اعلم أنّ الرؤيا كدليل على تشخيص مصداق عقيدة خلافة الله في الأرض أمر بينه الله سبحانهوتعالى وفي القرآن، فهذا يعقوب (ع) وهو معصوم يعتبر الرؤيا طريق لمعرفة خليفة اللهوحجة الله من بعده ووصيه يوسف (ع)، وهذا الفعل أي اعتبار الرؤيا طريق لمعرفة خليفةالله أقره القرآن وحث عليه وسماه أحسن القصص، قال تعالى: ﴿نَحْنُنَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَاالْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ @ إِذْ قَالَ يُوسُفُلِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَوَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ @ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَعَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِعَدُوٌّ مُبِينٌ @ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَوَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَوَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(6]).


فلوكان باطلاً قول يعقوب (ع): ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُعَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ لأنكره الله وبيّن بطلانه، بل هو سبحانه وتعالى أقرّه وسماه (أَحْسَنَ الْقَصَصِ).

بلإنّ هذا الأمر قد تكرر أيضاً مع الإمام موسى بن جعفر الذي رأى رؤيا نصّت على إمامةالرضا من بعده:عنالحسن بن موسى الخشاب، عن علي بن أسباط، عن الحسين مولى أبي عبد الله، عن أبي

الحكم، عن عبد الله بن إبراهيم الجعفري، عن يزيد بن سليط الزيدي، قال: (لقينا أباعبد الله (ع) في طريق مكة ونحن جماعة، فقلت له: بأبي أنت وأمي أنتم الأئمةالمطهرون والموت لا يعرى أحد منه فأحدث إلي شيئاً ألقيه إلى من يخلفني، فقال لي:نعم، هؤلاء ولدي وهذا سيدهم - وأشار إلى ابنهموسى (ع) - وفيه العلم والحكم والفهم والسخاءوالمعرفة بما يحتاج الناس إليه فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم ...

وقال يزيد: ثم لقيت أبا الحسن يعني موسى بن جعفر (ع) بعد فقلت له: بأبي أنت وأمي إني أريدأن تخبرني بمثل ما أخبرني به أبوك، قال: فقال: كانأبي (ع) في زمن ليس هذا مثله. قال يزيد: فقلت: من يرضى منك بهذا فعليهلعنة الله، قال: فضحك، ثم قال: أخبرك يا أبا عمارةإني خرجت من منزلي فأوصيت في الظاهر إلى بني فأشركتهم مع ابني علي وأفردته بوصيتيفي الباطن، ولقد رأيت رسول الله في المنام وأمير المؤمنين (ع) معه ومعه خاتم وسيفوعصا وكتاب وعمامة، فقلت له: ما هذا، فقال: أما العمامة فسلطان الله تعالى (عزوجل)، وأما السيف فعزة الله (عز وجل)، وأما الكتاب فنور الله (عز وجل)، وأما العصافقوة الله(عز وجل)، وأما الخاتم فجامع هذه الأمور، ثم قال رسول الله (ص): والأمريخرج إلى علي ابنك. قال ثم قال: يايزيد، إنها وديعة عندك فلا تخبر بها إلا عاقلاً أو عبداً امتحن الله قلبه للإيمانأو صادقاً، ولا تكفر نعم الله تعالى، وإن سئلت عن الشهادة فأدها، فإن الله تعالىيقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْتُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها، وقالالله (عز وجل):﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْكَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّه، فقلت: والله ما كنت لأفعل هذاأبداً.


قال:ثم قال أبو الحسن (ع): ثم وصفه لي رسول الله (ص)،فقال: علي ابنك الذي ينظر بنور الله ويسمع بتفهيمه وينطق بحكمته يصيب ولا يخطئ ويعلم ولا يجهل وقد ملئ حكماً وعلماً وما أقل مقامك معه، إنما هو شي‏ء كان لم يكنف إذا رجعت من سفرك فأصلح أمرك وأفرغ مما أردت فإنك منتقل عنه ومجاور غيره، فاجمعولدك وأشهد الله عليهم جميعاً وكفى بالله شهيداً. ثم قال: يا يزيد، إني أؤخذ في هذه السنة وعلي ابني سمي علي بن أبيطالب (ع) وسمي علي بن الحسين (ع)، أعطي فهم الأول وعلمه ونصره وردائه، وليس له أن يتكلم إلا بعد هارون بأربع سنين، فإذا مضت أربع سنين فاسأله عما شئت يجيبك إن شاءالله تعالى) (7]).



