عالم الاطفال مثير ، وأن مسألة النمو الناتجة عن التغيرات المنسجمة والمتوالية التي تحصل في جميع مراحل حياة الانسان تعتبر أمرا اكثر اثارة ، فالطفل حينما يأتي الى الدنيا لايمتلك اية معلومات كما يدور في هذه الدنيا ، ثم يبدأ بالحصول على تلك المعلومات تدريجيا ، ولكن ماهية ذلك التعلم ، والانفعالات المتكررة التي تقع في ذهن أو نفس الانسان لكي يتعلم ، والتي يمكن أخضاعها للتجربة لا زالت من المواضيع المثيرة أيضا ، ولم يتمكن العلم الحديث من كشف أسرارها حتى الان. من الامور المثيرة في عالم الاطفال هي عالمهم الديني والايماني والاعتقادي. فالطفل مفطور على معرفة الله بسبب طبيعة خلقه التي تضم نفحة من روح الله ، ففي داخله الكثير من الاعتقادات الدينية التي يسعى لقبولها والاقرار بها ومطابقة ذاته معها ، بمجرد أدنى تذكير أو تنبيه من الوالدين والمربين ، وبمجرد العثور على مصاديق لها في العالم الخارجي.
لا شك أن مفهوم الدين مفهوم واسع يشمل كل جوانب حياة الانسان. لكن الطفل يقبل من الدين ما يتناسب مع رغباته ، وما هو قائم على مشاهداته وتجاربه الشخصية.
وعندما يزداد نمو الطفل ونضوجه ، وتكثر تبعا لذلك معلوماته المكتسبة ، تتسع دائرة أرتباطه بالدين ، وتمهد امامه الارضية لظهور بعض الحالات عليه ، والتي يمكن تسميتها بالحالات الدينية ، وتبرز بعض ملامحها بين سن 7 و 8 سنوات وحتى في سنوات أقل في بعض الحالات.
بداية ظهور الشعور الديني :
تتوقف نوعية المظاهر الدينية عند الطفل وما يتصل بها على نوعية تعامل الوالدين والمربين معه. فما أكثر الاطفال الذين يقلدون المواقف والحركات الدينية التي يؤديها والداهم ، وحتى انهم يقفون الى جانبهم متجهين نحو القبلة ويؤدون الصلاة ، أو أنهم يقلدون حركات والديهم في الدعاء ، أو تلك التي تقترن مع الشعائر الدينية الاخرى.
تظهر الدراسات التي أجراها علماء النفس بان موضوع الحس الديني يظهر في الاشهر السابقة لسن الرابعة ، وحتى أنه يلاحظ عند بعض الاطفال بين سن 2 ـ 3 سنوات.
ثم يصبح هذا الشعور واضحا وظاهر مع نمو الطفل وزيادة سنه ، مثلما يلاحظ على الطفل في سن السادسة من مظاهر دينية ورغبة واضحة في أداء السلوك الديني ، وفي مثل هذا السن تبرز لدى الطفل رغبة دينية عميقة ، فهو يرغب مثلا في مناجاة ربه وأقامة نوع من الاتصال معه ، وهذا ما يثير غضب وقلق الوالدين غير المتدينين. ومن غير الواضح طبعا ان مثل هذا الاندفاع سيبقى لديه أم لا ، ولذا ينبغي الانتظار لفترة من الزمن لنرى ما تستقر عليه أحواله. ان للدين معان مختلفة بالنسبة للاطفال في سنوات أعمارهم المختلفة ، الا ان دنياهم منذ سن السادسة تصبح مليئة بحب الله وتعظيمه وأجلاله وحمده والثناء عليه ، والشعور بالخجل منه عند أي عصيان لاوامره ، وحتى قد يبرز ذلك على مظهره ، يتزايد في سن الثامنة فما فوق شعوره الديني ، وتصبح رغبته أكثر عمقا ؛ وبعبارة أخرى يصبح أكثر تدينا ـ فيحاول القيام بما ينال به رضا الله حسب ما يعبر عنه الوالدان والمربون.