الاقاليم الوطنية & التقسيم باستفاضة
تنبيه : المنشور طويل لكنه مقسّم الى نقاط بعناوين محددة باللون الاحمر ، ان لم يكن لديك الوقت والجهد الكافي للقراءة ، تستطيع الاكتفاء بقراءة النقطة التي تهمّك ، لكن لا تعلق على نقطة تعتقد اني اغفلتها قبل التحقق لطفاً.
الاقاليم الطائفية
كانت قيادات الشيعة أول من روّج لهذا المشروع (المجلس الاعلى تحديداً)، وذلك في سبيل اقامة دولة صغيرة يحكمها "المجلس" بالاشتراك مع بعض القوى الشيعية القليلة آنذاك ، قيادات السنة رفضوا هذا المشروع طمعاً باسترداد حكم العراق كاملاً ، لكن الامور اختلفت الآن .. "المجلس" تراجع تقريباً عن الترويج لهذا المشروع بعد ان تفاجئ بحجمه الضئيل نسبةً لبقية التيارات الشيعية وأحس ان الامر سيستقيم لغيره ان كُتبت الولادة لهذا الاقليم ، اما قيادات السنة فقد تراجعت هي الاخرى عن رفضها لمشروع الاقاليم بعد ان فقدت الامل باسترداد حكم العراق كاملاً ، وتبادل الطرفان الادوار ، اليوم .. المجلس ضد التقسيم .. السنة مع التقسيم !
من هم دعاة التقسيم الحقيقيون ؟
ليس هناك تيار معين يضع التقسيم هدفاً أساسياً له ، التقسيم هو هدف مرحلي للتيارات التي تسعى للسلطة لكنها تشعر بالضعف وعدم امكانية التواصل مع الاخرين ، هذا ما كان يشعر به "المجلس" عندما كان "تقسيمياً" وهذا ما تشعر به القوى السنية التقسيمية اليوم ، السياسي الذي لا يفهم من السياسة الا السلطة سيسعى لحكم كل الارض بأقصى سرعة ، فإن فشل سيسعى لحكم بعض الارض بعد ان يدعو لاقتطاعها من جسم الوطن الكبير الذي فشل في إمتطائه ، سيدفع المال ويلقي الخطابات ويكوّن شعبيّة في احدى القرى ثم يدعو لانفصالها ليكون ملكها الأوحد ، وسيطلي فشله و طمعه طبعاً بدعاوى كثيرة منها المظلومية و التهميش و الخ ..
التقسيم حقناً للدماء
وهي الكذبة الأحدث في أسواق التقسيميين ، و التي لا تصمد امام النقاش والحوار اكثر من خمس دقائق ، لاحظ ان من يطرح هذه الفكرة لا يطرحها في اجواء النقاش والبحث ، بل يصرخ بها في لحظات انفعال مصطنعة ، كأن يعرض لك صورةً لجثة احد الضحايا ثم يذرف فوقها دمعتين كاذبتين ثم يفتح فمه المملوء بالتباكؤ ويردد (خلينا نتقسم ونرتاح) !
الارهاب الذي يجتاح مدن الشيعة لا يعرف الحدود و لا يعترف بالاقاليم ولا الجمهوريات ، انه يضرب حيث يشاء متى يشاء ، والساذج هو وحده الذي يعتقد ان داعش ستصل الى بوابة اقليم الوسط والجنوب فتجدها موصدة فتعود الى الصحراء خائبة !
تقريباً ليس هناك أغبى من هذا الاعتقاد !!
اما "الجرائم" التي تمارسها الحكومة الشيعية ضد السنة فهي لا تمارسها باستخدام الشيعة ، السيطرات والمخبر السري واساءات الشرطة والجيش والابتزاز والرشاوي و غيرها كلها كانت تتم غالباً بأيادي سنيّة محليّة و انفصال اقليم السنة لن يكون سبباً بانقلاب فاسدي السنّة الى ملائكة يحكمون بعدل عُمر بين ليلة وضحاها ، و ليس هناك أغبى من هذا الاعتقاد الا اعتقاد جماعة اقليم الجنوب سالف الذكر !
نعم ، بعض الجرائم والاساءات تتم بأيادي شيعية لكن هذا لا يعني ان الوسط السني العراقي اليوم خالي من التيارات الاجرامية التي لن توفّر دماء اي سني بعد التقسيم ، كيف لا وقد رأينا بأعيننا كيف استباحت تنظيمات الارهاب دماء السنة وفجرت بيوتهم ومؤسساتهم فقط لانهم ليسوا سنّة على طريقة هذه الفصائل ، فهل يكون التقسيم فقط لاستبدال "جلاد شيعي" بجلاد آخر سني (منّا وبينه) ؟ إنّه إذاً مطمحٌ خجِلُ !
التقسيم لا يغير الجغرافيا
هب أننا تقسمنا ، و رسمنا الحدود ، هل ستزداد المسافة بين الفلوجة وكربلاء ؟ الجغرافيا قدَر ، وتصوير التقسيم وكأنه عملية طلاق بين زوجين ينقلب بعدها كل طرف الى (بيت اهله) مسرورا هو وهم كبير ان لم يكن خداع ، نحن جميعاً باقون هنا ووجوهنا بوجوه بعض للأبد ، تقسمنا ام توحدنا !
