تاريـخ مختصـر وشامـل من العصـر الحجـري
حتى العصر الحديث..أكثر من 500 صورة ملونة
الملاحظ على معظم المدن الحضارية ترَّكزها فيما حول نهر الفرات في القسم الأوسط والجنوبي من العراق.والراجح أن جريان الفرات في أرض مستوية، جانبها الغربي هضبي مرتفع، تنحدر باتجاه دجلة جعل حوضه أكثر ملائمة للاستقرار البشري، إذ يمكن التحكم في فيضانه بتحويله عبر قنوات إلى دجلة إضافة إلى إمكانية إقامة المدن على الحافات المرتفعة غربي النهر. والذي يتدفق في قوس المدن الاولى (اور وأريدو والوركاء ونفر). ويمكن تقسيم تاريخ الحقبة النهرينية الذي يمتد الى أكثر من 3000 عام حسب السلالات التي تعاقبت على الحكم:
1- السلالة السومرية الاولى 3000 ـ 2350 ق.م:
في فجر التاريخ نحو (3000 ق.م) تعززت مكانة المعبد ودوره الاجتماعي والاقتصادي الذي ارتبط بتطور القرى الزراعية إلى مدن يتسع فيها التخصص الاجتماعي شمولاً ودقة ويعبر ظهوره عن بداية نشوء المركز الذي يقود النظام الاجتماعي العام، وقد توّج هذا التطور بابتكار الكتابة حيث عثر على أول نموذج لها بهيئة صورية تعود إلى سنة 3000 ق.م في الطبقة الرابعة من موقع مدينة الوركاء، وظهرت آثار هذا العصر أبرزها الأختام الأسطوانية والكتابة في سورية ومصر وعيلام وأواسط انضوليا. ويدل هذا الانتشار على الأثر المبكر للنشاط الحضاري في العراق في الأقوام المجاورة كما يعطي فكرة عن حجم التطور الذي شهده العراق وانتهى إلى ظهور أول أشكال السلطة وبداية عصر حضاري جديد.
ظهر التطور في الربع الأخير من الألف الرابع ق.م. على الرغم من تركز السومريون في المدن الجنوبية مثل أريدو واور في محافظة ذي قار والوركاء في محافظة المثنى، وتركز الأكديون في كيش في محافظة بابل وسبار في محافظة بغداد وبعض المواقع في محافظة الأنبار وامتزجت كلا الجماعتين وتفاعلتا في كل المدن العراقية القديمة.
وقد رافق هذا التطور تطور آخر مهم بل ربما كان أكثر أهمية، هو ظهور السلطة في شكل سلالات تحكم دويلات صغيرة كل منها في مدينة. ويظهر من دراسة جداول الملوك السومرية أن السلطة (الملوكية) حسب اعتقاد العراقيين الأوائل قد نزلت من السماء إلى الأرض، أول مرة في كيش قرب بابل غير أنها اندثرت بفعل الطوفان الذي اكتسح الأراضي باستثناء رجل الطوفان. ثم عادت إلى الظهور ثانية بعد الطوفان في مدينة كيش، وعلى يد ملوك هذه السلالة تحققت الوحدة الداخلية في العراق في عصر مبكر (2800 ق.م) بحدوده الحالية تقريباً. ومن السلالات السومرية المشهورة سلالة الوركاء الأولى وملكها الخامس كلكامش (2700 ق.م) وقد خلّدت الملحمة البابلية المشهورة (ملحمة كلكامش).
ومن السلالات السومرية الأخرى سلالة مدينة اور (2650 ق.م). تكشف آثار هذه المدينة عن تقدم الفنون والثقافة. فمنها وصلت إلينا القيثارة المشهورة. كما تطور استخدام العربة وأدخلت في الأغراض العسكرية إضافة إلى الزراعة والنقل، وآخر سلالات هذا العصر سلالتا لكش واوما (2550). ويعد الملك اوروامكينا صاحب أول إصلاح اجتماعي قانوني في العالم وهو الذي وضع أسس التشريعات القانونية التي ظهرت بعد هذا التاريخ. وإلى ملك اومالوكال زاكيزي ترجع الجهود الأولى لتوحيد دويلات بلاد سومر وربما الأرض الواقعة بين الخليج العربي والبحر المتوسط إذ يذكر في كتاباته إنه وصل من (البحر السفلي إلى البحر العلوي) وتلقب بلقب ملك سومر.
