاصة بتوم ” Tom ‘s Midnight Garden و تدور أحداث هذه القصة في منزل قديم و تتضمن سفربطل القصة ” توم ” إلى العام 1890 ليشاهد كيف كان هذا المنزل القديم في ذلك التاريخ , علماً أن مادة كل من هذه الرواية و رواية صبي النهر مستمدتان من قصة بيتربان Peter pan .
إن الصبي توم في رواية ” حديقة منتصف الليل ” يعيش مع عمه و عمته في شقة ضيقة و خانقة تقع في حي مكتظ بالسكان لكن هذا الصبي ينسج في خياله حديقةً سحرية و صبياً في مثل سنه ليلعب معه و قد دعيت هذه القصة بحديقة منتصف الليل لأن توم لا يستطيع الذهاب إلى هذه الحديقة إلا في الساعة الواحدة ليلاً حيث تتوقف الساعة و يتوقف الوقت عندما يزور الصبي هذه الحديقة و قد ترمز هذه الحديقة إلى الفردوس كما أن توقف الساعة قد يرمز إلى توقف الزمن في الجنة .
إن هذه القصة حافلة بصور المرض و الحجر الصحي كما هي الحال عندما مرض توم فقام والديه بإرساله إلى منزل عمته حتى لا تنتقل العدوى إلى شقيقه كما أنها حافلة كذلك بصور العزلة و السجن و الضيق و الاختناق .
كتبت بربارا سلي Barbara Sleigh في العام 1955 رواية كاربونيل Carbonel و في العام 1959 كتب آرثر كالدر مارشال Arthur Calder Marshall رواية The Fair to Middling , و كاربونيل في القصة الأولى هو اسم قط المشعوذ الأسود , وفي العام 1960 صدر ملحق لقصة كاربونيل دعي بمملكة كاربونيل The Kingdom of Carbonel أما رواية The Fair to Middling فإنها رواية دينية تتحدث عن قيام مجموعة من الأولاد اليتامى و المعاقين ببيع أرواحهم لقاء التخلص من عاهاتهم لذلك فإن هذه الرواية تتحدث عن خسارة بعض الناس لذواتهم و أرواحهم في سبيل الحصول على بعض المتطلبات المادية .
لقد رأينا في الأمثلة السابقة كيف تمحورت كثير من قصص الأطفال حول الماضي و البيوت القديمة و العودة على الماضي حيث كان أدب الأطفال مسكوناً بالماضي باعتبار ذلك الماضي مصدر للسحر و الأساطير و القيم الأخلاقية و قد استمر هذا النهج في الكتابة لغاية العام 1970 تقريباً , كما أن موضوع إعادة الشخص إلى مكانه الطبيعي ( كعودة الأمراء إلى عروشهم المفقودة ) ظل سائداً في أدب الأطفال لغاية العام 1960 كاستعادة القط الملكي لعرشه في رواية كاربونيل و استعادة الأولاد المرضى لصحتهم في رواية أحلام ماريانا Marianna Dreams و إعادة الشر إلى حدوده في ملك الخواتم و تمكن الأقزام من العثور على منزل جديد و مناسب في قصة ” المدينون ” و كذلك فقد كان موضوع إعادة الأمور إلى نصابها موضوعاً محورياً في أعمال بولين كلارك Pauline Clarke كما هي الحال في قصة Twelve and the Genii 1962 .
يتبع..........
منقول