الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق محمد وآله الطيبين الطاهرين والعن الدائم على اعدائهم أجمعين الى قيام يوم الدين.
فقد تميزت مدينة كربلاء المقدسة باعتبارها إحدى عواصم العلم ومراكزه بأن كان بين ظهرانيها علماءُ ربانيون عاملون كُثر كانوا محل فخر الاسلام والمسلمين عبر التاريخ ومن هؤلاء الافذاذ المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد آقا حسين القمي.
الأسم والنسب:
هو السيد آقا حسين بن السيد محمود بن محمد بن علي الطباطبائي القمي الحائري من أجلّاء العلماء ومشاهير المراجع،ولد في قم في سنة 1282هـ، وشب فقرأ العلوم العربية، ولما بلغ الحلم تشرف إلى العتبات المقدسة بالعراق زائراً، ثم عاد إلى قم المقدسة فتوقف مدةً،ثم هبط طهران وقرأ بها المقدمات والسطوح.
أسرة السيد القمي:
أسرة السيد القمي أسرةٌ علمية علوية كريمة،اشتهر جُل أفرادها بالعلم، والزهد، والصلاح، والتقوى، انتقل كبيرها آية الله العظمى السيد الحاج آقا حسين القمي من النجف إلى كربلاء في أعقاب وفاة أستاذه الأجل الأخوند الخراساني، فأسهم في إحياء الحركة العلمية والتدريسية في حوزتها الدينية، برز في أسرته من بعده، نجله الأكبر العالم الفقيه السيد الميرزا مهدي القمي المتوفي سنة 1407هـ،تولى مهمة التدريس والتصدي لشؤون الفتيا في حوزة كربلاء لسنوات طويلة، وله نجل آخر هو آية الله الحاج السيد آغا تقي القمي نزيل مدينة قم.
أساتذته:
في سنة 1303هـ حج سماحة السيد القمي بيت الله الحرام، وعاد من طريق العراق فبقي في النجف الأشرف ثم ذهب إلى سامراء المشرفة حضر بها بحث السيد المجدد الشيرازي، وفي حدود سنة 1306هـ عاد إلى طهران فجد في الاشتغال في العلوم العقلية،والعرفان، والرياضة، على فلاسفة وقته كالسيد الميرزا أبي الحسن جلوه والشيخ علي المدرس النوري، والميرزا حسن الكرمانشاهي، والميرزا هاشم الرشتي، والميرزا علي أكبر اليزدي، والميرزا محمود القمي، وغيرهم، وقرأ الفقه والأصول أيضاً على الميرزا محمد حسن الآشتياني، والشيخ فضل الله النوري وغيرهما، وفي سنة1311هـ، هاجر إلى النجف الأشرف لتكميل العلوم الشرعية فأدرك بحث الميرزا حبيب الله الرشتي، وحضر على المولى علي النهاوندي، والشيخ محمد كاظم الخراساني، والسيد محمد كاظم اليزدي وغيرهم، لازم أبحاث هؤلاء الأعاظم مدة غير قصيرة حاز فيها درجة سامية، وفي سنة 1321هـ تشرف إلى سامراء فحضر بحث شيخنا الميرزا محمد تقي الشيرازي قدس سره عشر سنين، حتى ارتوى من معين فضله.
أخلاقٌ وعلم:
عُرف السيد القمي بالصلاح، والتقى، والنسك، والزهد، وكثرة العبادة، أما في الفقه والأصول فقد كان فاضلاً للغاية، وخبيراً جداً، له سلطة واستحضار وتضلع وبراعة، وفي سنة 1331هـ هبط مشهد الإمام الرضا عليه السلام في خراسان واشتغل بالتدريس، والإمامة، ونشر الأحكام، فكانت له مكانة كبيرة في نفوس الجمهور نظراً لقدسيته وورعه واجتنابه الموارد التي ليس من شأنه خوضها، وحصل على رياسة وزعامة هناك، لكنه مع ما اتفق له من الوجاهة والتقدير كان بعيداً عن كل ذلك لا يبطله ولا يقيم له وزناً، وكان كيساً حليماً، كثير الرزانة والوقار والتروي في الأمور، رجع إليه الناس في التقليد ونشرت رسائله العملية وكثرت الرغبة به، ومالت القلوب إليه وتقدم على غيره حتى أوجه وأجل علماء خراسان، واشتهر فكانت الاستفتاءات ترد عليه من سائر أطراف إيران...
زعامة السيد القمي للمرجعية الدينية:
في الحقيقة عندما كانت الحوزة العلمية العريقة في النجف الأشرف مزهوة ومتألقة، ومزدهرة بتواجد زعيم روحي عظيم الشأن، شامخ المكانة، شمولي المرجعية، على رأس حركتها التدريسية والعلمية وشؤون الفتيا بها، هو آية الله العظمى السيد أبو الحسن الموسوي الاصفهاني المتوفي سنة 1365هـ، كانت الحوزة العلمية في مدينة كربلاء المشرّفة تفتخر وتتباهي بأنها تضم في جنباتها صنواً له، ومن يوازيه علماً وفضلاً وورعاً وتقى،هو زميله المولى محمد كاظم الخراساني، المغفور له آية الله العظمى الحاج السيد آقا حسين القمي، الذي شهدت الحوزة العلمية في كربلاء على عهده بالأخص في السنوات الأخيرة من عمره نقلةً نوعية، لأن هذه الفترة كانت زاخرةً ومليئة بعلماء أجلّاء، وأساتذة كبار، التفوا حوله من المجاورين أو القادمين إلى كربلاء، وشكلوا برئاسته حلقة بحث علمي متعمقة للغاية، عرف في حينه ببحث «الكمباني» وكان يشترك في هذا البحث إلى جانبه: السيد الميرزا مهدي الشيرازي، والسد محمد هادي الميلاني، والشيخ يوسف الخراساني البيارجمندي، والشيخ محمد رضا الاصفهاني، والسيد زين العابدين الكاشاني، والمرجع الكبير والآية العظمى السيد أبو القاسم الخوئي، الذي هبط كربلاء آنذاك لفترةٍ قصيرة من الوقت دارساً ومدرساً في حوزتها العلمية.