2- السلالة الاكدية من 2350 - 2200 ق.م:
جاء التطور الكبير على يد سرجون الاكدي (2371- 2316 ق.م) الذي صعد الى السلطة في مدينة كيش واستطاع بعد فترة قصيرة توحيد دويلات المدن السومرية.علماً بأن الأكديين قد عاشوا جنباً إلى جنب مع السومريين منذ أقدم العصور وعرف القسم الأوسط والجنوبي من العراق منذ ذلك الزمن بأسم بلاد (سومر وأكد).
شملت الدولة العراقية الخليج وعيلام (الاحواز) جنوبا والشام حتى البحر المتوسط غربا وأجزاء من الاناضول شمالاً، حيث كانت مدينة آشور تحتل أحد المراكز الإدارية الأكدية المهمة. وحارب سرجون الأقوام التي هددت حدود العراق ومصالحه في آسيا الصغرى فظهرت بذلك أول دولة مركزية تضم بلاد النهرين كلها، اضافة الى أجزاء كبيرة من الشرق الاوسط. وتعتبر الامبراطورية الاولى في التاريخ، كذلك أول دولة موحدة للعراق بأجمعه. حسبما كتب سرجون عن نفسه، فقد بدأ حياته كساقي خمر لملك كيش اور زابابا. هناك اسطورة اكدية حول سرجون، تتحدث عن كيف انه هجر كطفل بعد ولادته، فتكفل نشأته البستاني، ومن ثم احبته الآلهة عشتار.
وقد بنى امبراطورية كبيرة، فالتراث الاكدي يدرج ما لا يقل عن 65 مدينة وأراضي تعود الى تلك الامبراطورية. يخبرنا سرجون نفسه عن فتوحات في شمال بلاد النهرين: ماري على البالخ، حيث وقر الاله داكان (داكون)، البا (تل مارديخ في سوريا)، و"غابة الارز" (امانوس أو لبنان)، و"الجبال الفضية"، ومعارك في عيلام وذكر كذلك سفوح تلال زاغروس. ويذكر سرجون أيضاً عن سفن من ملوحه (منطقة اندوس)، وماغان (من المحتمل ساحل عمان)، وديلمون (البحرين) قد رست فى ميناء اكد.
عيَّن سرجون احدى بناته ككاهنة لاله القمر في اور. اكتسبت أسم أناهيدونا وتبع ذلك أسم انمينانا، ابنة نارام - سن. إن أناهيدونا كانت أمرأة موهوبة، فترنيمتان سومريتان من تأليفها قد حفظتا، ويقال إنها ساعدت في بدء مجموعة من الاغاني وهبت الى معابد بابل.
مات سرجون عن عمر طويل جداً بعد أن وضع أسس التقاليد العسكرية لبلاد النهرين، بعد حكم دام أكثر من خمسين عام. وأضيفت الى هذه الامبراطورية مناطق جديدة إبان حكم حفيده نرام - سين (2291 - 2255 ق.م). وبقيت تلك الدولة العراقية مزدهرة إلى أن استولى عليها الغوتيون (عقارب الجبل) الذين قدموا من الجبال الشرقية (جبال زاغاروس) الذين دام احتلالهم قرابة مائة عام (2211 - 2120 ق.م) وكانت من أحلك فترات التاريخ لما أصاب البلاد من خراب ودمار على أيديهم.