التقسيم والفدرالية والكونفدرالية واللا مركزية
الفرق بين هذه المسميات كالفرق بين (الطرّة والكتبة) كلها كلام فارغ ، و ذكر تجارب فيدرالية ناجحة في اوروبا او اسيا او جزر الواق واق ، لا يمت للظرف العراقي بصلة ، قالوا لنا (واقصد احمد الجلبي وانتفاض وفائق الشيخ) قالوا ان تحرير العراق سيكون (چكة ابرة) يزول صدام من هنا ، وتدخل سيارات الكادلاك والروز رايز للمواطنين من هنا ، هكذا روّجوا ، وعندما وصلت الدماء الى الرّكب ، صمتوا وهربوا او تحصنوا ، واليوم يعيدون ذات الاسطوانة وبعد ان تشتعل جبهات الاقاليم سيهربون او يتحصنون مرة اخرى ..
المثال الحي الوحيد لتجربة تقسيم العراق هو تقسيم السودان ، حروب و نزاعات وشعب متخلف وتاريخ دموي ورعاية اسرائيلية ، و عارٌ على كل ذا لب ان يبتلع الطعم مرتين من نفس السنارة.
التقسيم من أجل الثروة
وهو حراك بدأه سياسيون فاشلون كالشيخ حسين الاسدي ، ومن قبله السيد وائل عبد اللطيف ، ومؤخراً الوافد الجديد محمد الطائي ، يروّج ابناء هذا التيار أفكاراً كـ (نفط البصرة للبصرة) أو (زئبق العمارة للعمارة) أو خستاوي عين التمر لعين التمر و الخ .. هذا الحراك هو الأخبث على الإطلاق ذلك لأنه يقوم على فكرة إغراء اهالي المدن بالمال والثراء ، واقناعهم بفكرة انهم (كابناء محافظات تحوي ابار النفط) افضل من اقرانهم من ابناء المحافظات التي لا تحوي اراضيها هذه الابار ، يقولون للبسطاء السذج : "لماذا علينا ان نتشارك النفط مع صلاح الدين والموصل ، لماذا لا نستولي عليه كله ثم نبيعه ونبني القصور ونركب الجكسارات ونتزوج الحسناوات ؟؟" ، انهم بذلك يعزفون على اوتار كل الغرائز الانسانية دفعة واحدة (الطائفية و حب المال و الثراء والخ .. ) لكنهم يخفون الحقيقة ، فهم مثلاً لا يقولون لهم أن هناك أيضا محافظات مائية ستفكر بنفس الطريقة ، ومحافظات حدودية ، ومحافظات مرورية ، ومحافظات سياحة دينية و الخ .. ؟؟ و السذّج الجياع لا يسألون عادة ولا يتأملون ، بل يكتفون بعبادة مَن يعدهم بالماء والكلأ ..
حتى مشاريع البترودولار هي خيانة و تمييز بين المواطنين ، لا تستحق اي محافظة ديناراً واحداً اكثر من حصتها المحتسبة وفقاً لعدد سكانها ، اما قضية التلوث الذي تعاني منه البصرة مثلا بسبب النفط فتتكفل الوزارات الاتحادية بمكافحته بمشاريع او بتمويل للمحافظة وفقاً للجان تحدد التكاليف ، تماما كما تطلب كربلاء مثلاً اموالا اضافية بسبب الزيارات او صلاح الدين بسبب الفيضانات.
التقسيم لن يتوقف عند الاقاليم الطائفية الحالية
تبدأ فكرة (التقسيم من اجل احتكار الثروة) على نطاق واسع اسمه : اقليم الوسط والجنوب لتجلب اكبر عدد من اصوات الواهمين والمتطلعين للثراء والرخاء ، لكنها لن تنتهي هكذا ، فمَن منع اليوم "نفطه" عن صلاح الدين ، لماذا سيستمر بمنحه للديوانية ؟ اليس أهل البصرة أولى به ؟ !! بلى هم اولى به بحسب رأي محمد طائي جديد سيظهر لاحقا ..
ثم من قال ان النفط يتوزع على كل أراضي البصرة ؟ النفط موجود ضمن (مضارب) عشائر معينة ، وقد أخبرني احد العاملين في احد الحقول النفطية هناك أن ابراج استخراج النفط مقسمة على عشائر معينة ، ولا يمكن تعيين اي شخص الا بموافقة هذه المافيات العشائرية المسلحة والتي تتعاون معها الشركات الاجنبية لاتقاء شرها.
هذه المقدمات لن تقود على المدى البعيد الا الى نتيجة واحدة ، امارات صغيرة ضعيفة ومحاصرة متكونة من آبار نفط وحولها بعض السكان ، تستعين بقوات اجنبية لحمايتها من خطر الدول او الاقاليم المجاورة ، تماما كقطر والبحرين والكويت ، وهو الوضع المثالي الوحيد الذي ستسمح القوى الكبرى بتمريره ، لاحظ ان اكبر قاعدة اميركية تقع في قطر ، لا في السعودية !