تلامذة السيد القمي:
ولقد كان المرحوم القمي عالماًُ نحريراً أتسم بالعدل، والزهد، والتقوى، وقد زامل علماء كبار أمثاله منذ أن كان يشارك دروس وأبحاث المولى الأخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني في النجف، فبرز بين الصفوة من تلامذته كالاصفهاني، والشاهرودي، والنائيني، والشيخ الكمباني« الغروي» والشيخ ضياء الدين العراقي.
ومنذ أن نقل السيد القمي حوزة درسه إلى كربلاء، وجدت هذه الحوزة بشخصه عاملاً للحركة والنشاط، نظراً لأن عدداً من خيرة أصحابه وتلامذته انتقلوا معه إلى كربلاء وأسهموا بدورهم في تحريك النشاط التدريسي بحوزتها.
إتساع المرجعية:
لم يمر طويل وقت حتى برز السيد القمي كشخصية دينية لها وزن بمستوى وزن الاصفهاني، والدليل على ذلك أنه ما أن لبى آية الله العظمى الاصفهاني نداء ربه بتاريخ التاسع من شهر ذي الحجة سنة 1365هـ، حتى اتجهت الأنظار صوب كربلاء ونحو بيت القمي، إذ لم يكن بمقدور غيره في حينه من شغل الفراغ الكبير الذي خلفه موت الاصفهاني (رحمه الله).
وهكذا انتقلت الرئاسة العامة للمسلمين الشيعة إليه، وهو لا يزال في كربلاء، وقد رأى سماحته أن المصلحة أن ينتقل إلى مدينة النجف الأشرف، وأن يتولى من هناك مهام الرئاسة الكبرى، غير أن فترة رئاسته لم تدم طويلاً إذ بعد مرور95يوماً على وفاة الاصفهاني، وافته المنية بتاريخ14 ربيع الأول سنة 1366هـ.
صفات إصلاحية:
لقد اشتهر القمي (رحمه الله) إلى جانب علمه، وفضله، وعدله، وتقواه، بتحمسه الشديد لإصلاح حالة المسلمين، والنهوض بشجاعة في وجه أي مجرى منحرف، أو مسار يراه فاسداً، وفي هذا المجال، عرف عنه سفره التاريخي إلى إيران بصحبة عدد من أبرز أصحابه منهم المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد مرزا مهدي الشيرازي حيث قام بتعبئة الرأي العام الإسلامي ضد الخطوات والإجراءات الحكومية في ذلك الوقت، والتي رأي فيها ما يخالف شرعة الدين الإسلامي الحنيف.
إصلاح في إيران:
وقد سافر إلى ايران وهو عازم ومصمم على الإصلاح والنهوض في سبيل ذلك حتى الموت، وقد طالب السلطة الرسمية الحاكمة في حينه بإصلاح ما أفسدته السلطة السابقة، وحينما رأى الفتور وعدم الاستجابة الكافية، قرر الوقوف موقف التحدي بوجه السلطة الحكومية وقد ساعده وأيده في ذلك علماء إيران الأجلاء، وعلى رأسهم المغفور له آية الله العظمى الحاج السيد آغا حسين البروجردى، الذي أعلن هو الآخر بأنه يريد التحرك على رأس عشائر«الألوار» القاطنة في محافظة لُرستان والزحف، نحو طهران العاصمة لدعم مطالب السيد القمي المشروعة والإسلامية، وهنا شعرت السلطة الحاكمة بخطورة الموقف والمضاعفات السياسية التي قد تنجم عن صلفها وتعنتها، ولذا أبدت تنازلات أمام مطالب السيد القمي، وقد أصدر مجلس الوزراء برئاسة علي سهيلي رئيس الحكومة الإيرانية آنذاك بتاريخ 3/9/1943م بياناً رسمياً أعلن فيه موافقة الحكومة على كل ماطالب به السيد القمي من إجراءات وخطوات إصلاحية ترتبط بحجاب النساء، والموقوفات الإسلامية في إيران، وتدريس مبادئ الشرع الإسلامي في المدارس والمعاهد الحكومية، ومنع أي اختلاط بين الفتيان خاصة في المؤسسات التعليمية، وإعادة بناء البقاع الطاهرة في وادي البقيع بالمدينة المنورة، والعمل على توفير أرزاق الناس، واحتياجاتهم الأساسية.
عودة ووفاء:
ولما فرغ السيد القمي من مهمته الإصلاحية الموفقة عاد إلى مقره كربلاء المقدسة وبقي على رأس حوزتها العلمية حتى تاريخ وفاة العلامة الاصفهاني ومن ثم هاجر إلى النجف الأشراف رئيساً، وزعيماً دينياً للعالم الشيعي، لكن المنية وافته بعد فترة وجيزة وهو يعالج في أحد مستشفيات بغداد عام 1366هـ، فرحم الله السيد القمي بما أصلح وجاهد في سبيله والحمد لله رب العالمين والصلاة وأزكى التسليم على النبي الأمين وآله الطاهرين.