- كيف بدأ بيب جوارديولا رحلة التغيير في برشلونة، منذ يومه الأول، في الدرجة الثالثة من الدوري الإسباني؟
** من كتاب "برشلونة: صناعة أعظم فريق في العالم"، للكاتب جراهام هنتر. ستتوفّر نسخه الورقية والإلكترونية في الأسواق، مطلع العام القادم.
فاز بيب جوارديولا بكلّ شيء، كمدرب، مع برشلونة. لو أنّنا عدنا بالأحداث أعواماً إلى الوراء، تحديداً لموسم 2007-2008، حين تولّى تدريب بارسا "بي" في الدرجة الثالثة، سنلاحظ أن بصمات نجاحه كانت واضحة، منذ ذلك الحين.
في صيف 2003، كانت الدورة الرئاسيّة للنادي على وشك الانتهاء، والكامب نو يستعد لانتخابات جديدة. المحامي الشاب خوان لابورتا فاز بمنصب الرئيس، لكن لا بد من الإشارة إلى أن أقرب منافسيه كان لويس باسات، الذي حصل على المركز الثاني. هذه الإشارة التي لا تبدو مهمة، ستعيدنا إلى أساس القصة مع بيب.
باسات كان ذكياً كفاية، ليرى في جوارديولا، الذي ما يزال يلعب مع روما، كنزاً ثميناً يمكن استثماره لمصلحة النادي. لقد كان مجنوناً هذا المرشح لرئاسة النادي، إذ أراد أن يجعل من شابٍ لم يتجاوز 32 سنة من عمره، مدرباً لبرشلونة!
باسات يذكّر دائماً بما حدث معه: "عندما كنت مرشحاً لانتخابات الرئاسة عام 2003، ذهبت إلى روما كي أوقع مع بيب. كنت أرى فيه شاباً ذكياً يعشق البارسا، ومستعداً لبذل كل شيء من أجل الفريق. تحدّثنا لـ6 ساعات، لكنه أقنعني في النهاية بأنه ليس مناسباً في هذا الوقت ليصير مدرباً، كما أنه لم يحصل على رخصة التدريب بعد". ويضيف: "عدلت عن رأيي، وقرّرت أن أجعله المدير الرياضي المستقبلي للفريق. كنت أتوقع أن يصبح مديراً رياضياً متألقاً، بالضبط، كما هو الآن مدرب متألق".
الأحلام كلّها بدت وكأنها تبدّدت، بخسارة باسات وحلوله ثانياً أمام لابورتا. لكن جوارديولا استأنف لعب الكرة، مستعداً في ذات الوقت، للمستقبل الذي كان يخطّط له. حصل، فيما بعد، على شارة التدريب، ليُعيّن على الفور تقريباً، مدرباً لبارسا "بي".
في يونيو من العام 2007، كانت ثقة لابورتا ويوهان كرويف وتكسيكي بيغرستاين (المدير الرياضي) وإيفاريست مورترا (عضو مجلس الإدارة) قد مُنحت لجوارديولا، العائد لتوّه إلى برشلونة، منهياً رحلته الاحترافية كلاعب. كان هذا كلّه يحدث، بينما الأجواء في الفريق الأول الذي يقوده الهولندي فرانك ريكارد تزداد سوءاً، بسبب الانحدار الكبير الذي أصاب مستوى البارسا خلال موسمٍ واحد، وخسارة لقب الدوري لصالح ريال مدريد.
كان جوارديولا دينامو من النشاط والقيادة والجوع للعمل. وأثناء تقديمه كمدرب للفريق "بي" قال: "ما كنته كلاعب ذهب وانتهى. كمدرب في برشلونة أنا لا شيء، وسأبدأ من الصفر. وحده تحقيق الانتصارات سيمنحني المصداقية أمامكم. إنه الطريق الوحيد لأثبت نفسي كمدرب". وأضاف: "الأولوية هنا لاستمرارنا في تقديم لاعبين من الصنف الممتاز، لكنّني إن لم انتصر، ولم أرفّع الفريق إلى الدرجة الثانية، لن يكون مسموحاً لي أن استمر. هكذا أفهم كيفية سير الأمور".