التقسيم مطلب اسرائيلي صرف
انا كعراقي ، وفي هذه المنطقة الملتهبة ، اتمنى ان استيقظ يوما فأجد كل من ايران وتركيا والسعودية وقد تحول كل منها الى عدة دول ، أكبرها بحجم الديوانية ! ولعل اغلبكم يشاطرني التمنّي ، فكيف لا يكون تحول العراق بل كل دول طوق اسرائيل الى دويلات صغيرة متناحرة حلماً اسرائيليا وهي الكيان الصغير المزروع وسط هذا العملاق المخيف بحجمه وامكانياته المادية والبشرية والاستراتيجية والمسمى (الوطن العربي) سيما انها قد جربت عدة مرات ما الذي قد يحصل لها حين تجتمع دولتين من هذا الوطن العربي في حرب ضدها !
الفدرلة لأسباب ادارية
في بداية فكرة الاقاليم التي طرحها التقسيميون ، زعموا ان الفدرلة انما هي بسبب المركزية المقيتة التي تعطل المشاريع ، وان بغداد لم تعد تستطيع ادارة شؤون كل المحافظات وأن الفدرالية مطلب تنموي بحت ولا ابعاد سياسية او طائفية او تقسيمية تقف خلفه ، هذا ما يكرره كثير من التقسيميين اليوم ، لكني كما يقول المثل (اسمع كلامك يعجبني ، اشوف اقاليمك اتعجّب) ! فما هذه الصدفة اللعينة التي جعلت المحافظات التي تريد التفدرل سوية كلها من لون طائفي واحد ؟؟
اذا كان هناك مشكلة اجتماعية بين المكونات فالتقسيم ليس هو ما يحلها ، بل الحوار والتصالح والتفاهمات ، مشكلة الشيعة والسنة ستنتهي بالتقسيم كما يزعمون ، لكن كيف ستحل مشاكل الفصائل الشيعية و الفصائل السنية ؟ بعد ان اصبح لكل فصيل مناطق نفوذه الخاصة بل ان هناك محافظات كاملة محسومة لتيارات معينة ، ذات الاشكال الشيعي السني سيتكرر حتما على شكل شيعي شيعي و سني سني وتخيل لو ان كل فصيل (زعل) من الاخر و قرر الذهاب بمحافظته الى الانفصال ليحقن الدماء و يستثمر الثروات !!
قصة هذه الخارطة
صممت هذه الخارطة بعد ان (تظاهرت) بتصديق ذريعة الفدرلة من اجل الاشكالات الادارية ، وهي تقسم ما تبقى من العراق الى ثلاث اقاليم عمودية لا افقية ، نضمن بذلك عدة مكاسب :
١-التوازن الطائفي الذي سيحول دون تحول هذه الاقاليم الى دول طائفية متناحرة
٢- للاقاليم الثلاثة حدود مع بغداد العاصمة.
-للاقاليم الثلاثة حدود مع البصرة (مدينة الميناء البحري الوحيد) وهو ما سيربط مصالح الاقاليم جميعها بالبصرة ليكون هناك اجماع على استقرار هذه المدينة ، بمعنى ان الموصل بحسب الخارطة اصبحت تطل على الخليج العربي.
٤-للاقاليم الثلاثة حدود مع اقليم الشمال.
٥-الاقاليم و ان بدت متباينة في المساحات لكنهة تقريبا متساوية من حيث عدد النسمات وهو المهم.
٦-عند اقامة هكذا اقاليم ، لا بأس بتغذية الروح الوطنية المنحازة او المفتخرة بالاقليم لان هكذا حماس هو حماس آمن تماماً ، فما الضير بالتعصب لاقليم الغرب وهو يضم الانبار وكربلاء ، وكيف يمكن ان تنشب حرب او فتنة طائفية بين اقليم الوسط و اقليم الغرب و هما اقليمين متداخلين طائفيا ؟
٧- اهم المكاسب هو نزع فتيل حرب استنزاف أبدية بين الانبار وكربلاء ومن خلفهما اقليمي الشيعة والسنة والدول الداعمة لهما بسبب الخلاف على المنطقة الممتدة من صحراء كربلاء الى حدود الاردن (النخيب) وهي منطقة استراتيجية مهمة تستحق (عسكريا) القتال المستميت ، وقد وضعها الاصدقاء الاغبياء ضمن خارطة اقليم سومر ، ووضعها الاصدقاء الاغبياء الاخرون ضمن اقليم اهل السنة ، لكن في هذه الخارطة ستذوب هذه المشكلة مع ذوبان الحدود بين محافظات الاقليم الغربي ، والامر مسحوب على بقية الخلافات الحدودية السنية الشيعية الخطرة والتي تنتظر اعلان الاقاليم لتنفجر على شكل حروب جبهات حقيقية و يا گاع ترابج كافوري و الخ ..
هذه الخارطة خيالية ربما ، لكنّي اضعها في عين كل مَن يدّعي ان مشروع الاقاليم ليس طائفيا وانه مسألة ادارية حضارية.
قسموها هكذا ان كنتم صادقين !