سرجون يكتب عن حياته:
وتظهر الاكتشافات قصة الملك سرجون التي اقتبست في العهد القديم ووردت لنا كقصة حياة النبي موسى. فاللوح المسماري المكتشف ورد فيه ما يلي:
((أنا سرجون الملك العظيم / لا أعرف من أنا / عمي يسكن في الجبال / مدينتي هي Azupiranu (الزعفرانية) التي تقع على ضفة الفرات/ أمي وضعتني في قفة ورمتني في النهر / النهر أوصلني إلى أكد فوجدني مراقب الري فأخذني من النهر فحملني إلى بيته / أحبتني ألآله عشتار / عمري 54 سنة أسست المملكة وحكمتها / حكمت أصحاب الرؤوس السوداء (يقصد السومريين) / قهرت الجبال العظيمة بفؤوس برونزية / أخذت ماري (على الفرات) / أخذت أرابخا (كركوك) وأربا إيلو (أربيل) / قصدت أناضوليا لإنقاذ التجار (النهرينيين) ـ جلبت شتلات الأشجار الغريبة، العنب، التين، الورود لزرعها في بلادي)).
3- السلالة السومرية الحديثة 2112 ـ 2004:
دامت هذه السلالة أكثر من قرن تحت حكم أسرة أور الثالثة، بقيت كثير من المدن السومرية خارج سلطة الكوتيين وبخاصة مدينتي لكش والوركاء. واشتهر اوتو حيكال زعيم مدينة الوركاء السومري (2120 ق.م) بإلحاق الهزيمة بملك الكوتيين تريكان وتحقيق وتأسيس سلالة وطنية في اور اشتهر من ملوكها اورنمو (2113- 2096 ق.م). يعد قانونه المدوَّن بالسومرية أقدم نص قانوني وصل إلينا حتى الآن. وتم إعادة الكتابة باللغة السومرية كلغة رسمية للدولة، ونشطت حركة العمران وظهرت أول مرة الزقورة في معبد الإله (نتا) في اور.
4- السلالة البابلية القديمة 2000 ـ 1595 ق.م:
بعد نهاية سلالة اور الثالثة (2600 ق.م) على يد (العيلاميين)، تمكنت عشائر عراقية ناطقة بالاكدية من طرد العيلامين واقامة عصر جديد عرف بالعصر البابلي القديم نسبة إلى مدينة بابل. وقد أنشأت هذه السلالة البابلية من قبل عشائر سامية (الاموريون) بعدما ظهروا كقوة سياسية وبشرية قوية في وسط العراق وجنوبه. والظاهر أن دور الأموريون الاجتماعي وتزايد أعدادهم بعد التحاق بقاياهم القادمين من البادية الغربية بهم. عاشت قبيلة الاموريين منذ الألف الثالث ق.م في جنوب ووسط العراق إلى جانب السومريين والأكديين. ظهر الأموريين أول الأمر سلالات متفرقة أبرزها سلالتا ايسن ولارسه.
إن أقدم ذكر لبابل بصفتها مدينة أو بلدة يرجع تاريخها إلى زمن الملك (سرجون الاكدي 2279-2334 ق.م) مؤسس السلالة الاكدية، إذ ذكر انه نقل تراب بابل عندما شيد عاصمته الجديدة (أكد) الغير بعيدة عن بابل. وجاء ذكر بابل أيضاً في الأحداث التي اتخذت لتاريخ أعوام حكم الملك الأكدي (شار- كالي- شاري) والذي يذكر تشييده لعدد من المعابد فيها، أما في عهد سلالة أور الثالثة (2112- 2004 ق.م) فقد صارت مدينة بابل تابعة لها وتم تعيين (أنسي) حاكماً أو أميراً يدير شؤونها. ولكن الشأن الكبير للمدينة أنما يقترن بوصول الآموريين إليها واتخاذهم بابل مركزاً لهم وقيام (سومو- آبمSumu-Abum) (1894- 1881 ق.م) وهو أحد الشيوخ الآموريين بتأسيس مملكة حاكمة فيها.