ومن بين ما قاله أيضاً: "لم أتلق أي عرض آخر للتدريب، ولذلك أجد نفسي ممتناً للبارسا، فلولا هذا الفريق الذي جاء وبحث عني، لكنت جالساً في المنزل. أول شيء أريد أن أنقله هو شعوري بالفخر لعودتي للمشاركة مع الفريق، مرةً أخرى. لا أنظر للعمل هنا على أنه في الدرجة الثالثة... بقدر ما هو مع بارسا "بي". على اللاعبين ألا يروا في أنفسهم لاعبي درجة ثالثة، بقدر ما هم، في حقيقة الأمر، شبّان يطرقون أبواب اللعب في فريق برشلونة الأول".
شدّة حماسة المدرب الشاب دلّل عليها ما سمعه الناس في وقتٍ لاحق، حيث قال لابورتا ما لم يكن أحد يتوقعه: "كان يمكننا الشعور بأن جوارديولا سيقبل أن يكون مدرباً لبارسا "بي"، من دون راتب!".
على بعد 100 متر من الكامب نو، في ملعب الميني ستاديوم تحديداً، الذي يتسع لـ 15 ألف متفرج، كان صوت جوارديولا مسموعاً وهو يصرخ في لاعبيه الشبّان: "لا أريدكم أن تراوغوا كليونيل ميسي... فقط مرّر الكرة، مرّرها، ومررها مرة أخرى. مرّر بدقة، وتحرك جيداً، ومرر من جديد، ومرر ومرر، ثم مرر... وهكذا".
كان صوته يعلو قائلاً: "أريد أن تكون كل تمريرة دقيقةً وذكية. هكذا يمكن أن نصير مختلفين عن بقية الفرق. هذا ما أريد أن أراه منكم".
الكثير مما نراه الآن من الفريق الأول، كان متوفراً بتذاكر أرخص ثمناً: قلب الدفاع حين يصبح ظهيراً، والأجنحة حين تدخل إلى العمق لتعزيز الهجوم بخمسة لاعبين أثناء تقدّم الظهيرين، وسيرجيو بوسكيتس وهو يغادر موقعه كمحور ارتكاز ليساعد الدفاع عند تحويل خطة اللعب من 4-3-3 إلى 3-4-3، ورأس الحربة مع الجناحين على طرفي الملعب حين يضغطون على لاعبي الفريق الخصم لاسترداد الكرة... كل هذا كان متوفراً ببساطة، في الميني ستاديوم!
بارسا "بي" لم يخسر في 21 مبارة لعبها على أرضه، واستطاع أن يفوز بدوري الدرجة الثالثة.
لقد فعل معهم جوارديولا ما فعله مع لاعبي الفريق الأول، لاحقاً، قبل نهائي دوري الأبطال في روما عام 2009. في المباراة الحاسمة من الدور الثاني لدوري الدرجة الثالثة، ضد فريق بارباسترو، عرض بيب فيلماً مدته 15 دقيقة على اللاعبين، يدور محور قصته حول أبٍ وابنه يتصارعان على لقب الرجل الحديدي، استطاع فيه الأب الذي يبلغ 60 عاماً ويعاني شللاً دماغياً من حمل ابنه أكثر من مرة. لقد أثّر هذا الفيلم باللاعبين للغاية، حتى أن بعضهم اعترف فيما بعد، أنه نزل إلى المباراة والدموع في عينيه متأثراً بما شاهده، ومتحمساً لتكرار انتصار الأب الكهل (الأصالة) برغم كل أمراضه، على ابنه الذي يشاكسه. لقد منح هذا الفيلم اللاعبين إحساساً بمدى قدسيّة شعار النادي الذي يدافعون عن ألوانه، ويسعون لترفيع فريقه الثاني إلى الدرجة الثانية. كان في المدرجات 10 آلاف مشجّع شاهدوا الفرحة العارمة التي تحقّقت بتسجيل فيكتور فاسكيز هدف الفوز، مما يعني تأهل الفريق إلى اللعب في الدرجة "بي".
وبوصوله إلى هذه المرحلة، كان جوارديولا قد فهم أن مهمته التدريبية الأولى أصبحت على وشك الانتهاء، وأن حلوله خليفة لريكارد صار مسألة وقت، لا أكثر.
منقول