أينشتاين يسأل ماكسويل: ماذا لو ارتحلنا في الكون على متن شعاع ضوء؟!
إن ما تناولناه في المقال
السابق من طفرة أحدثها فاراداي وبحوثه حول الطاقة والكهرباء والمغناطيس ساعدت علماء القرن التاسع عشر على تصنيف الطبيعة إلى نوعين: الطاقة، وهي القوى التي تحرك الأشياء. والكتلة، وهي المواد التي تتشكل منها هذه الأشياء. وكانت القوانين التي تحكم إحدى هذين النوعين لم تكن تنطبق على النوع الآخر.وقد استطاع العلماء قبل حلول القرن التاسع عشر رصد سرعة الضوء، ولكن أحدًا لم يكن يفهم ماهيّته. وفي إنجلترا، استطاع مايكل فاراداي – ابن الحداد - تقديم تخمين مدروس عن ماهيّة الضوء، فبعد وفاة السير همفري ديفي، أصبح البروفيسور مايكل فاراداي أحد أهم من أجروا التجارب في العالم. ولكن كانت المؤسسة العلمية الرسمية ما تزال ترفض فكرة أن الكهرباء والمغناطيسية ما هما إلا مفهومان لظاهرة واحدة سماها فاراداي
“الكهرومغناطيسية”.
مع ذلك كان عليه أن يحاول إثبات أفكاره الثورية بالشروحات
والرسومات التوضيحية في محاضراته العامة. كان يجاهد كي يقول أن هناك خطوطًا غير مرئية تصدر عن الكهرباء السارية في سلك، أو المغناطيس أو حتى الشمس. كان يحاول أن يعبر عن إيمانه الداخلي بأن الضوء نفسه ما هو إلا شكل من أشكال موجات الطاقة الكهرومغناطيسية. وظلت محاولاته قائمةً لمدة تزيد عن خمسة عشر عامًا لإقناع المشكّكين بأفكاره، والتي كانت لا تزال يُنظر إليها بعين الريبة من الجميع.
ولكن أطروحات فاراداي كانت تفتقد إلى رياضيات متقدمة تدعمها وتبرهن على صحتها. حتى ظهر أخيرًا من يؤازره، وهو البروفيسور جيمس كلارك ماكسويل، الذي آمن بصحة رؤية فاراداي بعيدة النظر، وكان لديه الطريقة الرياضية التي تستطيع إثبات صحة آراءه . وطوال محاولات ماكسويل لإثبات صحة هذه الآراء، توطدت العلاقة بينهما، حتى أصبح ماكسويل صديقًا وتلميذًا لأستاذه العجوز
فارادي. حتى جاء الوقت الذي عرض فيه ماكسويل على فاراداي آخر ما توصلت إليه معادلاته.
كانت النتائج التي تشير إليها هذه المعادلات تبين أنه: عندما تجري الكهرباء في سلك والتي تخلق مجالًا مغناطيسيًّا، أو حركة الشحنة المغناطيسية التي تخلق الكهرباء، فإن هاتين القوتين تمتزجان على شكل جديلة لا نهائية من الكهرباء والمغناطيسية مندفعة دائمًا إلى الأمام. بل إن هناك شيئًا أكثر حيوية أظهرته المعادلات الرياضية التي قام بها ماكسويل. فقد توصل إلى أن هذه الجديلة اللانهائية من الكهرباء والمغناطيسية تتحرك بسرعة محددة تمامًا مقدارها: 670 مليون ميل في الساعة، وهي نفس سرعة الضوء. وبهذا فقد أثبتت معادلات ماكسويل الرياضية صحة تخمينات فاراداي المدروسة وآراءه التي كانت تفترض بأن الضوء ما هو إلا شكل من أشكال موجات الطاقة الكهرومغناطيسية.وفي بداية القرن العشرين، كان الشاب أينشتاين حديث العهد بالفيزياء. ولم يكن يحب قوانين علماء القرن التاسع عشر والتي صنفت الطبيعية إلى نوعين: طاقة ومادة. ولم يكن يميل أينشتاين للعلوم التطبيقية في الوقت الذي كان فيه مولعًا بالفيزياء النظرية. لم يكن طالبًا نموذجيًّا، كان متميزًا في الفيزياء والرياضيات ولكنه لم يكن كذلك في معظم المواد الأخرى. كان هذا الأمر مثيرًا للتساؤل بين أساتذته وزملائه، ودائمًا ما سبب لهم الضيق طوال حياتهم، خاصة أساتذته.
كانوا يجدون فيه إصرارًا عجيبًا على متابعة ما يثير شغفه. ويظهر لنا من بعض كتابات أينشتاين عن نفسه أنه كان مفتونًا بطبيعة الضوء منذ كان عمره ستة عشر عامًا. كان يزعج كل من يعرفهم أو يلتقيهم من أصدقائه أو زملائه وحتى صديقته التي أصبحت بعد ذلك زوجته بالسؤال عن ماهيّة الضوء. كان دائمًا ما يتساءل ماذا سأرى لو امتطيت شعاعًا من الضوء؟ ماذا لو انطلقت في رحلة إلى أقصى حدود الكون على مقدمة شعاع من الضوء؟ بل ماذا سأرى إن شرعت في تسلق شعاع ضوئي حتى أبلغ مقدمته. هذه الملاحقة المستمرة لطبيعة الضوء، والتي شغلت أينشتاين، هي ما أحدثت ثورة في تاريخ العلم. فبالضوء أعاد أينشتاين تركيب نظرتنا إلى الكون.كانت تساؤلات الشاب أينشتاين خطوة على طريق عثوره على العلاقة التي تربط بين الطاقة والكتلة. ولكي تتبلور في ذهنه أهم معادلة في تاريخ العلم، كان يحتاج إلى المزيد من التأمل والعمل بالرياضيات، كي يتجمع في ذهنه القطع الناقصة التي ستمكنه من رؤية الصورة كاملة بشكل أكثر وضوحًا. كان الرمز “c” والذي يستخدم للإشارة لسرعة الضوء ليس كافيًا كي تتشكل في ذهنه صورة معادلته الثورية.