كان الازدهار السياسي والحضاري العظيم بلغ ذروته في عهد ملكها السادس حمورابي (1793-1751 ق.م) إلذي قام بتوحيد العراق في إطار سلطة مركزية واحدة وإخضاع المدن والممالك المنافسة.
واهتم البابليون بالري، وازدهرت الثقافة والأدب والفنون، فإلى هذا العصر تعود أقدم نسخة من ملحمة كلكامش وقصة الطوفان وقصة الخليقة البابلية وتعطي منحوتات العصر فكرة عن النحت الذي اتسم بالواقعية.
تعرضت الدولة البابلية لأقوام جبلية غازية قادمة من زاغاروس غرباً والقفقاس وطوروس شمالاً. فقد واجهت في آن واحد ضعف الملوك الذين جاءوا بعد حمورابي وانقسام الدولة إلى مملكتين ضمت الأولى جنوبي العراق والخليج وعرفت بمملكة القطر البحري أو سلالة بابل الثانية بقيادة ايلوم. وثارت مدن لارسا واور والوركاء.
واستغلت أقوام الجبال الغربية (الكاشيون) والشمالية (الحثيون والخوريون ـ الميتانيون) هذا الضعف وقاموا بغزو بلاد النهرين. لقد استولى الحثيون على بابل ولم يبقوا فيها طويلاً إذ سرعان ما تركوها للكشيين. كما غزا الخوريون منطقة كركوك واحتلوها زهاء قرن من الزمن.
حمورابي وشريعته الشهيرة:
ويعد من أبرز ملوك هذه الحقبة والمشهور بإبداعه الكبير (شريعة حمورابي) التي تعد من اولى وأرقى الشرائع الانسانية. واتجه أيضاً هذا الملك إلى العناية بالنواحي الإدارية والاجتماعية والثقافية فأتبع نظاماً مركزياً في الإدارة ربط بموجبه حكام المناطق به وفصل في سلطاتهم بين السلطة الدينية والسلطة الدنيوية وحوَّل وظائفهم إلى وظائف إدارية. كذلك اهتم بالبريد وسرعة وصوله بين العاصمة والمدن الأخرى ونظم المعابد وحدد صلاحيات الكهنة وألغى محاكمهم وأنشأ المدارس إضافة إلى دور العلم والمعرفة في المعابد. وفي زمنه بدأت أول مرة حركة العناية بتراث العراق القديم وتدوينه وإعادة كتابة الملاحم السومرية. واهتم بالجيش واتبع نظام التجنيد الإجباري وسن قانوناً موحداً للبلاد.
5- السلالة الكيشية (1595-1157 ق.م):
سيطر الكشيون على العراق لنحو أربعة قرون وأصبحوا سلالة عراقية تامة من خلال تبنيهم التام للغة وحضارة النهرين. وهم عشائر من أواسط جبال زاجروس (أسلاف الاكراد) استغلوا فرصة سقوط بابل على يد الحيثيين 1595 ق.م فغزوا الدولة واتخذوا من (دور كريكا لزوا) عاصمة لهم. وكانت لهم صلات بمصر، وأتسم عصرهم بأستخدام الحصان في النقل والعربات في الحروب ولذلك اهتموا بالخيل وأنسابها. وواجهوا غزو العيلاميين وتهديدات الآشوريين معاً إلى أن استطاع العيلاميون (الاحواز) القضاء على الحكم الكيشي في حدود 1157 ق.م ودمروا بابل ومدناً عراقية أخرى وسلبوا ممتلكاتها بما في ذلك مسلة النصر ومسلة حمورابي أيضاً وتمثال مردوخ كبير الآلهة البابلية.
