ياأهل بيروت لاتطلقوا النار..
“فلاح مثلنا، و يحب رائحة المواشي و العشب، و الزواريب الموحلة. روى لنا كيف سرق بيته غزاة حاقدون، جاؤوا من وراء البحار، ثم كيف منعه الحكام طوال سنوات من الانتقام.
يجعلوننا فقراء لكي نصبح عاجزين، و يحكمون علينا بالذلة لكي نظل عاجزين.
كان واضحاً ما يقول، و كان يعرف ماذا ينبغي أن يفعل.”
– سعد الله ونوس-
رحم الله سعد الله ونوس فقد أدرك أن الهزيمة العربية جاءت هزيمة للمنطق العربي المغرور بالكثرة العددية والخطب العصماء والفهم غير الصحيح للدين والغطرسة الايديولوجية الاشتراكية القومية..
جاءت هزيمة للبنى الاجتماعية العربية المتخلفة الشعبوية الساذجة كماهي هزيمة أنظمة دكتاتورية فاشلة حاولت قتل حسّ المقاومة عند الجماهير بحجة أن الجيوش العربية النظامية قادرة على تمزيق (اسرائيل) في حرب لاتتجاوز اليومين , فكانت هزيمة جيوش الأنظمة العربية في ستة أيام .. حيث استكمل الصهاينة احتلال فلسطين التاريخية وسقطت أراض عربية أخرى في قبضة الكيان الغاصب..وامتلأت بيروت و دمشق والقاهرة وعمان وغيرها من العواصم بالنازحين الجدد..
بالعودة الى مقطع الراحل سعد الله ونوس المأخوذ من رائعته ومسرحيته الأولى والأشهر (حفلة سمر من أجل 5 حزيران) أجتزأ هذه العبارة التي يتحدث فيها عن الفلاح المهزوم:
( كان واضحاً مايقول , وكان يعرف ماذا ينبغي أن يفعل)..
صحيح تماماً ياسعد الله ونّوس .. أيها العربي السوري الكبير ..لقد فهم الفقير الدرس وفهم دروس الهزيمة , فانخرط في مقاومة شعبية بدأت صغيرة ونمت وتطورت , فقامت المقاومة الفلسطينية المسلحة , وفي بدء انطلاقتها استطاعت أن تلقن العدو درساً قاسياً وتنتصر في معركة (الكرامة)عام 1968
وبعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان تشكّلت جبهة المقاومة اللبنانيّة (جمّول) التي تصدّت بكل بسالة للعدو وقدّمت الشهيد تلو الشهيد فانتصرت بامكاناتها المتواضعة وأجبرت الصهاينة على الانسحاب من بيروت الى الجتوب , ولاننسى نداءات جيش شارون بمكبرات الصوت عام 1982 :(ياأهل بيروت لاتطلقوا النار نحن منسحبون) ..!
ولاننسى ايضاً أن اليوم 22 ايلول ذكرى عملية “محطة ايوب” عام 1982 في بيروت حيث أحرق يومها ثلاثة مقاومين شيوعين أبطال “مازن عبود , فهد مدلج , عمار جرادي” ملالتين اسرائيليتين بمن فيهما معلنين فاتحة عمليات جبهة المقاومة اللبنانية.
واستمر نضال (جمّول) في الجنوب وسقط الكثير من الرفيقات والرفاق شهداء على مذبح الحرية في عمليات استشهادية بطولية , ثمّ كانت بدايات تشكل المقاومة الاسلامية “حزب الله” التي اشتد عودها وتابعت المسيرة الكفاحية الجهادية الاستشهادية , فألحقت الخسائر المادية والبشرية الفادحة بجيش العدو وعملائه , الى أن جاء يوم الانتصار الكبير والتحرير وتم طرد الصهاينة وعملائهم من أرض الجنوب في الخامس والعشرين من أيار عام 2000 , و بعدها استطاعت المقاومة الباسلة -رغم خيانة وعمالة صهاينة الداخل وتآمر عربان الاعتدال- أن تصدّ عدوان تموز 2006 وتهدد المجتمع الصهيوني في مدنه وقراه , فأجبرت (الاسرائيليين) على اعلان هزيمتهم وهزيمة (غولاني) جيش النخبة الاسرائيلي , وشكّلوا لجنة للتحقيق في أسبابها..
انّ المقاومة الشعبية المسلحة بكل أطيافها وانتماءاتها ومن خلال تضحياتها ودماء شهيداتها وشهدائها هي التي جعلت سيد المقاومة يطلق صرخته الخالدة:
(زمن الهزائم قد ولّى وجاء زمن الانتصارات)..!
طوني حداد