خيال أبو ذياب
انا من عشاق الذهاب إلى بادية السماوة ، بل من المدمنين عليها ، قبل أعوام لم أكن أعرف عنها شيء لكن ما كتبه القاص والروائي حامد فاضل عن الصحراء ، حفز بداخلي رغبة الوصول إلى أعماقها ، فمازالت حكاية مقتل الداغر عالقة في ذهني في مجموعته ما ترويه الشمس ما يرويه القمر وكيف ان البطل دخل على اهله مبتهجا ينادي : انا قتلت الداغر ، انا قتلت الداغر ، والداغر كما تعرفون هو الذئب !
بعد تحسسي مواطن الجمال في تلك النصوص تكونت لدي الأسئلة تلو الاخرى عن هذه الامكنة التي أدخلها حامد فاضل في عالمه السحري ..
حامد يقول ان حبات الرمل عبارة عن سلسلة ذهبية ملقاة على أرض فسيحة ، ليس هذا ما نصه حامد ، لكن انا تحسست نصوص حامد هكذا فحديثه عنها مثل أنثى صبورة ، تتحمل سياط الشمس لتضمد الجرح ببرد الليل الصحراوي .
يبث لنا حامد بين سطور نصوصه حكايات عن الحكائين في الصحراء الذين يسردون بطولاتهم ومغامراتهم في الصحراء ، فمرة واقعية شبه مستحيلة ، ومرة أخرى ينسجها الخيال ، هذه الحكايات أخذتها معي واتجهت إلى الصحراء كي أعرف تلك المخافي ..
بعد ان قطعنا مسافات شاسعة بين الرمال والأحجار برفقة صديق الروح والقلب ماجد وروار ونسختي الثانية حسام العاقولي ، مررنا بواحات خضراء وغدران ماء لها سحر طبيعي لا يضاهى ، وجهتنا كانت إلى منطقة القصير أو الكصير" حيث قررنا المبيت هناك عند صديقنا البدوي ذلك الرجل الكبير المكنى بأبي ذياب ..
رغم بساطته وبساطة عيشه إلا ان كرمه نسخة طبق الاصل عن كرم العرب الأوائل الذي نقرأ عنهم في الكتب ولا أبالغ إن قلت لكم أصبحنا نحن أهل البيت وليس هو أو عياله ، كل ما موجود هو بخدمتنا ..
حينما يجن الليل ( تحله السوالف ) فينطلق اللسان ساردا كل ما في المخيلة من أحاديث ، لكن من مؤكد ان خيالنا المدني يختلف عن الخيال البدوي ، سأترككم الآن مع ما قصه علينا أبو ذياب ، الذي داهمنا بقصته الغرائبية ووسط زحام الأحاديث ، قال ابو ذياب : وصلني أحد الاصدقاء إلى هنا، حيث بيتي وسط هذه البراري ، رحبت به طبقا لتقاليد العرب ، بعد تقديم الضيافة له تجاذبنا أطراف الحديث ( ولا أخيره عليكم ، ها خوية ...) ، ( اي حجينا كمل )
واصال أبو ذياب سرده لقصته ، فقال ضيفي بعد أن قرر النوم ليلا : انا لا أنام على الارض ولا في ( البرانية ) فقلت أين ستنام ، الحديث لأبي ذياب ، قال أنام فوق السيارة ، انهم سيأتون الليلة ، من هم سيأتون ، قال ستعرفون ذلك ، لذلك سأفترش سقف السيارة لأنام ..
بعد الاصرار ، نام صاحبنا فوق السيارة ، إلا أني بقيت قلقا جدا من أمره ،فصعدت مع عيالي فوق سطح الدار وبعد منتصف الليل واذا بستين ذئبا يحيط السيارة التي نام فوقها ضيفي ! وتسمرت انا وعيالي وطلبت منهم الصمت حتى الصباح وبعد ان غادرت الذئاب ..
ذهبت لصاحبي قلت ما قصتك قال : الذئاب تبحث عني وتريد أكلي أنا أحمل ( خرزة ) واريد ان اجربها فهي تجلب الذئاب والحظ لي معا فيتعقباني اينما حللت في الصحراء ليلا !
إلى هنا إنتهت القصة ونحن المدنيين أردنا النوم أيضا لكن التخوف أحاط بنا من هول هذه القصة ، وفي الصباح فطرنا بالخبز الحار وحليب الماعز وتركنا (ابو ذياب وقصته) وأكملنا الرحلة بحثا عن جمال آخر في هذه البادية الفسيحة الباعثة للتخيل بكافة أنواعه ، هذا الخيال الغرائبي ، يشكل جزءا من ثقافتنا وتاريخنا الممتلئ بالسرديات الخيالية ، نحن أهل لغة وكلام ، أمة شاعرة بامتياز تعشق جمال التعبير حتى لو تفوق على الواقع
منقولة من صديق