6- السلالة الآشورية 1153 ـ 612 ق.م:
من الصعب تحديد فترة الحكم الآشوري على بلاد النهرين. فهنالك فترات متقطعة من السيطرة المتبادلة بين بابل ونينوى مقر الآشوريين. إذ كان الآشوريون يميلون الى الحكم الذاتي عند ضعف الدولة المركزية في بابل، وذلك بسبب تعرضهم الدائم الى اجتياحات قبائل الجبال والبوادي المجاورة. وكذلك اضطرارهم الى اجتياح بابل لطرد الاجانب وتحقيق وحدة بلاد النهرين.
اطلق أسم الآشوريون على سكان شمال العراق ومركزهم نينوى، لتفضيلهم اله الفحولة (الثور ـ آشور). وهم لا يختلفون عن أهل بابل إلاّ باللهجة الآشورية وروحهم الحربية، ولكنهم ينتمون لنفس الحضارة والدين، وهم مثل باقي العراقيين لغتهم الفصحى هي (الاكدية) بجانب (السومرية).
وبرزت هذه المنطقة في زمن الملك الآشوري (شمشي حدد) عاش في القرن الثالث عشر قبل الميلاد وتمكن من تكوين دولة شملت معظم بلاد ما بين النهرين وسوريا وآسيا الصغرى قبل أن تسقط بعد وفاته تحت سيطرة البابليين بقيادة حمورابي، حيث تحقق وحدة بلاد النهرين.
وقد برز الملك (آشور أوبلط الأول)، الذي تمكن من التخلص من النفوذ الميتاني وأقدم على الزواج من ابنة الملك البابلي الكاشي. كذلك من الملوك الآشوريين البارزين (شلمنصر الأول) الذي دام حكمه 1266-1243 ق.م، وتطلع إلى توجيه العديد من الحملات العسكرية وعمل على استبدال العاصمة (آشور) بمدينة (نمرود). أما العمل الأبرز فكان على يد الملك (توكلتي ننورتا) 1243-1221 ق.م، الذي تمكن من السيطرة على بلاد بابل، وتوسيع سلطانه في الجهات الشرقية والغربية. لكن بعد وفاة هذا الملك دخلت آشور في مرحلة الضعف السياسي، نتيجة لوصول ملوك ضعاف الشخصية، غير قادرين على إدارة مقاليد الحكم، واستمرت هذه الفترة حوالي مائة عام، حتى بلوغ الملك (تجلات بلاسر الأول) 1116-1090 ق.م إلى سدة الحكم، لتكون هذه الفترة مليئة بالإنجازات العسكرية الكبيرة، حيث تمكن من تحقيق الانتصارات المتوالية في الأصقاع البعيدة، في البحر الأسود وسواحل آسيا الصغرى والمدن الفينيقية على الساحل السوري، هذا إضافة إلى استعادة السيطرة على مملكة بابل، وإعادة نقله العاصمة إلى المدينة القديمة (آشور) والعمل على إعادة بنائها من جديد، وذلك بعد أن توفرت الأموال اللازمة التي كانت تأتي إلى العاصمة من مختلف الأقاليم التي تمت السيطرة عليها.
على الرغم من الجهود التي بذلها (تجلات بلاسر) في تدعيم الملك الآشوري وبناء الدولة، إلاّ أن الخطر الآرامي مثل تهديداً حقيقياً للآشوريين، لاسيما خلال القرن الحادي عشر ق.م. لكن القرن التاسع عشر ق.م، شهد نهوضاً آشورياً جديداً على يد الملك (آداد نيراري الثاني) 913-890 ق.م، الذي عمل على مواجهة الخطر الآرامي من خلال إخضاعهم للسلطان الآشوري وعقد صلح مع بابل.
أما المرحلة اللاحقة فقد تميزت في تحركات القبائل الجبلية في المناطق الشمالية من سوريا، وتطلعات الآراميين في المنطقة الغربية حتى جاء الملك (آشور ناصر بال الثاني) 883-859 ق.م، الذي وضع لمساته الخاصة في مجال التنظيمات العسكرية. وكان الملك (شلمنصر الثالث) 858-824 ق.م، قد عمل على توسيع رقعة الحكم الآشوري، ليفرض الجزية على الممالك الواقعة في رأس الخليج العربي. هذا بالإضافة إلى الحملات التي وجهها نحو جنوب سوريا. ولعل الحادث الأكثر جسامة في تاريخ الملك شلمنصر، كان قد تمثل في الانتصار الذي حققه في معركة (قرقارة) عام 853 ق.م، عندما واجه التحالف الذي تم بين الآراميين وحصاره لدمشق.
