الإمام محمد ابن علي الجواد (ع) المعروف أيضاً بمحمد التقي هو الإمام التاسع من الأئمة الإثنا عشر (ع). أبوهالإمام علي الرضا (ع) و السيدة سبيكة النوبية التي وفدت إلى المدينة مع من وفد من أهل إفريقيا ، فالتحقت بآلالرسول عليهم السلام و تزوجت الإمام الرضا (ع) وأنجبت منه الإمام الجواد (ع) ، وتذهب بعض الروايات إلى أنها كانت من قوم مارية القبطية زوجة النبي الأكرم (ص).
لما ولد أبو جعفر (ع) قال الإمام علي الرضا (ع) لأصحابه: قد ولد لي شبيه موسى ابن عمران فالق البحار، وشبيه عيسى ابن مريم قدست أم ولدته، قد خلقت طاهرة مطهرة.
ثم قال الإمام علي الرضا (ع): يقتل غصباً فيبكى له وعليه أهل السماء، ويغضب الله تعالى على عدوّه وظالمه، فلا يلبث إلا يسيراً حتى يعجّل الله به إلى عذابه الأليم وعقابه الشديد.
وكان (ع) طول ليلته يناغيه في مهده.
عن أبي يحيى الصنعاني قال: كنت عند أبي الحسن الرضا (ع) فجيء بابنه أبي جعفر (ع) وهو صغير، فقال: هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه.
كنيته أبو جعفر ومن ألقابه الجواد، القانع، النجيب، التقي المتقي، الزكي، العالم.
تميز الإمام الجواد منذ نعومة أظفاره بالصفات الكمالية. وُلد عليه السلام حسب كتاب الإرشاد في شهر رمضان في السنة الخامسة و التسعين بعد المئة للهجرة (811 للميلاد) في المدينة و حسب روايات أُخرى في العاشر منرجب. و كانت شهادته في شهر ذو القعدة في السنة العشرين بعد المئتين للهجرة (835 للميلاد) في بغداد عن عمر يناهز الخمسة و العشرين عاماً. استمرت إمامته بعد والده سبع عشرة سنة.
بعد غدر المأمون بالإمام الرضا (ع) انتشرت بين الناس موجة من الاستياء لذلك. عندها لجأ المأمون العباسيلاستمالة قلوب الناس بأن أرسل إلى المدينة يطلب حضور الإمام الجواد إليه في مقره الجديد في بغداد في السنة الحادية عشر بعد المئتين و كان عمر الإمام الجواد (ع) ما يقارب ست عشرة سنة. المأمون هيأ احتقالاً فيه الكثير من الحتفاء بمناسبة قدوم الإمام الجواد (ع) عليه. كان المأمون ينوي أيضاً مصاهرته بتزويجه ابنته أم الفضل و واجه بسبب تلك النية معارضة شديدة من بني العباس خوفاً منهم أن ينتقل الحكم إلى بني فاطمة.
فاجتمع من أهل بيته الأدنون وقالوا له : نناشدك اللـه يا أمير المؤمنين ألا تقدم على هذا الأمر الذي عزمت من تزويج ابن الرضا (ع) ، فإنّا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكنا اللـه عزَّ وجلَّ ، وينزع منا عزّاً قد ألبسناه اللـه ، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً ، وقد كنا في خشية من عملك مع الرضا (ع) ، فكفانا اللـه المهم في ذلك ، فاللـه أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا.
فقال لهم المأمون : أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه ولو أنصفتم القوم لكان أولى بكم، واما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان قاطعاً للرحم ، وأعوذ باللـه من ذلك ، واللـه ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا (ع) .. ولقد سألته أن يقوم بالأمر وأنزعه من نفسي فأبى وكان أمر اللـه قدراً مقدوراً !!
وأما أبو جعفر محمد بن علي فقد اخترته لتفوِّقه على أهل الفضل كافة في العلم والثقافة مع صغر سنه .
وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فتعلمون أن الرأي ما رأيت فيه.
فقالوا : إن هذا الفتى وإن راقك منه هديه فإنه صبي لا معرفة له ولا فقه ، فأمهله ليتأدَّب ثم اصنع ما تراه بعد ذلك.
فقال لهم : ويحكم إني أعرف بهذا الفتى منكم ، وإن أهل هذا البيت علمهم من اللـه تعالى لم يزل أباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة ، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يثبت لكم به ذلك .
قالوا : قد رضينا بذلك فخلِّ بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيْ ، من فقه الشريعة فإن أصاب لم يكن لنا اعتراض ، وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين فيه ، فإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب منه ، فرضي المأمون بذلك ، فاجتمع رأيهم على يحيى بن أكثم قاضي قضاة الديار الإسلامية في ذلك العهد أن يسأل الإمام الجواد (ع) عن المسائل الغامضة في الفقه الإسلامي ، وحان الموعد واجتمع الناس ، وجاء الإمام الجواد(ع) وحضر ابن أكثم ، وجلس يحيى بين يديه والمأمون بجانب الإمام يهيمن على المجلس ، فالتفت ابن أكثم إلى الخليفة وقال :
يأذن لي أمـير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر عن مسألة ؟ فقال المأمون استأذنه في ذلك ، فأقبل عليه يحيى قائلاً : جعلت فداك ، تأذن لي في مسألة ؟ قال أبو جعفر (ع) : سل ما شئت.
