شكرا لنثير عبيرك هنا نورتي\"أحبّك\"، كلمة صغيرةترتسم ملامح الحبّ الأولى في سنّ المراهقة؛ إذ يبدأ الإنسان في هذه المرحلة بالتّعرّف على مشاعره وانجذابه نحو الجنس الآخر المكمّل له، إلّا أنّ ما ينقصه في هذه المرحلة هو النّضج العاطفي الّذي يسمح له بالتّأكّد من مشاعره ومشاعر الآخر.
ويمرّ الإنسان بحالات عدّة قد يعتبرها حبّاً إلّا أنّها تكون مجرّد إعجاب أو رغبة أو تعلّق عاطفيّ أو سعي لملء فراغ عاطفيّ، فقد يعجب إنسان بآخر بشدّة في لحظة ما، ويرغب في بناء علاقة جدّيّة معه ويقدّم شيئاً من التّنازلات لإرضائه، والتّعبير له عن حبّه، وما يلبث أن يمضيَ الوقت حتّى يكتشف أحد الطّرفين أو الاثنان معاً أنّ ما مرّا به ليس سوى حالة من الإعجاب أو تجربة عاطفيّة جميلة، هذا ما نسمّيه الحبّ من النّظرة الأولى. في هذه الحالة لا يمكننا التّكلّم عن علاقة حبّ فعليّة، لأنّ بداية الحبّ ليست حبّاً وإنّما هي مشاعر تتحرّك باتّجاه شخص آخر فتخلق نوعاً من العاطفة والتّعلّق الشّديد والرّغبة في ملاقاة هذا الشّخص باستمرار.
كما ونرى حالات عاطفيّة يعرّف عنها بالحبّ من طرف واحد، واللّفظ هنا أيضاً يعرّض الحبّ في معناه الحقيقيّ للالتباس، في حين أنّ الحبّ هو تفاعل بين شخصين. وأمّا فيض المشاعر من قبل شخص واحد والّذي يقابَل بعدم الاهتمام، فما هو إلّا حالة عاطفيّة مؤلمة يخيّل للإنسان من خلالها أنّه في حالة حبّ. وقد تعود أسباب هذه الحالة العاطفيّة إمّا إلى أنّ هذا الشّخص وجد الصّورة الّتي رسمها في ذهنه عن آخر معيّن وتاق إليها كحقيقة، ولمّا وجدها على أرض الواقع فاض كل اهتمامه ومشاعره عليها، وبالتّالي تعلّق بها. وإمّا أنّه تعلّق بفكرة الشّخص، بمعنى أنّه أحبّ ما يتوقّعه من محبوبه وليس شخصيّة المحبوب كما هي. وينتج عن هذه التّجربة العاطفيّة الكثير من الألم لأنّ هذا الشّخص مقتنع أنّ الطّرف الآخر يحبّه بالطّريقة عينها ويدّعي عدم الاهتمام، كما أنّه يعيش ما يسمّيه حالة الحبّ هذه في خياله كحالة واقعيّة، فيكرّس كلّ طاقاته الفكريّة والعاطفيّة للعيش مع محبوبه في خياله.
وجه آخر من الحبّ الّذي يفرض نفسه بالكثير من التّملّك والأنانيّة والغيرة بحيث أنّ المحبّ يعتبر أنّه يمتلك محبوبه بكلّيّته لدرجة أسر حرّيّته ومراقبة تصرّفاته وسلوكيّاته بدقّة وحرص، ممّا يسبّب الحزن والضّيق للطّرف الآخر وللشّخص نفسه. فتتّسم شخصيّته بالارتباك والقلق اللّذين لا يفارقان حياته فتصبح في اضطراب لا متناهٍ. وهذه الحالة تعود إلى الشّعور بعدم الثّقة بالآخر وبحبّه بشكل غير واعٍ، والخوف المستمر من خسارته لأيّ سبب كان، كما أنّها إحساس بفقدان القيمة الّذاتيّة إذا ما اختفى الآخر من حياته.
النفس الّتي تحبّ وتشقى، كما يقول الكاتب الفرنسيّ فيكتور هيجو، لهي في أسمى حالات السعادة في الحياة.لم يعرف الحبّ الحقيقيّ إلّا قليلون وهم الّذين عدّوا الحبّ قضيّة مقدّسة وإنسانيّة بامتياز، خاوية من أيّ هدف أو غاية. هذه القلّة وبعدما صقلت مشاعرها بالتّأمل بمقاصدها النّبيلة وتنزّهت عن الحاجة الجسدية والحسّيّة، وأيقنت أنّ أقصى درجات المتعة الجسديّة هي الزّوال، دخلت في سرّ الحبّ العظيم لتسبر أغواره وتحيا حياة أبديّة تبدأ هنا ومنذ الآن في هذا العالم لتكتمل لاحقاً في الحياة الحقيقيّة.
من دخل سرّ الحبّ لامس الحقيقة وعاين من خلالها الذّات الإنسانيّة الأصيلة والنّبيلة المرتبطة بما هو أبعد من الجسد والحواس. كما أنّه أيقن أنّ الإنسان كتلة حبّ متحرّكة غاية وجودها الوحيدة هي الحبّ من أجل الحبّ. الحبّ وسيلة للخلاص، بحسب أفلاطون، إذ إنّه السبيل للتّحرّر الفكريّ والعاطفيّ، وبالتّالي السبيل إلى حرّيّة الإنسان