ومن أجل كسب أهل بابل وتوحيد البلاد، قام الملك (شمش آداد الخامس) 824-810 ق.م، بالزواج من الأميرة البابلية (شميرومات) المعروفة في التاريخ والاساطير بأسم (سميراميس) التي صارت الوصية على عرش ولدها الصغير بعد وفاة والده الملك وحكمت بلاد النهرين من العاصمة نينوى.
في الحقبة اللاحقة (911-612 ق.م) ازدهر تاريخ الآشوريين السياسي والثقافي والاقتصادي وظهرت على مسرح الأحداث أول إمبراطورية اشتهرت بإبداعها الحضاري وشهدت تطور المدن الآشورية قبل آشور ونينوى وكالح (نمرود) ودور شروكين (خرسباد) بقصورها وزقوراتها وأسوارها وما حوت من قطع فنية رائعة إضافة إلى الأعمال العسكرية والثقافية ولا سيما تلك التي حوتها مكتبة آشوربانيبال وكانت سجلاً للحياة العراقية القديمة.
بعد موت الملك الشهير (آشور بانيبال) شهدت الدولة ملوكاً ضعفاء على المستوى الداخلي ومؤامرات واسعة محلية ومتغيرات حادة في الأوضاع الخارجية، في الوقت الذي ظهر فيه زعيم كلدي (كلداني) قوي هو نابو- بولاصر الذي نصَّب نفسه ملكاً على بابل سنة (626 ق.م) وبسط نفوذه على العراق وبضمنه منطقة آشور.
الملك المثقف (آشور بانيبال)
وقد اشتهر بامتلاكه أكبر مكتبة في التاريخ القديم، والتي حفظت فيها آلاف اللوحات الفخارية باللغتين الأكدية والسومرية، التي ساعدت على معرفة الكثير من تفاصيل تلك الحقبة.
أسم آشورـ باني ـ بال Assur-bani-pal يعني (آشور أنجب ولداً)، وقد حكم بين 669-627 ق.م. وهو الابن الثالث للملك آسرحدون، وقد أصبح ملكاً بينما أصبح أخوه المنافس له حاكماً لبابل. ورث عن أبيه أمر الحرب مع المصريين الثائرين، وواجه في عام 652 ق.م تمرد أخيه شاماش في بابل. كان مهتماً بالعلم والأدب والثقافة ولقد كان مسؤولاً عن البحوث العلمية المستفيضة التي كان يعدَّها رجال العلم الآشوريين عن الآثار البابلية القديمة، وقد جمع العدد الكبير من الألواح المكتبية التي رتبت وصنفت بدقة متضمنة بيانات تاريخية وملاحظات متعلقة بالفلك وكلمات للآلهة وتكهنات وصلوات وأناشيد وأساطير عن الأنسان في التاريخ القديم، منها على سبيل المثال قصص عن الفيضان تشبه إلى حد كبير ما هو وارد في التوراة.
أقام السلام في فلسطين وفينيقيا وسوريا، كما قهر عيلام وتغلَّب على البدو العرب، بيد أن الامبراطورية التي شيدها ما لبثت أن انهارت بعد وفاته بسنوات قليلة، وذلك بأن نشب الخلاف بين أبنائه على الخلافة، وتمكنت بابل أن تصبح مرة أخرى مملكة مستقرة في عام 625 ق.م ثم أستولى البابليون وحلفائهم الميديون على مدينة نينوى وكان ذلك في سنة 612 ق.م.
للآه ذَركَ يآعرآق آلحضآرآت
تحيتي