قال يحيى : ما تقول - جعلت فداك - في محرم قتل صيداً ؟
فقال أبو جعفر:
- قتله في حل أو حرم ؟
- عالماً كان المحرم أو جاهلاً ؟
- قتله عمداً أو خطأً ؟
- حُرَّاً كان المحرم أو عبداً ؟
- صغيراً كان أو كبيراً ؟
- مبتدئاً بالقتل أو معيداً ؟
- من ذوات الطير كان الصيد أو من غيرها ؟
- من صغار الصيد أم من كبارها ؟
- مصرّاً على ما فعل أو نادماً ؟
- في الليل كان قتله للصيد أم في النهار ؟
- محرماً كان بالعمرة إذ قتله ، أم بالحج كان محرماً ؟
فتحير يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والإنقطاع ولجلج حتى عرف الحاضرون امره ، فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ، ثم توجه إلى أهل بيته ، فقال لهم : أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه ؟ ثم أقبل على أبي جعفر (ع) فقال له : أتخطب يا أبا جعفر ؟ فقال : نعم يا أمير المؤمنين، فقال لهالمأمون : أخطب لنفسك جعلت فداك ، قد رضيتك لنفسي وأنا مزوجك أم الفضل ابنتي ، وإن رغم قوم لذلك .
فقال أبو جعفر : الحمد لله إقراراً بنعمته ولا إله إلاّ اللـه إخلاصاً لوحدانيته وصلى اللـه على محمد سيد بريَّته والأصفياء من عترته ... أما بعد : فقد كان من فضل اللـه على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام ، فقال سبحانه : وَأَنكِحُوا الاَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآئِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللـه مِن فَضْلِهِ وَاللـه وَاسِعٌ عَلِيمٌ. ثم إن محمد بن علي بن موسى يخطب أم الفضل بنت عبد اللـه المأمون ، وقد بذل لـها مـن الصـداق مهـر جـدته فاطمـة بنـت محمـد (ص) ، وهو خمسمائة درهم جياداً ، فهل زوجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور ؟
فقال المأمون : نعم قد زوجتك يا أبا جعفر أم الفضل ابنتي على الصداق المذكور ، فهل قبلت النكاح ، قال أبو جعفر (ع) : قد قبلت ذلك ورضيت به .
تزوج الإمام الجواد (ع) أم الفضل و أخذها معه إلى المدينة.
مما أوصى المأمون العباسي به أخاه المعتصم قبل وفاته : هؤلاء بنو عمك من ولد أمير المؤمنين علي (ع)فأحسن صحبتهم وتجاوز عن مسيئهم وأقبل عليهم ولا تترك صِلاتهم في كل سنة عن محلها فإن حقوقهم تجب من وجوه شتى.
و لكن المعتصم ضيق على الإمام الجواد (ع) و استدعاه ليقطن في بغداد و اشتعلت نار القلق في نفسه من أن يسيطر الإمام الجواد (ع) على حكمه و دس له السم عن طريق أحد أعوانه الدي حرض المعتصم على الإمام الجواد (ع).
ضريح الإمام الجواد (ع) يقع في الكاظمية في العراق و كان عمره الشريف يناهز خمسة و عشرين عاماً عند وفاته.
أما عن زوجات الإمام الجواد (ع) نذكر هنا أشهرهن:
- أم الفضل كما مر ذكرها و التي لم يُرزق منها بولد و قد اشتكت الإمام الجواد (ع) عدة مرات للمأمون بسبب ذلك.
- امرأة من ذرية عمار ابن ياسر.
- سمانة و هيَ زوجة الإمام الجواد الطاهرة ووالدة الإمام علي الهادي (ع) من النساء الكاملات والفاضلات وكان الناس يلقبوها " بالسيّدة " وهيَ من المغرب .
محمد بن فرح الرخجي من أهالي رخج وهيَ قرية في مدينة كرمان الايرانية . كان من أصحاب الإمام الرضا (ع) والإمام علي الهادي (ع) رُويَ :أنه في أحد الايام دعاه الإمام الجواد (ع) وأعطاه 70 ديناراً وقال لهُ:ستصل قافلة من المدينة قريباً وفيها (إمَاء) للبيع وشرح له خصوصيات وأوصاف إحدى الجاريات وطلب أنيشتريها . و قال: جاءت القافلة وذهبتُ لشراء الجارية إلاّ أن صاحب القافلة اعتذر وقال إنّ الجارية مريضة ولكني بناءً على أمر الإمام اشتريت الجارية وأخذتها إلى الإمام الجواد (ع).
تزوجَ الإمام الجواد (ع) سُمانة ، ويقول عن فضيلة زوجتهِ سمانة : "إنّ اسمها سمانة وإنها أَمَة عارفة بحقي وهيَ في الجنّة ولا يَقْرَبُها شيطان مارد ولا ينالها كيدُ جبار عنيد وهيَ كانت بعين الله التي لا تنام ولا تخلف عنأمهات الصديقين والصالحات " .
أولاد الإمام الجواد (ع) هم : الإمام علي الهادي (ع) و حسب بعض الروايات موسى والحسن ، حكيمة ، بريهة ، أمامة ، وفاطمة .