تحية وتقديراً لك أخي الفاضل على أسلوبك في الرد والحوار وعلى سعة صدرك ، في البداية سأؤجل الخوض في تحفظي على ( المجتمع الشيعي العراقي ) ذلك أنني سبق وأشرت إلى دواعي الإعراض عنه ، إذ له محله إن شاء الله تعالى ، ولعل قولك ( المتمذهب بمذهب الشيعة ) يلمح إلى سبب من أسباب هذا التحفظ .
يبدو أننا في حاجة لتعريف المجتمع الكوفي لو سلمنا جدلاً بأن علياً ( ع ) كان يخاطبه حصراً ـ وهو ما لم يقم عليه دليل أبداً ـ المجتمع الكوفي يا عزيزي لم يكن مجتمع الشيعة فقط ، الكوفة كانت في البدء مدينة أسست على يد الجماعة المسلمة المناوئة لعلي ( ع ) وكذلك كانت ، أي أنها في الأصل لم تكن لشيعته ، هذا ال ينفي وجود المتشيعين لعلي ( ع ) ، لكن القول بأن الكوفة كانت خالصة للشيعة فقط فهو قول غير دقيق ، من أين أتى إذن ( عمر بن سعد ) وغيره ؟ ونحن نعلم بأن عمر بن سعد ومن يشاطره التوجه الفكري لا يمثلون أنفسهم فقط ، بل هم زعماء لقبائل وعصبيات قبلية وتجمعات بشرية عُدّت بالآلاف في موقعة الطف ، حسناً من أين أتى كل من عارض علياً في سلوكيات حكمه ؟ ومن أين أتى كل من احتج عليه بسيرة الشيخين ؟؟؟؟ كل أولئك هم من أهل الكوفة الذين استوطنوها بدءاً من تأسيسها وانتهاءً بفترات زمنية متأخرة جداً عن حكم علي ( ع ) للكوفة ، إذن الخطاب كان لأهل الكوفة الذين بايع كل فرد منهم علي بن أبي طالب خليفة مفترض الطاعة لا في الجانب الاعتقادي إنما في حدود وجوب طاعة الإمام والتي يتساوى فيها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، ثم إن علياً ( ع ) كان في حدود مسؤوليته كخليفة للمسلمين يأمر بحشد الحشود للجهاد غير مقتصر على شيعته فقط ، بل على جميع المسلمين لمقاتلة الباغي معاوية .
وإني لأعجب من طريقة استدلالك أخي الكريم في أن الشيعة العرب لا يحق لهم المناداة بقوميتهم لأنهم جاؤوا متأخرين !!!! أو أننا نتكلم اللسان العربي فقط !!! من قال ذلك وأنا وكل عربي يستطيع أن يرجع نسبه إلى يعرب ، نحن عرب نعم ، لسنا من الأقوام البابلية أو الفارسية أو الحبشية أو الرومانية حتمااااا ، أما لو أردت بذلك الاختلاط في الأجناس عن طريق الغزو والتزاوج وما إلى ذلك فدلّني على نسب خالص تماماً مما أشرت إليه آنفاً وسأذعن لك .. هذا ما لا يمكن القبول به عقلاً ومنطقاً .. لم تعد قومية خالصة بعد كل تلك الحروب واختلاط الأجناس بوسائل الحرب أو السلم ، لكن تبقى ملامح الهويات القومية مميزة عن بعضها ، ومن قال أنه الكورد أو الفرس أو غيرهم أكثر حفاظاً على ملامح هويتهم القومية أو الأجناسية حتى ؟!!!!!!!! هذا ما ستجد بطلانه لو راجعت البحوث الأجناسية على الأقل وكل ما يتعلق بهذه الموضوعة بشكل عام .
إن ما سلف من كلامك أخي عن اللغة وعن ضربك للأضرحة مثالاً عن الحضارة يبدو منه أن لديك لبساً بين ( الحضارة ) و ( المدنية ) ، ثم هل كان ( المجتمع الشيعي العراقي ) بمعزلٍ عن تأسيس ورفد والاستمرار في العطاء الحضاري العربي ؟!!! سأقول لك بملء الفم لااااا ، لك أن تستدل بـ ( الأيقونات الثقافية العربية ) وتبحث في جذر التأصيل الثقافي العربي ممارسة وسلوكاً لتعرف أن هذا المجتمع حاضر وبقوة ، كنتُ قد استشهدت في رسالة الماجستير بعنونة ( ألف ليلة وليلة ) على غير اختيار محض ، بل متتبعاً لقراءات الناقد عبد الله الغذامي الذي اخترته أنموذجاً في رسالتي ، لأجد بعد قراءة معمقة أن المؤلف المجهول لهذا الأثر القصصي الكبير هو هذا المجتمع الذي أنت بصدده ، وأنا أزعم بأنه لا يمكن دحض هذا الادعاء من قبل المتخصصين في القراءة والتأويل أو في النقد الثقافي ، لسنا في محل سرد قد يطول ، إنما أردت أن أؤكد بأن ( المجتمع الشيعي العراقي ) كان حاضراً وفاعلاً ومؤثراً في الحضارة العربية التي سادت العالم في وقت مضى ، وإذا كانت الحضارة : اللغة ، والعلوم ، والفكر .... الخ ، فما هو مذهب : أبو الأسود الدؤولي ؟ جابر بن حيان ؟ المتنبي ؟ ....... الخ من عشرات المؤلفين والأدباء والعلماء ؟!!! ولو أدخلنا فيهم من أخذ عن أهل البيت ( ع ) لما وجدت إلا النزر القليل ممن لم يأخذ علمه أو يدين لهم بالفضل ، وهذا يعني بأن المنجز الحضاري لمن انتسب لهذا المجتمع من تلامذة أهل البيت موجود بل وفاعل .
أما عن فائدة الثورات وعدمها فهو لا يصلح للاستدلال على عدم أحقية المتشبث بها والمنتصر لها من المناداة بها ، وإلا لكان من العبث أن يطالب المهدي ( ع ) بأحقيته بثأر الحسين ( ع ) والمناداة بها وهي الثورة التي لم يستفد منها ـ وفقاً لمعيار الاستفادة الذي طرحته أخي ـ أحد لا الحسين ( ع ) ولا أحد غيره .
في النهاية أجد ـ غير منتصر لرأيي ـ أن ما سقته من أمثلة لا ينهض بمستوى دليل على ما أفضيت إليه من نتائج ذكرتها بشكل قطعي وكأنها من المسلمات ... أحيي فيك أخي الفاضل بحثك وما طرحت ، راجياً أن نطّلع على المزيد ... محبتي أيها الصديق