شبهة وجوابها: هل القرآن أقر فعل (يعقوب) لأن الرؤيا هي من معصوم(يوسف):أمامن يقول إنّ رؤيا يوسف (ع) أو ورؤيا الإمام موسى (ع) حق لأنهما معصومان فكيف تعديتم إلى رؤيا غير المعصوم ؟

فأقول: إنما احتججنا بفعل المعصوم يعقوب وهو نبي (ع)أي اعتباره (ع) الرؤيا طريق لتشخيص خليفة الله وليس بنفس الرؤيا، فالمعصوم لا يخرج الناس من حق ولا يدخلهم في باطل.



وكذلك احتججنا بإقرار القرآن لهذا الفعل، حيث قص فعل يعقوب (ع) واعتباره الرؤيا دليل ومدح هذه القصة في فاتحة السورة، حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ، ولو كان باطلاً فمدح هذا الفعل أو على الأقل إهماله والحال هذا يكون إغراءً بالباطل وحاشاه سبحانه أن يغري ويخدع عباده بالباطل، فتبين أنّ فعل يعقوب (ع) حق ويقين، وهذا أمر محكم في القرآن ولا قيمة ولااعتبار لأي رأي إن خالف نصاً قرآنياً محكماً بيناً.


إقرار رسول الله (ص) بأنّ الرؤيا طريق إيمان وطريق تشخيص حجة الله:
قدأقرّ رسول الله (ص) الرؤيا كطريق هداية وإيمان، فأقر إيمان خالد بن سعيد بن العاص الأموي (وهو ليس معصوماً) لرؤيا رآها به، والقصة مشهورة عند السنة والشيعة (8]).
وهذه قصته باختصار ينقلها السيد بحر العلوم في كتابه الفوائد الرجالية:(خالدبن سعيد بن العاص: أبو سعيد نجيببني أمية، من السابقين الأولين، ومنالمتمسكين بولاءأمير المؤمنين(ع). وكان سبب إسلامه أنه رأى ناراً مؤججة يريدأبوه أن يلقيه فيها، وإذابرسول الله (ص) قدجذبه إلى نفسه وخلصه من تلك النار. فلما استيقظ وعرفصدقرؤياه خرج إلىالنبي (ص) مبادراً ليعرض عليهإسلامه فلقي أبا بكر، وقص عليه الرؤيا، فأقبل معه أبو بكر حتى أتيا إلى رسول الله(ص) وأسلما...)(9]).

أيضاًهذه قصة إيمان يهودي رأى النبي موسى (ع) وشخص له خليفة الله والحجة في زمانه محمدرسول الله (ص) ينقلها السيد البروجردي والشيخ علي اليزدي الحائري في كتابه إلزام الناصب وغيرهم:عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (دخل جندل بن جنادة بن جبير اليهودي على رسول الله (ص) فقال: ... إني رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران فقال: يا جندل، اسلم على يد محمد خاتم الأنبياء واستمسك بأوصيائه من بعده. فقلت: اسلم ! فلله الحمدأسلمت وهداني بك ...) (10]).



إذن،رسول الله (ص) يقبل إيمان خالد بن سعيد بن العاص (مع أنه ليس معصوماً)، ويقر رؤيااليهودي (وهو أيضاً ليس بمعصوم) ولا ينكر عليه، ويبين بهذا الإقرار أنّ الرؤيا حق من الله وطريق هداية وإيمان في الدين الإلهي مفتوح لجميع الخلق، حيث إنّ السكوت عن هذا الأمر لو كان باطلاً يكون فيه إغراء بالباطل وحاشاه صلوات الله عليه وآله أن يدخل الناس في باطل أو يخرجهم من حق.

فثبت بذلك أنّ الرؤيا كطريق لمعرفة خليفة الله حق لا مرية فيه.




[6]- يوسف: 3 – 6.[7]- عيون أخبار الرضا (ع):ج1 ص34 – 35.
[8]ـ راجع مثلاً الطبقات لابنسعد: ج4 ص94، والفوائد الرجالية - السيد بحر العلوم: ج2 ص325.[9]ـ الفوائد الرجالية - السيدبحر العلوم: ج2 ص325.[10]ـ بحار الأنوار - العلامةالمجلسي: ج36 ص304 – 305، جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي: ج14 ص565، إلزامالناصب - الشيخ اليزدي الحائري: ص175، ونقلها أيضاً صاحب مكيال المكارم، ومصادرأخرى.