لاصق طبي مستخلص من حرير العنكبوت
عنكبوت ينسج خيوط بيته
لا تكمن القيمة الأساسية لحرير العنكبوت في قوته وصلابته فقط، بل ثبت أيضا أنه يساعد على التئام الجروح في وقت قياسي. فريق من الباحثين، في جامعة آخن في غرب ألمانيا، طور لصاقا طبيا يحمل في داخله بروتين خيوط العنكبوت.
إذا ما كنت تنظف بيتك، وصادفت في إحدى زواياه بيت عنكبوت، أزعجك منظره، فأزحته من مكانه، فعليك على الأقل، أن تقدر قيمة هذه التحفة العجيبة التي اتخذت من جذران مسكنك مكانا لها. فحرير العنكبوت مادة فريدة. فرغم أن خيوط العنكبوت تبدو رفيعة جدا، لكنها قد تكون بالغة القوة بحسب حجم قطرها. حيث يقول عالم الكيمياء الحيوية، أرتيم دافيدينكو، إن "هذه المادة يمكن أن تصمد أمام قوى هائلة". ويضيف دافيدينكو، الذي أقام تجارب عديدة على خيوط العنكبوت على مدى ثلاثة أعوام خلال تحضيره لأطروحة الدكتوراه في جامعة آخن الألمانية: "يمكن لحرير العنكبوت، يبلغ قطره سنتيمترين، أن يجر طائرة بأكملها. ويهتم دافيدينكو بشكل خاص بالخيوط الخارجية التي تكون في نهاية بيت العنكبوت باعتبارها تشكل القاعدة، فهي ليست لزجة، كما أنها قارة ومتينة، لكنها في الوقت نفسه مرنة.
اكتشاف مذهل
باحثون طوروا لاصقا طبيا يحمل بروتين حرير العنكبوت
واكتشف الباحثون، أو بالأحرى أعادوا اكتشاف، خاصية مذهلة أخرى لحرير العنكبوت. ألا وهي مداواته للجروح. فقد سبق واستعمله الرومان القدامى للتسريع من وتيرة شفاء جروحهم. وقد أكدت البحوث الحديثة أن حرير العنكبوت يساعد فعلا على التئام الجروح، كما بينت ذلك تقارير البحوث في جامعة آخن. ويتكون حرير العنكبوت من مواد بروتينية، وهو ما يسمح بتفتيته عن طريق أنزيمات خاصة.
وبما أن السوائل الطبيعية للجروح تحتوي على أنزيمات، فإنها تُفتت حرير العنكبوت إذا ما وُضع فوق مكان الجرح، مما يسهل عملية التئامه بسرعة. وهو ما تبين من خلال التجارب الأولية التي قام بها فريق من الباحثين ينتمي إلى جامعة آخن، حيث اعتبرت نتائج هذه التجارب بالواعدة. وقد ألهمت نتائج هذه التجارب هؤلاء الخبراء إلى اختراع لاصق طبي، تحمل وجهته الداخلية بروتينات حرير العنكبوت. وقد وصل هذا المشروع إلى نهايته، كما كشفت عن ذلك جامعة آخن. لكن لم يعرف إلى حد الآن، متى سيكون بإمكان الزبائن اقتناء هذا اللاصق الطبي من الصيدليات.
من الصعب محاكاة الطبيعة
ومن أجل إنتاج حرير العنكبوت يلجأ العلماء إلى تقنية الجينات. لأن إنتاج حرير العنكبوت بطريقة طبيعية يعد أمرا متعبا للغاية، كما يرى آرتيم دافيدينكو. ويرجع ذلك بالأساس إلى طبيعة العناكب التي تلتهم بعضها البعض، حيث تأكل الأنثى الذكر بعد التزاوج مثلا.
خيوط العنكبوت رفيعة، لكنها بالغة الصلابة
ويكتفي العلماء بأخذ عينة من المادة الوراثية لاستعمالها في إنتاج بروتينات حرير العنكبوت. وذلك بتحويلها إلى بكتيريا. وإذا نجح الباحثون في تعديل النمط الجيني حسب نوع البكتيريا، فسيكون بمقدور هذه الأخيرة إنتاج بروتين حرير العنكبوت. ويمكن زرع كميات كبيرة من البكتيريا في أنبوب التجارب، لأنها تحتاج فقط للمواد المغذية والأوكسجين، لكن ذلك يجب أن يكون بشكل منتظم. ويعتبر هذا الحل أفضل بكثير من تربية الملايين من العناكب. لكن في الوقت ذاته يجب أن لا تكون سلسلة البروتينات التي تنتجها البكتيرية طويلة جدا، لأن ذلك قد يقود إلى أخطاء، كما حذر الباحث أرتيم دافيدينكو من ذلك.
ورغم نجاح العلم في إنتاج بروتينات حرير العنكبوت، فإن إنتاج خيوط العنكبوت بشكل كامل يبقى مهمة صعبة وحلما يسعى العلم لتحقيقه، والكائن الوحيد الذي يتقن ذلك هو العنكبوت نفسه.